عسس في ليل لا ينعس وأخرى
مسرحية
مسرحية
هذه المسرحية
مدينة ألعاب مهجورة
فيها الكثير من الدمى
ولكن لا أطفال
أطفالها رحلوا بعد أن ماتتْ كل الحَمَامات في عيونهم
واتسع حذاء الوطن الأسود فيها
منذ ذلك اليوم، لم يعد هناك أحد يركض في الأدغال
أو يصعد الجبال
بعد أن صارت كل النسور رتبة على كتف صيّاد
ذلك الغيم الذي خسر في النزال ولم يبكِ
و تلك الشجرة التي مزّقتْ ثيابها في الليل المجنون
حين طالتْ إجازات المطر
وداستْ أقدامُ البئر على وجهَ القمر
القمر الذي عفّر وجهه بالتراب
حين رفع الوطن مناديله البيض
وغرقتْ أرجله في الطين
ترتيب الأسماء لا يخضع لأي اعتبارات دينية أو أبجدية أو طائفية أو واسطات
الرجل الدب" ثلاثيني " : ممثل يرتدي أقنعة الحيوانات كي يضحك بها الأطفال في المراكز التجارية و الطرقات.
الزوجة : رسامة مُقعدة على كرسي متحرك
أبو الرصيد " خمسيني بيد واحدة " : يبيع أرصدة تعبئة لأجهزة الهاتف المحمولة في السوق السوداء والطرقات
أم الكراتين : امرأة متسولة و معدمة تجمع الكراتين الخاوية والقناني الفارغة وتبيعها.
شاعر شهريار " خمسيني " : شاعر متملق كرس حياته للكتابة عن منجزات شهريار
شهريار "سبعيني " : حاكم المدينة وديكتاتور
الطفل
الملاك (يتناوب الممثلون على أداء دوره مع تلوين نبرة صوتهم لا سيما أنه يضع قناعا أبيضا مناسبا على وجهه لا يخلعه إلا في الفصل الأخير )
" أحداث المسرحية تجري في مدينة تشهد حالة حرب، يدور الفصل في غرفة لا شبابيك فيها، فعن يمين المسرح بداية دهليز يرقى إليه بعدة درجات ثم يصل إلى باب موصد، على الحائط لوحتان كبيرتان عليها صورة الرجل الدب " رجل يرتدي بدلة تنكرية لدب أبيض إحداها في مجمع تجاري وأخرى يرتدي قناع الحمار وهو يوزع الحلوى على الأطفال " و ستارة لتبديل الملابس وأخرى في صدر البيت فيها درابيز قابلة للفتح والإغلاق وخزانة ملابس ، تُفتح الستارة وتظهر امرأة جالسة على كرسي خشبي وأمامها لوحة رسم، ورجل نائم على الفراش بقربه مشجب عليه قناع الدب".
الزوجة " بصوت عالٍ ": قم يا زوِجي الدب ..استيقظْ قد أطلت النوم ..قم يا دبدوب.. فيق ..
" يستيقظ وهو يفرك عينيه" .
الرجل الدب" يجلس على السرير بانزعاج " : أف حتى أنت يا باتروس ( يضحك ) تنادينني بالدب.
الزوجة " تضحك ساخرة " : أسهل من اسمك يا حبيبي، ثم أصبح كرشك كبيرا فعلا، أصبحت كالدب..
الرجل الدب : وماذا يعني ذلك؟، الكرش وجاهة للرجل ..
الزوجة : " تضحك " كالدب تماما تنام وسط كل هذه الجلبة و أصوات هذه المدافع..
الرجل الدب : أنا إن لم أسمعها يوماً، لا أشعر بالراحة...اِعتدت عليها هي الموسيقى التصويرية لحياتنا.
الزوجة : وعلى هذا الوقع من الموسيقى، بماذا حلمت من المؤكد كلها كوابيس ...
الرجل الدب " بـألم ": لا أستطيع الحلم، صار لي ردح من الزمن لم أر حلما واحداً، ما الذي أصابني يا الله!، ما الذي يجري، " يتثاءب " أي غموض يحيط بي " يمسك عينيه ويشد رمشيه " ..أريد أن أحلم.. و لكن لا شيء، هل من المعقول أني توقفتُ عن الحلم ترى ما الذي فعلته كي أصل إلى هذه النتيجة، الأحلام راحة الحياة وهي وسيلة التنفيس عن همومها.
الزوجة : وما الذي أصابك الآن ؟.
الرجل الدب: آه من أيام زمان، كم كانت الأحلام رخيصة مثل الخضار في سوق الحرامية.. ولكن الآن كل شيء غالٍ.. تحلم.. تموت ..تعيش .. تتنفس ... تعشق .. كل شيء .
الزوجة " وهي ترسم" : هل تريد أن أرسم لك لوحة كي تحلم؟!..
الرجل الدب: على هامان يا فرعون !، هل ستخدعينني أيضا، أنا من نصحك بأن تحترفي هذا الكار ونكسب منه نقودا في وطن ينوّمنا جميعا ثم يسلب منا أحلامنا ؟ !..
الزوجة : ربما تفيدك كما تفيد بقية الناس، إنه شيء معنوي يا زوجي كشراب الطاقة الذي نشربه تشعر من خلاله أنك بصحة جيدة ونشاط، فقط نضحك على أنفسنا و هي كذلك تجري .." صوت اشتباك مسلح في الخارج "..
" ينهض الرجل الدب ويتحرك يمنة ويسرا وكأنه يخطط ويفكر لشيء ما، ثم يمسك هاتفه المحمول ويكتب بصوت عالٍ"
الرجل الدب" يفتح ذراعيه متخيلاً " : ها هو الحل هنا انظري ماذا سأفعل؟! ( يومئ بإشارة إلى الهاتف).
الزوجة : هيّا لنرى اختياراتك يا دبّي الحكيم ..
الرجل الدب : " بثقة " سأكتب باليويتوب كيف يحلم الإنسان ؟!، " صمت للحظات ثم يستطرد" انظري هنا.. "يؤشر بإصبعه " هناك عدة فيديوهات سأختار واحدا وأرى كيف أحلم " صمت للحظات"
الزوجة : ها وما هي النتيجة ؟ ..
الرجل الدب : "بخيبة أمل " أه هؤلاء الأغبياء يقولون لي فكر بالمستقبل .. لكن لا مستقبل، فقط هناك الماضي الذي نعشيه فيطمس حاضرنا.. لا شيء يدعو إلى التفكير بالمستقبل بماذا أفكر .. " هنا يقترب من الستارة الموجودة على الحائط يفتحها ويغلقها ويكرر ذلك عدة مرات " قد كنت أحلم دائما بشرفة أفتح فيها الستارة لتطل على المدينة بالكامل ولكن لم يتحقق ذلك، لا نوافذ في بيوتنا كي نتنفس ...
الزوجة ( بحنق ) : كف عن ذلك لقد شوّشت تفكيري " بعد لحظات من الصمت " لذا كلما امتلكت نقودا تذهب وتشتري الستائر ولم تملك لا شرفة ولا حتى نافذة ، فقط غرفة كسجن قابلة للموت ولكن هيهات أن تكون صالحة للحياة .
الرجل الدب: الحمد لله عندنا بيت ، انظري إلى حال بقية الناس!، تفترش الأرصفة وتنام في المدارس.
الزوجة : حتى مطبخنا صغير لا أستطيع طهي أي شيء فيه.
الرجل الدب: أنا بماذا أفكر وأنتِ بماذا تفكرين " بعصبية " دائما ما تنتقصين وجودي.. بفقري وبقلة حيلتي، أريد العودة إلى الحلم، سأجن إن بقيتُ هكذا، الأحلام يا الله ما أصعب الحياة بدونها، كنتُ في السابق بمجرد أن أغمض عيني أنام وأجد أجمل الأحلام، كانت مائدة النوم بالنسبة لي وجبة ضخمة،
الزوجة " تضحك " : أخبرني بماذا كنت تحلم، أخشى أنك كنت تحلم بفتيات أخريات ..
الرجل الدب : كنت أحلم كما أشاء، "بسعادة" مرة أراني في قريتي مع جدتي ننطلق آناء تفتق أزرار الفجر من قميص الليل الأسود لنجمع الخبيّز كم كان شهيا طعمه !، جدّتي التي كان في قلبها قهر كبير وهي تنتظر موتها، وأنا كنت وغداً صغيراً أنتظر أن تنام كي أسرق من جيبها حبّات الزبيب الشهي، ذلك الحلم ما أجمله، ( بحماس أكبر ويقترب من زوجته ) والأجمل الأجمل ...
الزوجة : " مقاطعة بشغف " : نعم ما هو الأجمل ..
الرجل الدب : ذلك الحلم الذي أشعر به إلى الآن بحرارة يد أبي على يدي وهو يرافقني إلى السوق ويضغط على يدي كي لا أخاف، يشتري لي ثياب العيد ومعه أصدقاؤه الدافئون، " بحسرة" رفاقه الطيبون رحمة الله عليهم .."بصوت خفيض " كلما نكبر نعيش الماضي أكثر.
الزوجة : لا تقل ذلك، أمامنا الكثير كي نحققه. هناك الكثير من الخوابي سنملأها بماء الأمل.
الرجل الدب: نعم ربما ولكن لا أدري لمَ في البداية نفكر بما سنفعله ومن ثم نقضي عمرنا نلوك ما فعلناه، هذه الحياة قاسية !..
الزوجة : لا تكن متشائماً حبيبي ..
يقترب الرجل الدب منها محاولاً احتضانها وهو يقول : نعم يا قلبي
تبعده الزوجة بيدها بحرج ودلع : يووووووووووه ليس وقته الآن ...
الرجل الدب : أنا خائف أسيان كبناء كان شامخاً والآن يرتجف من الصواريخ التي هدمت كل شرفاته..
الزوجة: فكّر بسفرنا إلى أوربا ..تلك البلاد ضآلتنا وهدفنا ..فكّر بالحرية التي سوف نراها هناك " صوت قنابل وطائرات تقصف حولهم" ..لن نسمع أصوات القتل كل يوم ..
الرجل الدب : لا أعرف يا حياتي، أخاف أن المشكلة لم تعد الآن في المكان بل تجاوزت ذلك، ربما هي مشكلة روح لم تعد تستطيع التأقلم مع أي مكان كان.. لقد قتلت هذه الحرب فينا كل شيء جميل ..
الزوجة : لا تقل ذلك، ستحقق حلمك بأن تكون ممثلا وتخلع ثياب وقناع الدب هذا، بدلا من أن تكون قردا في جبلاية.. ينظر الناس إليك ليستمتعوا بمنظرك وأنت تموت غيظا وألما.
الرجل الدب" بحزن " لكني كنتُ أفعل ذلك كي يفرح الأطفال، كي أضحكهم قبل حالة الحرب هذه، "متسائلا" ماذا لو متُ وأنا أقدم لهم عرضا مضحكا هل سيستمرون بالضحك؟..
الزوجة " عن عمد" : انظر إلى وجهك ..اخلع القناع وانظر إلى المرآة إلى صدى روحك ..وجهك لا يختلف، لا حياة فيه تعابيرك لا تتغير، نفس التعبير مبتسم في الحزن والفرح ( بيأس ) لا فرق اصطبغ وجهك بلون واحد وتعبير واحد تماما كمعاملات البلدية وختم المخالفات..
الرجل الدب : وكصورة ثور سعيد على علبة مرتديلا .. أو سمكة على علبة تونا ..
الزوجة : نعم كصورة بطريق حلو " بنكوان " على ثلّاجة الموتى ...
الرجل الدب " نعم كم كنا نشتهي أن نشتري ثلاجة كبيرة ماركة بنكوان ليست كثلاجتنا التي لا تتسع لشيء..
"ينهض الرجل الدب محدودب الظهر يائساً على حين غرة أمام المرآة ويحاول شد وجهه لتبدو عليه علامات الحزن ولكن الابتسامة دائما على وجهه".
الرجل الدب"يزعق ويصرخ " : اِحزن " يلطم وجهه" إنه لا يقبل "يلطم جبينه " حتى وجهي لا يسمع كلامي، "يصفع نفسه كثيرا وهو يردد " احزن ...تقشر ..اصرخ ..اطلب ..قل
الزوجة : لأنك امتهنت التهريج ...
الرجل الدب : " يتحرك ويجلس على خشبة المسرح مقابل الجماهير " أعرف أني مجرد أضحوكة لكن لماذا يا زوجتي؟!.. لم أجد عملاً ثم أني أضحكهم وأزرع البسمة على وجوه أولادهم ولكن بالمقابل أصبحت مثاراً لسخريتهم ، أتعرفين البقال لا يناديني باسمي بل يا الرجل الدب.. الجندي الذي على الحاجز يقول لي ارقص لي قليلا يا الرجل الدب " هنا يقوم الرجل الدب بالرقص قليلا بحركة هستيرية وسط خشبة المسرح " تيرا لا لا لا لا لا هكذا شاهدي واضحكي أنتِ أيضا حتى أنا لم أعد أغضب لا أعرف ما السبب؟!.. رقصني يا جدع ..اعزفيلي ..حزين يا الدبدوب "ينظر باتجاه صورته المعلقة على الحائط " انظري حتى أنتِ تعلقين صوري هذه وأنا الرجل الدب، بقية الناس تضع صور زواجها، صور الطبيعة، أما أنتِ وضعتِ صور الرجل الدب" يرقص بحالة هستيرية " دب دب دب الرجل الدب أنا الرجل الدب.. فعلا الرجل الدب.
الزوجة " بحزن " أصبحت بلا أحاسيس، التعرض الدائم للإهانة يجعلك تتعود على الذل والذي يقتل كل الحساسات التي عندك ..
الرجل الدب : الاحساس واحد " يقترب من زوجته محاولا حضنها "
الزوجة " لك ابتعد عييييييييييب ..
الرجل الدب( يضحك ) : ههههههههههههههههههههه ها أنتِ تشبيهني بأي آلة ميكانكية ولكن حساساتي تعمل جيدا ...
الزوجة : نعم يا رجلي الآلي .
الرجل الدب: نعم هو كذلك، ولكن دعينا نجمع هذه النقود من عملنا قبل أن يحطمنا الهاون أو صاروخ سكود ونهرب إلى أوربا هناك لن نعيش الذل .." بعد تفكير" حتى لو لم نعمل سيكون لنا راتب شهري جيد ،
الزوجة : وكيف علمت بذلك ؟..
الرجل الدب : اللاجئون هناك يعيشون كملوك، أتذكرين أرنوب الغبي.
الزوجة " باهتمام شديد " : من ؟!..
الرجل الدب" يضحك بسخرية " من حقك أن تستغربي!، حسين الممثل الذي كان يرتدي ثياب الأرنب معي حينما كنا نعمل في المهرجانات معاً ونوزع الجوائز في مسابقات العيد.
الزوجة " تحك مؤخرة رأسها " : آه نعم تذكرته ..
الرجل الدب " يتنهد " الآن صار حسين الفنان بدلا من حسين الأرنوب، لقد نال حق اللجوء في أوربا، لو ترين حاله الآن ....... تكلمتُ معه منذ يومين على السكايب، أف كم تغير شكله؟!..
الزوجة " باستغراب " : وكيف أضحى؟!.
الرجل الدب" بفخر" هوهووووو كسب وزنا زائدا أضحى كأضحية العيد" يضحك " بات يرتدي بدلات رسمية مع ربطة عنق حمراء، ومع بعض المصطلحات الأجنبية، يقول لي الآن بدلا من السلام عليكم " الهاي عليكم" وقد غيّر تسريحته أيضا أصبحت تسريحة أفرنجية، لم يعد الأرنوب؛ لقد حرق كل تلك ثياب التنكر من أول يوم غادر فيه خارج هذه المدينة ..
الزوجة : " باستغراب " حسين قد تغيّر إلى هذا الشكل ! ..
الرجل الدب" يضحك " لم يعد اسمه الأرنوب ولا حسين، الآن اسمه خوسيه ويقول أنه أصبح يعمل في التلفزيون كممثل، وبدلا من الشاي يقدم لضيوفه " الجعة "
الزوجة : وجع ...شو هاد؟..
الرجل الدب : يعني بيرة ..
الزوجة : إذاً عجّل بنا هيا لنذهب إلى هناك ونحقق حلمنا، وماذا تعمل زوجته؟..
الرجل الدب" بهدوء " للأسف قد غرقت زوجته ..
الزوجة " تفتح فمها مندهشة و وتقاطعه باستغراب " غرقتْ!...
الرجل الدب" ببطء يدور في المكان " مع طفله في البحر ولم يجدوا سوى قبعة الطفل على الشاطئ أثناء رحلتهم على البلم، لا أعلم ..لمْ نسرقْ أسماك هذا البحر ، لماذا يبتلعنا؟ ..
الزوجة : وأنا كيف سأعبر البحر، ألم تفكر بحالتي ؟! .
الرجل الدب: " يقترب منها ويقبل جبينها" لا تخشي شيئا، عند اللزوم سأحملك على ظهري، لا تخافي لن أتركك طالما أنا على قيد الحياة، ثم الشحم الذي كبر في جسدك سيجعلكِ تطوفين " يضحك " أصبحتِ دبّة تليق بزوجها الدب .
الزوجة " بحزن " لا ستتركني كي تتزوج بأجنبية شقراء..
الرجل الدب: لا يا حبيبتي محال أن أتركك لقد ناضلتُ كي أستحوذ على قلبك ِ" يضحك" ثم أي دبة أو مجنونة سترضى بالرجل الدب، أتذكرين والدكِ بماذا كان ينعتني؟
الزوجة " تضحك " أرتيست، كان يسخر منك ويقول لي ستتزوجين مهرجا لا ينفع لشيء، سوى بإضحاك الناس والسخرية منه.
الرجل الدب : هذه الكلمة الأجنبية الوحيدة التي كان يعرفها والدك سليل العثمانيين..
الزوجة " بغضب " : اصمت!.. لا تتحدث عنه هكذا ...
الرجل الدب" بثقة " : ولكنني أقنعته بي، ( ينفش صدره ) حكيتُ له عن موليير ونجيب الريحاني وبقية زملائي الفنانين الذين قدموا رسالة سامية، وقلتُ له لم تعطني الحياة فرصتي بعد، لذا بقيتُ أعمل بدور الرجل الدب ولكني سأنال فرصتي، كانت عيناي تلمعان وأتحدث بإصرار كبير ، تحطمتْ مجاديفنا قبل أن نصل إلى الشاطئ، أتذكرين كيف طلبت يدك للزواج؟..
الزوجة " تضحك " : نعم أذكر جيدا أمام كل الجمهور خلعتَ قناعك وطلبتني للزواج، واعترفت بأنك تحبني، طريقة سينمائية أعجبتني كثيرا ووصلتَ إلى ما تريده الأنثى؛ الجنون ..الجنون في الحب، ولكنك فقدت جنونك بعدها..
الرجل الدب : العالم كله مجنون الآن، ألا يكفينا ما في العالم من مجانين وما خلفوه من دمار ، تركنا الجنون لهم..
الزوجة : ونعم لكن طريقتك كانت جميلة فعلاً ..
الرجل الدب: " بسخرية " : وحققتُ شروط الزواج بحذافيرها الإشهار " يضحك "..
الزوجة " مقاطعة " ولكنكَ لم تحقق كل ما حدّثت أبي عنه .
الرجل الدب: في ذلك العمر يتفوق الحماس على كل شيء، وبحكم التجربة الحياتية نفقد حماسنا، ونصبح جبناء أكثر، ما أجمل أن نبقى أطفالا شجعانا دون هذا الحذر الناضج الذي يدمر كل شيء، كان لابد لطموحي أن يتنحى جانبا كي أضمن لي ولكِ حياة معيشية جيدة.
الزوجة " تطأطئ برأسها" نعم مع كل انكسارة نفقد براءتنا وشجاعتنا، ثم أعرف أني وقفتُ عائقاً أمام طموحكِ، ورضيتَ بالاستمرار على أنك الرجل الدب حتى تؤمن لنا قوت عيشنا.
الرجل الدب" يقترب منها ويمسك يدها " : لستُ نادما على ذلك، وسنحقق كل ما نبتغيه لا تقلقي فقط إن خرجنا سالمين، سأحلم مجددا ..ستعود أحلامي، أتعرفين الأحلام ثمرة بذور الحاضر، ويبدو أني هنا لا أملك حاضرا أعيشه ربما حين نصل إلى الغرب تكون بذور يومي غنية وتثمر أزهار مستقبلنا..
الزوجة : أصعب شيء في هذه الحياة أن تفقد القدرة على الحلم ..
( يمسك الرجل الدب يدها ويحاول تقبيلها فتبعد يده بحياء )
الزوجة : يووه عيب عليك لك عم يشوفونا ..
الرجل الدب " متأملا " : أتعلمين كم يشبه هذا الوطن أبي قبل رحيله ،كان قد تغير كثيراً، كل يوم كان يجلب لنا الحلوى كي نبتسم، ويَعدُنا أن يزوّجنا بنساء جميلات، بعد أن كان الموضوع عيبا كبيرا في البيت، أبي الذي تغير كثيرا .. كان يحضر لنا كل يوم دمى بأشكال مختلفة ..نصفعها ..نضربها ..فقط عندما ننام كنا نضعها قربنا .. أبي مع بداية الحرب لم يعد يضحك .. كان يروي لنا طرائف معادة كي نضحك .. ويشتري المجلات القديمة كي نحل الكلمات المتقاطعة ونبتسم ويعرف أننا لا نضحك لا لأننا كنا حزانى.. بل كي لا يسقط طقم الأسنان الصناعية وكي لا يشعر أن أولاده فقدوا أسنانهم، أبي الذي لم يتجرأ يوما أن يفتح فم أحدنا .. ويحصي كم من الأسنان نحمل.. !..
الزوجة " مستفسرة " : ولكني أعرف أنه كان طيباً جداً..
الرجل الدب: ( بهدوء ) كان قاسيا في مطلع عمره حين كنا صغارا، على الرغم من أنه كان يخبئ حنية كبيرة في قلبه، ولكنه كان عصبيا جدا، كنّا نعيش الخوف معه دائما ، الخوف من أن تحدث مشكلة من أبسط الأمور، "يخفض نبرة صوته جدا " تماما كالخوف الذي أفقدنا الأمان في وطننا، لا تعرفين الوقت الذي يداهمون به بيتكِ وتنقلب حياتك رأساً على عقب، هذا الخوف من أبي الذي كان يحب المجتهد في دراسته وأنا طموحي كان في مكان آخر لم أجد ضآلتي في العلم، أردت أن أصبح ممثلا.. "بحسرة أكثر" على وجبة الطعام كنتُ أخفي وجهي من أبي وأعتمر قبعة تخبئ تسريحة شعري تلك التي لا يحبها، كان يرمقني بنظرات ذليلة كأنه يقول لي تبا لك من ابن " بهدوء " على العكس من أمّي ..أمي أول سوار لفّ معصمي وآخر محل مجوهرات استوقفني..
الزوجة " مقاطعة " : لكنه ساعدك واشترى لك هذا البيت الذي نسكنه..
الرجل الدب: ( يشعل سيجارة ) نعم ولكن هذا الخوف لا يخرج من قلبي، أخاف من كل شيء من عامل التنظيفات من البقّال،( ينظر لسيجارته ) إلى الآن أخاف أن أدخن أخشى أنه يراقبني ويكتشف أني أدخن، إنها ثمار الخوف ، أبي كان ينبهنا دائما ، لا تتكلموا مع هذا ولا تفعلوا هذا الشيء، يكره المغامرة بكل أشكالها لا أعرف ما الذي حصل مع هذا الرجل؛ عدا عن تفضيل الآخر وعقدة النقص والنظرة الدونية، حتى تكرست هذه العقدة بنا وأصبحت جزءا من شخصيتنا إلى الآن ننظر إلى الآخرين على أنهم أعلى شأنا ورجولة منّا مع أننا كثيرا ما نتفوق عليهم ولكن نبقى ننظر إلى أنفسنا بدونية مقيتة.
الزوجة : ربما الظروف جبلته على هذا الشكل أو لربما كانت تربيته قاسية ..
الرجل الدب : كل أولاد بقية الناس أفضل منّا كلهم مجتهدون ونحن مهما فعلنا كسالى لا ننفع لشيء، يضربنا ويصفعنا وبعد قليل تكونين مجبرة على الصلح معه ثم يقول لك " هنا يقف ويقلّد أباه "يا حمار ستقتلوني إلى متى أبقى أصرف عليكم ولا تفلحون بشيء فاشلون حمير " ثم يقلد أباه وكأنه يصفع ابنه " وبعد لحظات يقول لنا ، تعال يا روحي لا تبكي مشاكلنا هذه يجب أن تمرّ بسرعة لا تطيلوا الزعل ويجب أن ننساه في الحال "ثم يشير بيده إلى الحمام " اذهب وتمخط وأغسل وجهك وتعال نتناول الطعام " ينتهي من التقليد " هنا الفصل الأبشع من الذل أن تأكلي غصبا عنك فتختلط اللقمة بلعاب الدموع؛ حينها تصبح اللقمة الممرغة بالدموع سمّا يهبط بصعوبة إلى المعدة، وبعدها بساعة ترجع المشاكل إلى البيت، كان حال عائلة والآن حال وطن.
الزوجة : دعك من هذا الآن، ونحن لم يك أبي كما نتمنى، كانت أمّي مستبدة وأبي بشخصية ضعيفة يخاف منها في كل شيء؛ حتى أنها كانت ترفض أن أتزوجك لولا تدخل أخي الأكبر الذي نصحها بأن أتزوجك أفضل من أن أصبح عانساً فتتحملَ مسؤوليتي، وخاصة في خضم ظروف الحرب هذه كل الرجال سافروا والمسنون أصبحوا يتزوجون أجمل الشابات ، "تصمت قليلاً " انسَ كل هذا، ( تنظر إلى الباب) لم يأتِ زبن إلى الآن ...نحتاج النقود.. ما زلنا نحتاج إلى نصف المبلغ الذي بحوزتنا ..
الرجل الدب: سيأتون أنا واثق هناك الكثيرون مثلي فقدوا القدرة على الحلم ..
الزوجة : أشعر أننا نبيع الهراء إلى الناس، " بحزن " ثم نفعل بهم ما نحن نقوم به !!...
الرجل الدب: قولي خراء (يضحك )
الزوجة : نعم هراء نحن نضحك عليهم
الرجل الدب : ( بغضب ) لماذا هراء؟!، هم يخرجون سعداء وهذا المهم.. يفرحون ويتأملون، والأمر الآخر أننا نكسب رزقنا لولا هذا سنموت من السغب، " وهي تنظر باتجاه الدرج المؤدي إلى الباب هنا تنقطع الكهرباء وينحسر الضوء تدريجيا حتى يشعل الرجل الدب شمعة ويضعها قرب زوجته وهو يقف في الظلمة، الإضاءة إسقاط واحد على وجه الزوجة وتسلط بقعة ضوء أخرى على وجه كل شخصية ستدخل تباعا بعد قليل " .
الزوجة : هذا ما كان ينقصنا أن تنقطع الكهرباء ..
الرجل الدب : نعم كي يمسي الظلام ظلامين ...
الزوجة : " بسخرية " .. أتذكرُ ذلك الرجل أبو الرصيد وما فعلنا به؟!
صوت الرجل الدب في الظلام " في ثقة" أنّى لي بنسيانه، مسكين خلصناه من عذاب رهيب، أذكر أول يوم جاء فيه إلينا " كان يرتدي أسمالا بالية وذقنه طويلة جدا أتذكرين ما قاله لكِ عن مشكلته.
" هنا بالإضافة إلى الإضاءة من الجزء الأيسر على وجه زوجة الرجل الدب، تنسحب إضاءة و تُسلط على يمين المسرح ويظهر من خلالها "الرجل أبو الرصيد "، وباقي المسرح كله معتم، حاجباه كثّان ووجهه شاحب تتخلله علامات الكآبة، عيناه لامعتان لكنهما تبدوان في الوقت نفسه جامدتين متحجرتين ، جسده نحيل جدا ...
"صمت – تقنية استرجاع "
صوت الزوجة : مرحباً بك، ما مشكلتك ؟..
أبو الرصيد : سيدتي مشكلتي عويصة وأريدك رسمها لي في لوحة كلما أنظر إليها تخرج هذه الأصوات الجنونية من أذني، إنها تأكلني و تجعلني لا أركز بشيء أو أن أقوم بعمل.
صوت الزوجة : أي صوت ؟!..
أبو الرصيد "يقترب من الجمهور أكثر ": سأحكي لكِ قصتي مع الأصوات، أنا أبيع رصيد تعبئة للهواتف المحمولة، ولكن بدون بطاقات يعني أبيع وحدات وحدات في الطرقات .
صوت الزوجة : مثل السوق السوداء تقريبا.
أبو الرصيد : نعم شبيهة بها، وبحكم عملي في الشارع أنادي دائما " بحركة هستيرية " رصيد رصيد رصيد رصيد ، هذا الصوت لا يخرج من أذني أجن منه، أحوّل النقود الزائدة من حاجتي إلى زوجتي في القرية ، حتى أثناء النوم أسمع صوت رصيد رصيد وفي الحلم أيضا ، حينما أتناول طعامي أسمع رصيد رصيد، تعبتُ هذا الصوت لا يفارق مخيلتي، أريد لوحة حينما أنظر لها أنسى عملي هذا وصوت الرصيد الذي يفجر طبلة أذني .
صوت الزوجة: وكيف تريدها، اشرح لي أكثر بماذا تستكين ؟..
أبو الرصيد : أريد لوحة أظهر فيها شخصا محترما ببدلة رسمية وربطة عنق جميلة وبيدي حقيبة دبلوماسية، ياه كم كنتُ أحلم أن تصبح لي حقيبة كهذه أنضد فيها الأقلام والأوراق والدفاتر، منذ صغري وأنا أحلم بحقيبة، " بحزن " في الابتدائية كنتُ أحلم بحقيبة صفراء عليها صورة سبونج، أتعرفينه!.
الزوجة : نعم تلك الشخصية الكرتونية الإسفنج ذو الوجه المبتسم .
أبو الرصيد : ( مؤكدا بإشارة من إصبعه) نعم هو بالضبط، كنتُ أحلم دوما بها بدلاً من تلك الأكياس التي كنتُ أحمل فيها كتبي ودفاتري، وأصدقائي يسخرون منها، كم كانت مذلة تلك النظرة، وعندما كنت أستحي منها كنتُ أحمل كتبي بيدي في الشتاء البارد.. كانت أصابعي تتجمد من البرد " بحزن أكثر " لم أحمل يوما سندويشة معي إلى المدرسة لم يكن ذنبي أننا ولدنا فقراء، وكل ذلك في كفة وذاك الوحل الذي يملأ جزمتي الكبيرة في كفة أخرى، نعم كانت كبيرة على قدمي لأني ورثتها من أخي، أمشي بها وكأني ثور يجر عربة، ( بحسرة أكبر ) وأمرّ قرب بائع المشمش يا الله لم أعرف أنه مشمش ولا تذوقته إلا بعد سنين طوال، كنتُ أستغرب من هذه الفاكهة وأفكر ما هي وما طعمها " يقلد بائع المشمش بحركات إيمائية " وكان بائع المشمش يصفعني كلما حدّقت في عربته ويقول لي بلهجة حادة ارحل من هنا وأنا أسأله بكل براءة ما هذه، أما علب المربى فلم أفهم منها شيئا وإلى الآن أعدّها طعام الصفوة .
الزوجة " مقاطعة " : دعنا نعود إلى اللوحة !..
الرجل الدب: حسنا أين وصلنا ؟
الزوجة : حقيبة دبلوماسية وثياب فاخرة.
أبو الرصيد : وحولي نساء جميلات بدلا من زوجتي صاحبة الأنف الكبير، ولكن لا تضعي علم مدينتنا أنا أكرهه، لا أريده خلفي ولا صورة شهريار العفنة، أريد الكثير من الألوان نعم ألوان.. أكثري الألوان، حياتي كلها طين ووحل وذباب، " يفرك أذنيه " وزوجة قبيحة تعيّرني دائما أن بقية الفلاحين قصدوا المدينة وأصبحوا من الأغنياء " بهدوء " كانت تنعتني بالغبي .
صوت الزوجة : وما ذنب المدينة وحاكمها كي تمقتهم؟!..
أبو الرصيد : كل يوم تلاحقني شرطة المدينة، وأنا ماذا أفعل؟!، المدينة في حالة حرب فليقبضوا على اللصوص الحقيقين، ثم مَن وراء كل هذا الدمار الذي يحدث أليسوا هم القادة الفاشلون، زرعوا الفقر والجوع، " يستدر ذكريات الماضي " منذ أيام الدراسة كانت المعلمة تنبهنا يجب أن نشتري دفتراً بجلد أحمر هذا الدفتر نهاري ندوّن عليه كل شيء عن القومية، والأخر ليلي بجلد أسود ندوّن عليه واجباتنا، ومن وقتها حياتنا أصبحت سوادا في سواد في سواد" يلتقط عصا ويبدأ بتقليدها " اجلبْ دفتر رسم يا حيوان، ألا تريد أن تتعلم، أوغاد نتعب من أجلكم " ينتهي من التقليد" يجب أن نشتري دفتر رسم كبير كما تريد جناب المعلمة وعلب تلوين، ولا تسألنا إن كنا نملك سعرها أم لا،" يتنهد" كم أوقفتني المعلمة عند سلة المهملات معاقبا لأني لم أحضر تلك المتطلبات، كنتُ أعيش حالة من الخوف بين أبي في المنزل إن فاتحته بالموضوع وأعرف أنه سيوبخني ويقول لي لا مال عندنا وبين المعلمة التي كانت تذلّني أمام الصف، ( بنبرة حزن ) أتعرفين كم هو مذّل الوقوف عند سلة الزبالة أمام زملائي الطلبة، ماذا أحكي لك عن طفولة لم أعشها، " يصرخ " آه الصوت يعود مرة أخرى " رصيد رصيد رصيد " أما معلمة الرياضة فكانت حصة أخرى من البؤس في مدينة ليست بخير، لم ألعب أو أشارك في دروس الرياضة ولا يوم، مع أني كنتُ لاعبا رائعا بكرة القدم ولكنها كانت توقفني في باحة المدرسة معاقبا أراقب الأولاد وهم يلعبون الكرة؛ فقط لأنه ليس عندي بدلة رياضة.
الزوجة : أف هذا مؤلم !.
"صمت "
أبو الرصيد : نعم مؤلم جدا، والآن خرجت إلى المدينة وتركت القرية بدون أي فلس، ذقت المرّ والذل بين أرصفة المدينة التي سحبتْ كل رصيد جميل لي من الحياة، أرسل النقود كلما يتصل أبي أو زوجتي كلهم يتقاسمون قتلي ويفكّرون أني أعيش في رخاء " يصرخ " أنا أموت لقد مات ذلك الفتى السعيد بداخلي .... بعد آخر مكالمة مع أبي وهو يطلب مني النقود قطعت يدي بالسكين، بكل بساطة ولم أشعر بالألم... أي حجارة أصبحنا، انظري إليها أنا بيد واحدة الآن!.
صوت الزوجة : " تغلق عينيها " توقّف عن هذا لا أستطيع النظر إليها.
أبو الرصيد : أصبحت مجرد الرجل رصيد .."يصرخ بقوة " آه رصيد رصيد هذه الأصوات النحاسية لا تخرج من أذني أصوات قرعاء ملساء "وهو يبكي يجثو على ركبتيه" ، أه أمّي قلتُ لكِ سأجمع حطب الغابة وأعود.. لم يقل أبي إن لم يكن فأسك قويا ارجع قبل أن يحل الغروب، أمي أنا لا أعود بدون حطب............. أنا لا أعود لذا أرسل لكم كل مرة قطعة متفحمة من جسدي..
صوت الزوجة : وماذا تريد بعد في اللوحة ؟..
أبو الرصيد : " يمسك رأسه بحركة جنونية " الصوت يعود مرة أخرى رصيييييد رصيييييييييييد رصيييييييييييييييييييييد رصيييييييييييييييييييد رصيييييييييييييييييد ... لا لا أريدها لوحة صامتة .. نعم صامتة وهادئة..
" يتكلم الرجل الدب مقاطعا إيحاء المشهد ليبقى أبو الرصيد في مكانه بسكون دون أية حركة تصدر منه وكأنه تمثال واقف، مع تسليط الضوء عليه للإيهام بأنه غير حقيقي ومشهد قديم، ثم تنطفئ بقعة الضوء المسلطة عليه تدريجيا ولا تزال بقعة الضوء الأخرى على الزوجة "
صوت الرجل الدب في الظلام : نعم أتذكر قصته كلها آلمني ما كان يكابده، ولكن هذه هي الحياة و إن لم نفعل به ذلك كان الآخرون سيفعلون به ما فعلنا.
" صوت مدافع وإطلاق نار كثيف "
صوت الزوجة : أنا خائفة ألا نستطيع الخروج من هذا المبنى، الوضع يتأزم أكثر وأكثر .
صوت الرجل الدب: سنخرج غدا صباحا فقط عندما تنتهي عصابات الانقلاب من حصار منطقتنا، لا تقلقي وستأتي الكهرباء قريبا، ونجد أنفسنا وسط أوربا عاجلاً أم آجلا .
صوت الزوجة: كلما تقول الكهرباء أذكر ذلك الطفل الذي يعتمر قبعة كبيرة. هذا الولد أرعبني جدا والمياه تنزّ من ثيابه، لم أفهم ما كان يريده، هل من المعقول؛ حتى الأطفال لم يعد يحلموا بالألعاب ولا بأي شيء آخر، تخيّل يزورنا طفل كي نرسم له لوحة وينسى آلامه، لم تعد تسعده تلك البلاهة الطفولية حينما تضع قطعة نقود في سيارة بلاستكية أمام المركز التجاري لطفلك و يعتليها وبمجرد اهتزازها إلى أعلى وأسفل يضحك، لا بل يريدني رسم لوحة له ويدفع لي أضعاف ما يفرحه في مدينة الألعاب، ( بحزن ) كلنا أطفال لم تعد تسعدهم كل دمى العالم بعد أن فقدوا أمهاتهم.
صوت الرجل الدب : إيه أذكر جيدا وخاصة قبعته الكبيرة وتلك المياه التي ملأت غرفتنا بعد زيارته.
" تُسلط بقعة ضوء كبيرة على يمين المسرح مرة أخرى بعد انسحاب الممثل أبو الرصيد و يظهر فيها طفل بقدمين حافيتين وبيده قبعة كبيرة جدا بحجمه "..
الطفل " تنز المياه من ثيابه ويبكي " : أريد قبعتي ..قبعتي الحمراء تلك التي سرقوها " يبكي بحرقة " سرقوها مني،
صوت الزوجة : أي قبعة يا صغيري ؟!..
الطفل : تلك القبعة التي كنتُ أخبئ الأرانب فيها كأي ساحر صغير ، لقد سرقوها مني.
صوت الزوجة : ومن سرقها منك؟..
الطفل : البحر أخذها مني، ذلك البحر الشرير، كان أبي يعتمرها في كل عرض مسرحي، ويغطس فيها ليغرق الجمهور بالضحك.
صوت الزوجة: أين والدك ؟..
الطفل : بابا .. بابا .. لا أعرف أين هو الآن ولكنه لماذا ترك قبعتي وسط البحر ؟..
صوت الزوجة : وماذا أفعل كي تشعر أنها معك؟..
الطفل : جربت كل أنواع القبعات ولكني لم أجد مثلها، هذه قطعان القبعات السود تقتل كل مساء، أريد لوحة ترسمين فيها قبعتي الحمراء على وجه مجسم للكرة الأرضية، وارسمي خمسة مهرجين يرتدون بدلات رسمية سود من تحتها تبدو ياقات بيضاء مع ربطات عنق على شكل أنشوطة إعدام، والدموع تنهال من تحت قناعهم، أريد دموعا كثيرة حتى الغرق، كلما أنظر إلى اللوحة أذكر قبعتي وكأنها معي، ارسمي لي الكثير من الأرانب حولها ..الكثير ولا تضعي أي لون أسود يكفي ذلك اللون الأسود في يوم أسود تحت ليل أسود حين ركبنا البحر " يبكي وهو ينادي ويركض " أريد قبعتي الحمراء قبعتي الحمراء الجميلة "..
صوت الزوجة : انتظر بني سأرسم لك لوحتك !..
الطفل : " بخوف " نعم نعم ، تذكرت شيئا آخر ..
صوت الزوجة " قل بني !..
الطفل : إياك واللون الأزرق لا تضعيه أبداً.. هذا البحر الحوت الكبير لا أريد لونه ..
" يتكلم الرجل الدب قاطعا إيحاء المشهد " زوجتي يا حبيبتي " يبقى الطفل في مكانه للحظة ثم يركض وفي لحظة الركض يبقى جامداً وكأنه تجمّد في مكانه بسكون دون أية حركة، مع تسليط الضوء عليه للإيهام بأنه غير حقيقي ومشهد قديم، ثم تنطفئ بقعة الضوء المسلطة عليه تدريجيا "..
صوت الزوجة : نعم ؟؟
صوت الرجل الدب من الظلام" بنبرة مستغربة " ياه لم أفهم ذلك الولد وكيف ركب البحر، ولم يكمل سرد قصته علينا.
" صوت انفجار قريب "
صوت الزوجة : تخيّل ترك لوحته مع أني كنتُ أرسمها وقد شارفت على الانتهاء. كم من المآسي زرعها الآباء فينا ويجني عوسجها الأبناء، أف متى تنتهي هذه الحرب المجنونة كخيط زائد في قميص أبيض.
صوت الرجل الدب: تذكريني بكلام لمّامة الكراتين أتذكرينها كيف كانت تلعن الحرب ..
صوت الزوجة : هذه الأصوات لا تخرج من أذني، أسمعها جيدا أنها ظلال الأصوات، ذلك الصدى المميت ، أصوات لها رائحة الموت، أذكر حين جاءتني وهي تحمل مآسي العالم كله بداخلها.
" تُسلط بقعة ضوء كبيرة تتناوب الإضاءة عليها مرة بفلتر أحمر وأخرى بالأخضر ؛ على يمين المسرح تبدو بثياب بالية، جبهتها تسلي غضبا و توحي بفظاظة وخشونة وتضع حبلا أبيضا في شحمة أذنها بدلا من القيراط، شفتاها غليظتان وبشرتها سمراء وعندما تظهر في المسرح تلتفت يمينا وشمالا و تنظر إلى الأرض كثيرا وكأنها تبحث عن شيء حولها كي تلّمه وتلتقطه من الأرض، ترتدي سروالا هفهافا وسترة مبطنة وقد عقصت شعرها على شكل كعكة كبيرة ".
أم الكراتين : أريدكِ يا سيدتي أن ترسمي لي لوحة كلما أنظر إليها استنشق الروائح الزكية، فيها كل أنواع العطور الفاخرة، وفيها الكثير الكثير من البخور ولا أريد شيئا على الأرض..
صوت الزوجة : (باستغراب ) ولماذا كل هذا الإصرار على العطور لن تسطيعين شمّها ولن تنفعك !..
أم الكراتين " بحزن " : لا على العكس سأستفيد منها جدا وتنسيني ما يعتري نفسي المعذبة، تعبتُ منذ أول يوم ولدتُ فيه في هذه الدنيا، ولدتُ على طريق السفر على ظهر حمار وعربة قش نتنة، قضيتُ حياتي وأنا أرعى الغنم حتى غدوت حلّابة وراعية بإمتياز، أخرج من الفجر ولا أعود إلا أثناء الغروب، رائحة الماعز والأغنام تفوح مني على الدوام، لم يقبل أحد الزواج بي؛ حتى رضيتُ بابن عمي رغم أني لم أكن أحبّه إلا أن حالة الحرب هذه فرضت علي الزواج به وخوفا من طيف العنوسة.
صوت الزوجة : إنه قدرك، ثم ما علاقة العطور بكل هذا ؟
أم الكراتين : زوجي بطل من ورق، شمّر عن ساعده وسافر إلى المدينة ربما يؤمن لنا قوت العيش وحياة كريمة، إلا أنه منذ شهور غاب ولم يعد يرسل شيئا، وأنا اضطرت للسفر إلى المدينة بحثا عنه، ولكن المدينة.. (بسحرة ) آخ من المدينة التي لا تنام إلا حين تستيقظ كل جراحنا، قضيتُ هذه الأشهر كلها في خرابة مع طفلي الصغير، أجمع الكراتين والأوراق من حاويات القمامة وأبيعها للشركات التي تعيد تدويرها بأبخس الأثمان " تصرخ " آه الرائحة إنها تعود مرة أخرى، كنتُ أجمعها وأبيعها لأشتري لابني علبة سردين نأكل اللحم الذي في داخلها وحبة الفلفل الأحمر التي فيها نتناولها معها كأنها مقبلات ومن ثم نشرب زيتها وكأنها عصير المترفين، ( تشير حولها ) كل ما حولي روائح قذرة مجاري وبلاليع ونوم في الخرابة، وفي الليل كثيرا ما نجد شخصا سكيرا يتبول عند رؤوسنا، أريد لوحة فيها كل أنواع العطور وشذا الورود، نعم تلك الأزهار المعطرة ؛ الليلك والياسمين أكثري منها " وبإصرار أكبر " أكثري من اللودالين والشامبو والديتول وارسمي لي مطبخا جميلا " بحسرة أكثر " كم كنتُ أتمنى أن يكون لي مطبخاً .. ياه حلم جميل، بطاولة مربعة وحولها ثلاثة كراسي، أطبخ فيه على راحتي ..نظيف ..وقبل أن أنسى أيضا ضعي لي طفلا صغيرا هو ابني "تخرج صورته من جيبها وتقبله " وبيده لعبة تلك التي تنفخين فيها ويخرج منها فقاعات صابون، وأنا عند مدخل المطبخ ومجموعة من الخدم يرشون العطور حولي، عندي حاسة شم رهيبة أستطيع أن أشم عطرك من هنا على الرغم من المسافة بيننا يا سلام،" تبكي بحرقة " أصبحتُ كلبة " بحركات هستيرية تقلد الكلب" هوووو هووو ..هوووووووووووو ......هوووووووووووووووو........
الزوجة : هدئي من روعك ..سأرسمها لك..
أم الكراتين : هووووووووووووووو........هووووووووووووووووووو..هووووووووووووو
" هنا يُسمع صوت طرق الباب وتعود الكهرباء إلى الغرفة وتختفي أم الكراتين مع إنارة المسرح بالكامل "
الزوجة " مستغربة " : من هذا الشخص المبروك الذي بمجرد طرقه للباب عاد إلينا النور.
الرجل الدب" يقف ويتجه لفتح الباب " سأرى يا عزيزتي ربما يكون زبونا مدسما ..
" يدخل شاعر شهريار صاحب البشرة البيضاء والقامة القصيرة والسمين المكتنز كجرة ماء، وهو يتصبب عرقا إلى الغرفة من يمين المسرح، فيجفف عرقه تارة ويتنهد تارة أخرى "
الرجل الدب" مبدياً علامات التبجيل مطأطئ الرأس " : أكاد لا أصدق عيني " شاعر شهريار " المبجل في بيتنا المتواضع " يحاول تنضيد الغرفة" آسف لم نتوقع زيارتكم الكريمة؛ لذا البيت كساحة معركة، فوضى كثيرة حولنا .
شاعر شهريار " يتنفس الصعداء " : لا مشكلة يا الرجل الدب، البلد كلها في حالة فوضى وأنا في حالة فوضى كل شيء في حالة فوضى وشِعري وشعري في حالة فوضى " يحاول تسريح شعره بيده " .
" تومئ الزوجة برأسها بلا انقطاع مصغية لكلامهما "..
الرجل الدب" بحزم " : لا بلدنا بألف خير ونحن بخير وكل شيء بخير هي غمامة صيف ستزول قريبا بقيادة شهريار المبجل.
شاعر شهريار : لن يعود أي شيء كما كان، شهريار دمّر المدينة وحطمها وصنع منها أطلالاً لكل الغرباء، ثم كلامه كالخلب التي تأتي بالمطر، ثم ما رأيك أيتها الرسامة ؟!..
الزوجة : حاشا لله شهريار حامي البلاد والعباد .
شاعر شهريار " يمشي يمنة ويسرا على خشبة المسرح وهو يفرد يديه يستشعر " :
عندما أقفزُ إلى قمر وطني، أخبئ في جيبي كل الحصى التي رميتني بها، كما كانت أمّي تخبئ في حقيبتها القديمة كل المناديل تلك التي طرّزتها ولا تخرجها إلا في أعراسنا المؤجلة، تخبئها ولا تخبئ أبدا صوت حزنها، أربي النحل حولي كي تغني كل الأزهار على ضفافكِ كي تقف كل عصافيركِ على وتري وتغادر أسلاك الكهرباء في أيامنا الجميلة، أيامنا التي هربتْ حافية من حارس الغابة حين تموتُ أحلام القمر ونحن قادمون مع ظل الشتاء، كما تموت الكثير من أحلامي، تلك التي دفنتُ الكثير منها في وسادتي.. ( يفرد يديه بحركات مبالغة وارتجالية) لا أتوقف عن النوم، أزرع الورود على كل تلك المقابر كي أصنع إكليلاً حول عنق قمر الوطن، فقط عندما أقفز إلى القمر ممدّدا في النهر، متلذذا بحصاك وبكل ما يجلب لي شعور الغرق على أرضك.
الرجل الدب: الله الله "يصفق بحماس"
الزوجة " تستفسر بحذر ": حتى أنت يا سيدي، أصبحت تنام كثيرا كي تحلم ؟..
شاعر شهريار " بحسرة " : وكيف لا تصبح حياتي كلها نوم وأنا أهرب من هذا الواقع القاتل، لا حاضر أعيشه، سأبوح لكم بما أضمره ويقتلني، أريد أن أتكلم هنا في هذه الغرفة، فلا أستطيع إخفاء ما أخبئه أكثر.. " هنا الرجل الدب وزوجته فاغرا الفاهين متشدقين لمعرفة الحقيقة ".
" يستطرد شاعر شهريار " نعم حقيقة لا يعرفها أحد، أنا لم أتزوج إلى الآن لأني كنتُ أحب زوجة شهريار.
الرجل الدب والزوجة " معاً " ماذا؟!.. سي سي يدي !شهريار شاعر .. يا شاعر !ّ..
شاعر شهريار " يقترب من الرجل الدب" : نعم أحبها وأعشقها وكلما كنتُ أراها تعتني بابنها أغنّي لوحدي، " بحسرة ويضع رأسه بين يديه "آه لو كنتُ ابنها الذي تخاف عليه حينما يحبو أن يسقط على وجهه وعندما تحممه تخشى أن يدخل الشامبو عينيه، تُنفذ له كل رغباته وتكذب عليه مراراً وهو يصدقها، وحينما يحزن يصبح وغداً وينثر كل ألعابه في الغرفة وهي تجمعها مراراً وتحضنه كلما صرخ، وعندما يشتد البرد في الغرفة تغطيه بثوبها الدافئ على عظامه التي كثيراً ما رماها في المدفأة، تُلبس جورباً قطنياً لقدميه كي لا يتوقف على أصابعه البعوض الجائع، ابنها الذي يقف الذباب على وجهه ولا يطرده ينتظر أن يشتم عطر يديها وهي تلوذح أمام عينيه، وهو كنذل صغير يبتسم حتى عندما يفقد أسنانه الأمامية، آه لو كنتُ ابنها الذي لا تسعده كل عرائس العالم
حين تبتعد عنه لدقائق!
الرجل الدب: ولكن سيدي " يرتجف ويتلعثم بالكلام ، سي دي شاعر كاتب شهريار ..
شاعر شهريار "وكأنه يهذي ": ماذا سنقول لكل تلك الأمهات اللواتي مشين حافيات على ثمار البندورة كي يصنعن الدبس ويطعمن كل الجنود الذين داسوا بأحذيتهم السود على أبدي أبنائهن ، ماذا سنقول لهن، وهنّ كل يوم ينتظرن تلك " الصينيات" الفارغة ! لا تخشى قلْ تكلم من هو السبب وراء كل هذا الدمار، ألم يكن شهريار..
الرجل الدب: " بتردد " نعم سي دي لا لا قصدي لا أنهم هم هؤلاء الجماعة أصحاب الثياب السود، هم من خربوا البلاد، وقتلوا فينا كل شيء جميل وحققوا ما عجز الغرباء عنه ..
شاعر شهريار : كلهم شركاء في خراب الوطن ..وكلنا شركاء في دماره، الفقر والجوع والاستبداد لم ينتج سوى مجتمعا مسخا، الأخ يكره أخاه، الأب ينبذ أولاده، الجار يرمي قمامته أمام بيت جاره، لقد كانت تربية سيئة من شهريار حتى ولد كل هذا الجنون.. نحن ربيّنا كل هذه الفوضى وأرضعناها من أوساخنا.. "يسخر "" كانت كلمات الرجل الأرنوب أتذكره ؟!..
الرجل الدب"باستغراب وهو يحك مؤخرة رأسه " : نعم معرفة سطحية ، زميل عمل ..
شاعر شهريار : قد خلع قناعه يوما ونادى بالحرية وبدأ يغني في إحدى الساحات " بسخرية " تخيّل هذا الأرنوب تحوّل إلى نمر ويريد خلع شهريار، لم يكن يدري أن كل من كان في الساحة أو معظمهم من رجالنا، بدأ يصرخ وينادي ويغني، وعلى الفور ما هي إلا دقائق حتى ألقينا القبض عليه، ولكن شهريار بدهائه لم يقتله، فكّر مليا بما يفعله، أعطاه نقودا كافية وطلب منه أن يهاجر إلى الخارج " بضحكة صفراء " أرأيت حتى الأرانب تطير لا تقفز فقط، لقد شوّهنا سمعته أمام كل جماعته، ولكنه نفذ بجلده، الآن بدلا من الشاي والقهوة التي كان يسقيها لضيوفه، يسقيهم إما الويسكي أو البيرة الغربية " يضحك بصوت عالٍ" لماذا نخبئ كل هذا الكبت المجنون وإن سنحت لنا الفرصة؛ تخرج ذاتنا المكبوتة هذه على حقيقتها، ويصبح جنوننا على العلن بطولة يصفق لها الجميع ..
الرجل الدب : لا أعلم يا سي دي أنا لا أعرف شيئا عشتُ هكذا لا أتدخل بشيء..
شاعر شهريار : تمشي الحيط الحيط ولكن هذا الحائط سيسقط عليك يوماً ..
الرجل الدب : هكذا تربيت أنا وجيل كامل من شعب سيدنا شهريار ...
شاعر شهريار : لذلك تبدّل ثياب الدب كل مرة. بقيتَ مجرد مهرج تضحك الناس، وفي أحسن حالاتك تلبس ثوب القط، ماذا جنيتَ من كل هذا الصمت والخوف، ألم تقتلك المحسوبيات، ألم تذهب منك كل الفرص التمثيلية التي حلمت بها، والآن ماذا تعمل، أنت تعرف جيدا ما أقصد ؟..
" صمت يعتري الرجل الدب وزوجته "
شاعر شهريار " يخاطب زوجة الرجل الدب" : أريد منكِ أن ترسمي لي لوحة، أظهريني فيها مع زوجة شهريار، آه من شهرزاد تلك كم كانت جميلة، كنتُ أحبها حبا جما ولكن شهريار خطفها مني أو بالأحرى " بحسرة " أنا النذل الذي باعها، لقد مارستُ القوادة على حبيبتي اخترتها لشهريار ولكن بعد ذلك أكلني الندم، كل مرة أراها مع شهريار أجن ولا أعرف ماذا أفعل، ارسمي لي لوحة فيها صالة عرس كبيرة كبيرة ، أكبر من مهجع شهريار، وأنا عريس وهي عروستي ترتدي ثيابا بيضاء، اظهري لي تضاريس جسدها الجميلة.
الزوجة : ولكن يا سي سي دي دي ... سي دق شهريار أعناقنا إن عرف ما رسمتْ ..
شاعر شهريار : أنا آمرك بذلك ولا سلطة هنا غير سلطتي " يرفع حافة معطفه عن خصره ليريهم مسدسه " ، كما أريد منك رسم الكثير من الأوراق البيضاء حولي، ياه كم كان شِعري نقيا وأنا أكتب بكل تلك البراءة قبل أن أتحول لشاعر لشهريار أبجله بكل قصيدة وأرفع من شأنه، كانت حياتي سحابة بيضاء تمر فوق كل تلك القرى الحزينة آه لقد كنتُ جميلا ماذا فعلتُ بنفسي ؟!..
الزوجة " تحاول تهدئة روعه " : ولكنك ما زلت جميلا يا سيدي أليس كذلك يا زوجي ؟!..
الرجل الدب: نعم ياه ما أجمل وجهك، وتلك الشامة السوداء على خدك يا الله يا سيدي كأنك من سلالة سيدنا يوسف، حتى هذا السواد الذي على جبينك جميل !.
شاعر شهريار " يجلس على الكرسي في زهو ويضع قدما على قدم " كفّا عن ذلك، أعرف أنكم تتملقان ولكن على مَنْ.. أنا أبو التملق كما كان يناديني خالي عبد الجبار، عندما كان أبي يغضب كنتُ دائما أجعله يهدأ بكلمات منمقة، أنا هكذا لم أتغير منذ صغري متملق ومجامل من الطراز الرفيع، جاملتُ والدي كثيرا حتى أعطاني تركته وحرم إخواني منها، جاملت شهريار كثيرا حتى صرتُ شاعره الأول وبعتُ حبيبتي لأجله، آه كم كنتَ محقا يا خالي عبد الجبار، "بعد لحظات من الصمت بحنو " وكنتُ إلى الأمس أفكر بزيارة قريتي، لكنّ البارحة قد رحل خالي عبد الجبار، في قريتي التي مات فيها الكثيرون مثله، " يبكي بحرقة " خالي الذي كان يزورنا بعد ساعة من الآن هذا موعده وأنا أحب مواعيده، يمسك بيدي ويقول لي ، نحن والحيتان خبزنا الأسماك ،والقرية التي أصبحت كبيرة جدا كحوت أكلتْ كل أسماكها ..خالي .. ما زالت راحة يده على يدي كنتُ أكتب بيده لا بيدي
خالي عبد الجبار الذي كان يحبني ويحبّ الجبّار ، يصبح قاسيا كاللوز ، إن تأخرنا عليه في مواسم الربيع ، يسأل زوجته كل صباح متى يعود الجمعة ، كي نجتمع ويزورنا الأولاد !،كان يسألني لماذا ابتعدت الشمس عنّا ، وأنهارنا كل يوم تفيض على حبل غسيل ثيابنا ، وكنتُ أحدّثه عن صديقي الإفريقي والشمس في بلاده، صديقي الذي يسألني عن الثلج في قريتي كل يوم ، فأحكي له عن انتحاره مرارا على حقلنا، وكلما ينتحر نصنع له تمثالا أبيضا ، ولكنه أبدا لا يموت مرّتين إلا حين تمرّ عليه شمس غريبة !، خالي الذي لا يخبئ حزنه كعيون الأطفال ،بالأمس مات ، والقرية أصبحت تقصر المسافات أكثر وأكثر نحو الألم
والقهر يُولد في مساء القرى ، القهر عقرب انطوائي لا يعيش إلا في السكون، وأنا كل يوم أتجرع لقاحات ضد السموم، مع ذلك ..البارحة سممّني عقرب كانت تربيه ساعة في يد خالي عبد الجبار ...
" يقترب منه الرجل الدب لتهدئته وهو يربت على كتفه " : إنه حال الدنيا يا سيدي.. الله يرحمه " بصوت عالٍ" الفاااااااااااااااااااااتحة ..
شاعر شهريار " يزيح يده بقرف " : ابتعد لا أحب التعاطف !..إن قرأت عليه الفاتحة سيعذب أكثر.
"صوت انفجار قوي قريب " ....
زوجة الرجل الدب" بصوت مبحوح ومكبوت ترتعد وتصدر صوتا شريرا يشي باليأس "" : وماذا نرسم بعد في اللوحة؟..
شاعر شهريار : ارسمي لي صورة خالي عبد الجبار بضحكته البريئة، عندما كان يقدّ من قميصه المناديل ، حينما يتعرى الحزن في ليل القرية وهو ينادي " يفرد ذراعيه واسعاً " :
ما أجمل الفقراء، الفقراء الحلوين بثيابهم المهلهلة وأحذيتهم الموحلة، تفرّجوا عليهم يا عالم
الفقراء سكّر العالم !، ارسميه لي هكذا طيبا كما عرفته طيبا زيادة عن اللزوم ..
الرجل الدب: وكيف مات خالك ؟..
شاعر شهريار : لا شأن لك بذلك، ولكن الذي أعرفه أن خالي عبد الجبار كان مثلي يكره شهريار ولكنه كان على النقيض مني شجاعا يتفوه بالحقيقة وكأنه النهار ..
الرجل الدب: واووووو بداية لقصيدة جديدة يا الله كم أنت شاعر مجيد ..
شاعر شهريار : إخرس!.. عفوا إسكت " يقترب من الرجل الدب" لا تزعل أنا فقط مشوّش، هذا شهريار لم يترك لنا مجالا للحب علّمنا في كل شيء أن نتكلم بحزم، حتى كلام الحب نسيناه أفقدنا رومانسيتنا، عندنا كل شيء بمقابل، فقدنا رومانسيتنا بعد أن ذاب قمر المدينة من أين نحضر عربات الحبِّ، وإذا أعطونا زهرة نخبئها لنطعم بها ماعز المدينة؛ لم يعد الورد تأشيرة ولوج القلوب..
الرجل الدب: نعم كل شيء برسم دخول يا سيدي، الهواء برسم دخول، شم روائح المطاعم بنقود، التسكع بألف حساب، استقبال الضيوف شبهة ..
" صوت اشتباك عسكري قريب "
شاعر شهريار : بالضبط هذه سياسته إفقار الشعب كي لا يفكروا بأي شيء عدا ملء بطونهم..
الرجل الدب" بخوف " ولكن سيدي اِعذرني على هذا السؤال زرتنا اليوم والمنطقة محاصرة وهناك اشتباكات كبيرة وأنا أخاف عليك..
شاعر شهريار " بمكر " : تخاف علي قلتَ لي، لا تخشى شيئا جنودنا الأشداء كما يقول شهريار في المنطقة وعلى أهبة الاستعداد دائما، المهم ابدئي بالرسم أريد أن آخذ اللوحة وأرحل قبل أن يطلبني شهريار.
الزوجة " بتبجيل " : سمعا وطاعة !..
شاعر شهريار " يشير إلى الرجل الدب" : وأنت ..أنت أضحكني وأمتعنى قليلا، ارتدي لي هذا الثوب " يشير بيده إلى ثوب الدب " ..
الرجل الدب" بخوف " : ولكن يا سيد ..
شاعر شهريار " يستشيط غضباً ويشير إلى مسدسه على زناره، مقاطعا إياه، " : هيّا نفذ بسرعة ..
" ينهض الرجل الدب ويرتدي قناع ورداء الدب "
شاعر شهريار " يضحك " : هيّا ارقص لي قليلاً بهذه الثياب، وهزّ خصرك جيداً واحمل هذه " يشير إلى دمية على الأرض " وكأنها ابنك أريدك.. هكذا وكأنكَ تنوّمه بتهليلة قبل النوم، وتهدهد له غنِّ بأعلى صوت عندك حتى يتوقف كل هذا الصوت، اضحك بأعلى صوت عندك حتى تنزل الدموع من عينيك " يشير إلى الزوجة " وأنتِ انتهِ بسرعة من اللوحة ..
" صوت انفجار قريب "
الرجل الدب" يغني ويرقص وهو يحمل الدمية " : يلا تنام يا حبيبي الصغير ... غدا ستكبر وتحكي قصتنا قبل أن ينام أطفالك على السرير ..سريررررر ...سرررير ..نحن الضحايا لم ننعم بالنوم ولا كان يوما نوما قرير ، سيموت كل شرير ويبقى الشر فينا هو المخدة والسرير ...
شاعر شهريار " بسخرية " : كفى أريد شيئا كوميديا، " يشير إلى خزانة الملابس " افتح لي هذه الخزانة ..
الرجل الدب" بحزن " : ولكن فيها ثيابنا كلها أنا وزوجتي،
شاعر شهريار : لا بأس لن أدعك ترتدي ثياب زوجتك ، ثم أنا من أهل البيت يا دب ! ..
" يفتح الرجل الدب الخزانة ويخرج الثياب ويتوقف عندما يصرخ شاعر شهريار "
شاعر شهريار " بحزم " : أيواااااا هنا انتظر انتظر هذا قناع الحمار يليق بكَ، ارتديه لي .." يضع الرجل الدب قناع الحمار على وجهه بحركة بطيئة ويائسة " والآن قلّد لي نهيق الحمار أريد أن اسمعه بصوت عالٍ جدا أريد كل الجنود والعصابات في الخارج أن يسمعوا صوتكَ " يقلد الرجل الدب صوت الحمار وهو ينهق" : عاهي عاهي عاهي .....
شاعر شهريار : هذا صوت نغل يا دب .. أريده صوت حمار حنون ..
الرجل الدب : عاههههههههههي عاهي هيهههههههههههههههه هاهههههههههههههي
شاعر شهريار : يبدو أن النغل تحول لأبيه الحصان ...
والآن امشِ على أربعة وتعال إلي " يقترب الرجل الدب من شاعر شهريار وهو يجثو على أربعة "..
شاعر شهريار " يعتلي شاعر شهريار ظهر الرجل الدب" : هيّا يا حمار اركض.." بسخرية " صحيح الحمار يرفس ولا يركض " بزهو " أنا الشاعر الكبير سأقتلك يا شهريار سأكون الحاكم قريبا( موسيقى دون كيشوت ) .. أنا الفارس أين سيفي، يلتقط مسدسه من خاصرته ويطلق عدة رصاصات في الهواء " هنا تسد الزوجة أذنيها خوفا ورهبة " اتجه إلى زوجتك لنرى أين وصلت اللوحة ..انهق وأنت تجري بي .. انهق بأعلى صوت يا حمار ..
الرجل الدب : عاهي عاهي عاهي " وهو يقلد صوت الحمار "
الزوجة " تبكي " : أرجوك يا سيدي ارحمه..
شاعر شهريار : لا تقلقي لن أفعل به شيئا أنا أمزح معه فقط ..ألم يعجبك مزاحي، ثم ظهر زوجك قوية، عجبا لم تنجبوا أطفالا بعد ..
" تومئ الزوجة بإشارة أنها غير راضية " ..
شاعر شهريار : هيّا هيا خلصينا من هذه اللوحة وأنهيها ولا تعكّري صفو مزاجنا ..
"ينزل شاعر شهريار من ظهر الرجل الدب ويشير إلى الثياب المرمية خارج الخزانة"
شاعر شهريار " آمراً يشير إلى إحدى الأقنعة " : احضر لي هذا القناع !...
الرجل الدب: أي قناع سيدي !..
شاعر شهريار " هذا قناع الثور يا ثور وأحضر لي فستان زوجتك الأحمر !..
" يلتقط الرجل الدب قناع الثور بيأس ويضعه على وجهه ويناوله فستان الزوجة الأحمر "
شاعر شهريار : " بتبجح " أرهف السمع جيداً.. والآن مع المسابقة العالمية لثيران مدينتنا، ياه كان حلمي أن أسافر إلى بلد الثيران وحضور تلك المسابقات ولكن للأسف العلاقات الدبلوماسية بين مدينتنا ومدينتهم سيئة، والآن سنرى حفلة الثور هذه .." يلتقط الفستان الأحمر ويرفعه وكأنه يغري ثوراً ويروضه" تعال انطحه للفستان وكأن زوجتك تدعوك إلى غرفة نومها وهي ترتدي هذا الثوب الأحمر ..تعال انطح يا ثور ..
شغّلوا لنا موسيقى إسبانية حماسية كي تتحمس أكثر ..بسرعة ..
"يشغل الرجل الدب موسيقى من آلة التسجيل ..
شاعر شهريار : ها الآن تحمست أم لا ..
الرجل الدب : نعم سيدي ..
شاعر شهريار : انطلق ..انطح يا ثور ..
" يركض الرجل الدب وينطح الثوب مرة "
شاعر شهريار : أحسنت يا ثور .. مرة أخرى ها تعال انطح ..
" يركض الرجل الدب بأعلى سرعته وينطح بالخطأ كرش شاعر شهريار الكبير، ويسقط أرضا فيلتقط مسدسه ويصوبه نحو الرجل الدب"
الرجل الدب" راجيّاً " : أنا آسف يا سيدي لم أرَ جيدا .. أنا أعتذر..
شاعر شهريار " بألم ماسكا خاصرته " : آخ لقد آلمتني يا حمار ..لا ينفع المزاح معك هيّا قم . قم من هنا وابتعد عنّي لا يليق بك إلا قناع الحمار " يشير إلى الزوجة " وأنتِ ألم تنته من لوحتكِ التاريخية يا بيكاسو ..
الزوجة " بخوف " نعم سيدي لقد انتهيت منها ..
شاعر شهريار " بسخرية " : ولماذا لا تتكلمين يا غبية أعطني إياها..
الزوجة : خشيتُ أن أقول لك فأقطع عليك بهجتك !..
شاعر شهريار : زوجك الغبي هل ترك مكانا للبهجة، لقد أفسد كل شيء، " يصرخ " هيّا احضريها لي " هنا يركض الرجل الدب ويأخذ اللوحة من زوجته ويناولها لشاعر شهريار " .
شاعر شهريار " بفرح " : ها يا سلام ما أجمل هذه اللوحة، لقد حسّنت مزاجي، " يضحك بصوت عالٍ جدا " انظروا إلى شهريار كيف يبدو ذليلا وهو خادم لنا في هذه اللوحة الفنية، يا سلام أحسنت صنعاً " يرمي عدة قطع نقود من جيبه" هيت لكِ هذه النقود اشترِ أقنعة منوّعة لزوجك ينقصه قناع القرد والفيل .
الزوجة " تبدي علامات الطاعة ": بلى يا مولاي أمرك مطاع..
"يغادر الشاعر من يمين المسرح وبعد لحظات و بغضب شديد، يخلع الرجل الدب قناع الثور ويرميه أرضا بحالة غاضبة جدا، يُسمع عندها صوت انفجار هائل في المبنى بالتزامن مع سقوط القناع على الأرض تعود الكهرباء إلى الإغلاق، وصوت ضوضاء وفوضى و صرخات و وطلبات للنجدة "
إظلام ..
الفصل الثاني
" أصوات انفجارات وسقوط أبنية وجمع من الناس يصرخون، المسرح ممتلئ بضوضاء مزعجة، دخان وغبار كثيف و بقعة ضوء صغيرة على الرجل الدب مستلق على الأرض ويملأ وجهه الغبار ، يعتدل، ثم يقف مذهولا، وثيابه مبللة؛ نتيجة انفجار بالمبنى وتحطّم إحدى صنابير المياه "
الرجل الدب: يا الله ما الذي حصل؟...ما هذا الغبار من أين جاء.. هل ما زلتُ في غرفتي أم أنا في القبر، ما هذا الظلام المحيط بي ولماذا ثيابي مبللة " يفرك عينيه" آه هل أنا في القبر ولكن لا مياه في القبر، أين أنا" يصرخ " زوجتي الحبيبة أين أنتِ تركتني وحيدا هنا ؟.." يتحسس الأرض والمياه تنز من ثيابه وحوله ريما يجد شيئا ليعرف مكانه" يا عالم يا ناس، أين أنا ؟,," يسعل بقوة ويتقدم يرتطم بقناع الثور ويسقط فينطبق القناع على وجهه" آه إذاً أنا في غرفتي الحمد لله لم أمت بعد نفعتني أيها القناع اللعين حتى في موتي" يدور حول نفسه، يتقدم ويخرج من جيبه ولاعة يبحث عن الشمعة " آه أخيراً وجدتُ فائدة للتدخين أين أنتِ يا زوجتي يا من دائما كنتِ تؤنبيني على تدخيني وهدري للمال، وتقرفين من رائحة الدخان التي تفوح مني .." يلتقط الشمعة ويشعلها هنا تتبدد العتمة و يُضاء المسرح بالكامل وتتضح معالم الغرفة ولكن مع اختلاف في الحائط المقابل للجمهور –صدر المنزل - الذي تفتق منه ثقب دائري كبير في منتصفه، فتحة كبيرة تطل على المدينة بالكامل وخرابها وأضوائها المدمرة، وتبدو منها المدينة من طابق عالٍ، يركض الرجل الدب نحو زوجته المرمية على الأرض من كرسيها، وهي معفرة بالغبار، كل شيء يُوحي أن الغرفة أُصيبت بقذيفة مدفعية "..
الرجل الدب "يصرخ ويبكي ويحتضن زوجته بين ذراعيه " : ما الذي حصل يا حبيبتي، ما هذه الدماء التي تنز من جبهتك، ما الذي حدث كنا نتحدث .. نعم أذكرُ هذا الشؤم شاعر شهريار كان يكلمنا وعندما غادر " يصرخ " آه نعم سمعت دويا هائلا لم أكن أعلم أنها ربما تصيبنا ولكن كان صوت العويل والنحيب من جيراننا لا أعلم ما الذي حدث بعدها " يمسك الكرسي الخشبي ويحتضنه " أه كرسيك ما زال كما هو ولكن أنتِ من رحلتِ عنا "بحسرة أكبر " لماذا رحلتِ ها.. ألم أعدكِ بكرسي متحرك جديد بدواليب إيطالية فور وصولنا لأوربا، كنا سنأخذ اللجوء وأنسيك ما حصل لأقدامك، " يمسك أقدامها ويتحسسها " أقدامك الجميلة التي فقدتِ حركتها جراء قذيفة في هذه الحرب المجنونة، نعم ..نعم كنتُ أخطط أن أبحث لك عن كرسي متحرك أستطيع الدوران بك في كل أنحاء المعمورة، في الحدائق إلى دور السينما "بحزن أكثر " مثلما كنا نفعل عندما نحضر أحدث عروض السينما يا سلام وأحتضنك كلما خفتِ من مشهد ..و فكرتُ أيضا بأن الطب متطور في ألمانيا ربما يعيدون العصب الميت إلى قدميك وتعود حياتنا كما كانت قبل حالة الحرب هذه ..نعم نحن أهل الطب ولكن الآن أوربا هناك العلم والحضارة لا أستطيع إنكار ذلك كنتِ كلما أقول لك الطب أساسه عنا كنتِ تقولي لن يفيدوننا ..الطب أساسه عندنا نحن الرازي والموصلي وابن النفيس ورفيدة الأسلمية .."بحسرة " كم صدقت هذه الأمور لم يعد ينفعنا التاريخ نحن الآن في الحاضر لو أستطيع الخروج من هنا ونصل إلى أوربا، ربما يفيدك الطب الغربي ..."يسقط منهارا على الأرض وسط المسرح " ماذا أفعل لأجلك لا أعرف لقد خارت قواي، نعم نعم كنتُ أكره حديثك الطويل وكل دقيقة تبدأين معي موضوعا جديدا ولكني أحبك.. هذا الشيء الوحيد الذي لم تصدقيه.. نعم أحبك أحب وجودك معي " يحتضن جثتها" وأحبك حين تطمئني علي كل دقيقة كما كانت أمي تطمئن علي في بيت الضيوف وتغطيني بوشاحها حين أنام، والآن ماذا هل انتهى كل شيء ؟ّ. ألن نذهب إلى أوربا " يهز جسد زوجته أكثر " ألا تسمعيني آه .. لقد ارتكبنا الكثير من الجرائم فقط كي نصل إلى مبتغانا وأشتري لك كرسيا متحركا ولا تشعري بأنكِ عالة علي.. " صمت وبعدها يستند على الجدار بعد يأس "قبلنا بكل شروط شهريار أن نرسم لوحات للناس ونكشف كل توجهاتهم، ونعطيه تقارير يومية " يبكي بحرقة" كم ابتلينا على الناس بأمور لم يرتكبونها نعم ولكن كنا نريد العيش فقط ونحصل على رزقنا، كان يجب أن نضحي بمبادئنا كي نصل وأشتري لك كرسيا متحركا، لا أعلم نحن ضحايا هذه الحرب أكنا نرتكب الآثام أم نحن معفيون منها " صمت وبعد لحظات يحتضن جثة زوجته أكثر ويشم شعرها " لم تعد رائحة الشامبو الجميل تفوح من شعرك أنها رائحة البارود " يسجد على الأرض" سامحيني .. نعم أنا فاشل لم أغدق عليك الحب كل يوم، لم أكن زوجا رومانسيا أعرف بعد زواجي منك كنت تتضايقين كيف تغيّر هذا الشاب الرومانسي ولكن إلى الأن أحاول الاثبات لأبي أني ناجح أضحي بكل شيء كي أكون رجلا ناجحا أبعث النقود له كي أكون كما كان يوصينا بأن العاطفة ضعف " يضحك بسخرية " أنتِ لم تكن تعلمين ذلك أرسل له النقود إلى القرية كي أثبت أني ناجح أكثر مما عرفه من إخوته وأصدقائه " يضحك بصوت أعلى " نعم أرسل له كل ما أجنيه حتى أني أصبحتُ أكتب التقارير بكل من يزورنا وأفضح سرهم لشهريار كي يعطيني نقودا أكثر .. أف النقود لماذا تصبح غايتنا لهذه الدرجة..
"يترك جسد زوجته ويجلس في منتصف المسرح ويمسك لعبتين من الدمى المتحركة " يتم تحريكهما بالأيدي عبر خيط ( مسرح الظل ) ، الأولى على شكل أبو الرصيد والثانية على شكل أم الكراتين، ويقلد حركاتهم بحذافيرها "
الرجل الدب" يضع بين أصابعه تلك الدمى ويحركها " : ما أجملني حين كنت مجرد لاعب في مسرح الظل " يتابع بتقمصه لشخصيات مسرح الظل "..
الدمية أم الكراتين : مللتُ منك اذهب واجمع نقودا كما فعل بقية أصدقائك ، ما الذي تجنيه هنا من الحقل، لا شيء كل الناس أصبحوا أغنى منا ..
الدمية أبو الرصيد : ولكن المدينة ليست كما تعتقدين.. السماء لا تمطر مالا هناك، هي نفس السماء، أخاف من الفشل دعينا نكون هنا معا.. أخاف أن تتشرد عائلتنا هنا ونحن نبحث عن ملجأ يأوينا ..
الدمية أم الكراتين : دائما تخاف، قضيتَ عمرك في الخوف وما الذي جنيته، تخاف من أبيك وأمك تخاف من الناس ..من الفشل قل لي ما الذي تخسره إن سافرت كما يسافر الجميع تجمع نقودا وبها نسافر إلى أوربا نعيش تلك الحياة التي يحلم بها الجميع ..
" موسيقى حزينة "
الدمية أبو الرصيد : طوال عمري لم أخالف أحدا وليكن ما تريدين.. سأسافر ، كأنني علبة مربى فارغة في حاوية المدينة تراقب التمثال الذي جمع كل العصافير حوله مرة أخرى بعد أن اصطاد شهريار كل عصافير غابتنا ببندقيته التي لم يقف عليها الغبار يوما !، " هنا تتلون نبرة صوته برقة أكثر " تقولُ لكل تلك الحقول التي أنهكها الجراد ،كمتسابق انسحب من منتصف المضمار ؛ لن نصنع من ثمارك مربى؛ بل سنوزع المشمش على كل أولاد الحي ، ونخبرهم : هذا هو المشمش الذي تشاهدونه في التلفاز ،قولي لأشجارك لا تخجلي من الشمس ، لن يبقى ظلك قصيراً ...الظلال تكبر بسرعة !
" بصوت أرق " علبة مربى فارغة تربي الغبار في حاوية المدينة ، يمر بجوارها طفل نحيل كعود شعير، يضمها إلى كيسه الكبير بحجم صخرة ضخمة ،يحاول وضع يديه في جيوبه الممزقة ،ينتظر كي يمتلأ كيسه بالعلب الفارغة، في هذه المدينة الخاوية إلا من الحاويات، ربّما يشتري علبة مربى من البقّال ، الذي يزين دكّانه بطريقة مزوّقة ، ويطرد الطفل الذي كلما حدّق في المشمش يسأله : ما هذا؟!..
والآن جاء دورك يا أرنوب لتتحرك قليلا وسط هذا الخراب الذي كنت تحدثني عنه
" هنا يقوم بجلب دميتي عرائس صغيرتين يدخلهما إلى كفه الأولى على شكل الرجل الدب والأخرى على شكل الأرنوب ويبدأ بتحريكهما "
الدمية الأرنوب : لقد مللت من حياتي .. كل شيء نعيشه والخوف ملازمنا، يجب أن نستيقظ يا دب .. أن نقول لا لشهريار لا لسرقة ممتلكاتنا لا للحبس الاحترازي..لا للسجون في وطنٍ السجون فيه أكثر من دور العبادة.. أكثر من الحدائق.. بلد تفتح شوارعها للمقابر .. ( بسخرية ) عندنا أكبر مقبرة في العالم هههههههههه مدينة متعبة في الحياة وفي الموت أيضا..
الدمية الدب: لا يا أرنوب ستندم على هذا الكلام، سيقصون أذنيك الطويلتين ..أنت تتكلم أكثر من إصغائك .. أذناك طويلتان ولكن بدون فائدة تذكر ..
الدمية الأرنوب : أنت جبان دائما تخاف من كل شيء ..سأكون ثائراً وأوقظ الشعب من غفوته ..
الدمية الدب : ستندم يا أرنوبي وسترى!..
" هنا ينتهي الرجل الدب من تحريك الدمى وينظر خلفه بحركة هستيرية إلى تلك الفتحة في الجدار التي تطل على المدينة "...
الرجل الدب"يفرد ذراعيه إلى السماء " : انظري يا حبيبتي !.. انظري أخيراً قد أصبح لدينا شرفة نطل منها على المدينة "يضحك ويركض بحالة هستيرية " آه كم كنتُ أحلم بمنزل نطل فيه على المدينة ونحن نسمع فيروز كما يفعل المثقفون، شرفة صغيرة نشرب أنا وأنت عليها قهوة الصباح ونحن نحدق في أرجاء المدينة.. عندما كنتُ صغيرا، حدقتُ مرارا بشرفة جارنا الكبيرة كانت واسعة على عكس شرفتنا الضيقة التي كانت بالكاد تسعنا كي نلعب عليها أنا وأختي الصغيرة، وفي المساء حين كانت تنقطع الكهرباء كنا نقف عليها كلنا ..أنا وأبي وأمي وأخوتي فكانت تصبح وكأنها سفينة آيلة للغرق؛ نراقب من خلالها سيارات المدينة التي كانت بالكاد تدخل حارتنا الطينية، التي لا يغيب عنها الوحل " صمت " كان زقاقنا يبدو مؤلما جدا حين تحيط به كل تلك العتمة دون ضوء سيارة قادم، والآن أصبح عندنا شرفة من صنع أيدي أبناء الوطن، صناعة محلية وطنية..
"يلتفت إلى الجمهور ويقلد شهريار وكأن خلفه جيش من الجنود يمشي بمشية عسكرية "
الرجل الدب" يتبختر بمشيته مزهوا بها " : أنا شهريار المبجل قائد الحمى امشُ ورائي أيها العسكر ، أنا قائد الأمم أدمر أوطانا ولا أُدمّر أنا، ليذهب العالم كله إلى الجحيم ولأبقى أنا على الكرسي هذا، هذا الكرسي الذي صُنع من أشجار الوطن، غصن جعلته منصة إعدام وغصن جعلته خشبة مسرح وآخر تركته كي يصنع نجارو هذا الوطن أبوابا لكل الحزينين والوحيدين.. وحيدون وحيدون نحن.. كتلك الجرائد التي يأكل عليها الحزانى ..وحيدون نحن جدا وحيدون ..
" ينهض هنا الرجل الدب ويلتقط اللوحات من الأرض ويخاطبها" لن تكون نهايتك هكذا أيها الرجل الدب ستتغير وستخرج من هنا إلى أوربا حتى لو كنت وحدك ستنتصر فور توقف الاشتباك في الخارج؛ نعم يا زوجتي حتى لو لم تكوني معي ولكن لن تكون نهايتي هنا.
" يركض و يحاول تشغيل التلفزيون وكأن إرادة الحياة دُبّتْ به مرة أخرى "
الرجل الدب: آه سأشعل التلفاز نعم نعم الحي أبقى من الميت، " ينهار وكأنه يهلوس و يحاول استرداد حياته" سأشاهد التلفاز اليوم المباراة النهائية في كأس العالم " لا يعمل التلفزيون فيلكمه عدة لكمات " اعمل أيها اللعين اعمل أريد أن أشاهد البرازيل وهي تفوز بكأس العالم ترفعه عاليا ربما أنسى كل ما نعيشه هنا في الأسفل " بطريقة هستيرية " البرازززززززززززيلل برازييييييلل بيلييه روبرتو كارلوس نيماررررررررررر " يحاول تشغيله عدة مرات ولا يعمل يلكمه يرميه بعيدا ثم يتذكر أن الكهرباء مقطوعة جراء الانفجار" آه هل جننتْ أنا ..أرأيتِ يا زوجتي بعد أن رحلتِ أصبحت مجنونا لا أنفع لشيء حتى الكهرباء كانت أنتِ ..خذي مني كل شرفات روحي كي لا أموت وأنا بعيد عنكِ ..
الرجل الدب" يجلس بيأس على خشبة المسرح و يحمل كل أقنعته ويراها واحدة تلو واحدة ويرميها بعيدا " : إنها مقبرة الثياب مقبرة الأقنعة، في مدينة لم تكن حقيقية يوما، أين أنت يا زوجتي أشعر بفراغ كبير لم يعد للحياة معنى أريد الموت أيضا، " يبحث عن المذياع يديره ويشغله تعرض أغنية فيروز على الإذاعة المحلية أحب دمشق هواي أرقا أحب جوار بلادي، تبقى الأغنية وتليها مباشرة أغنية يقولون ليلى في العراق مريضة إلى نهاية هذا الفصل، ثم يركض الرجل الدب نحو الشرفة ويصرخ "
مَن حولنا كي نوزع عليه كل ثيابنا القديمة ونأخذ منه ملاقط لثوبنا المبلل، نكذبُ عليه بمغامراتنا الخاسرة ونحكي له عن تلك التي خذلتنا مراراً ، كأي حلاقٍ يستمتع بكل ما يُروى، مَنْ حولنا يكسر هذا الباب العالي ويأخذ منّا كل هذه الغابة، نعطيه الذئب الذي يسكننا ونأخذ كل مراعيه ، و يرضى كأي راعٍ بسيط ، مَن حولنا كعامل الحديقة ، يشذب فينا كل هذا العشب الطفولي ويمنع أن تتسكع عليها الأحذية المطاطية، يوقف جبروت الريح حين تنتعل حذاء الديكتاتور و تمر فوق رقاب السنابل، مَن حولنا يجرحنا بأناقة، وحين يرى ظله على المدية يتوقف وينسحب بلباقة، لماذا تخدش الشجرة ظلنا كلما امتدت قوارير الشمس من كوتها ، مَن حولنا يراقبُ الريح عندما تكسر أضلاع الرصيف
الرصيف الذي لا يتعب من حمل الأقدام وفي المساء يُكنّس أوراق الشجرة ، تلك ..تلك التي خسرتها الريح !، مَن حولنا يعصرُ المناديل البيضاء على جبيننا ، ويسهر حتى نتعافى، مثل أي نهر جفَّ فعصرت الغيوم مناديلها وكأنها تتبرع بالدماء ، مَن حولنا كالنهر تفتح السماء قلبها له ، وتحكي طويلا ، وحين يحل الظلام توقد شمعة وصغارها حولنا ..
مَن حولنا كحشرة ، كحشرة المنّ لا يتركنا ، مهما كسر النمل الذي في داخلنا أجنحته .
" يهبط ملاك يرتدي ثوباً أبيضا بالكامل وعلى وجهه قناع ملائكي أبيض وعلى كتفيه جناحان يدخل من فتحة الجدار "
الملاك : أنا حولك لا تقلق !..
الرجل الدب" بذعر " ابتعد عني من أنت؟...
الملاك " يضحك " أنت طلبت أحدا في هذه الغرفة الخاوية .
الرجل الدب: لقد طلبت إنسيا وليس .....
الملاك : " بسخرية " لا تخف المدينة مليئة بالملائكة والشياطين أيضا وحظك الجميل قد جاءك ملاك ..
الرجل الدب" بخوف يتقوقع على نفسه ويجلس في زاوية الغرفة " لا أريد الموت " ينهار " لا أريد .. حذار ابتعد عنّي .
الملاك : لا تستيطع أن تفعل شيئا أنت شبه رجل .. لا شيء ..
الرجل الدب :" يمسك حجرا بيده " : سأرميك بهذه
الملاك : كلنا سنموت والعبرة في الخواتيم ألم يكن يقول ذلك مذيع المبارايات، هل سنموت بهدوء وسكينة أم برعب وألم .
الرجل الدب: ما زلت صغيرا على الموت ومن ثم اتركني أحيا بهناء ولو ليوم واحد في حياتي
الملاك " مقاطعا " : أنت كبير يا الرجل الدب كبير جدا على الخراب، لم تكن يوما صغيرا
الرجل الدب: أنا والخراب لم أفعل شيئا لأستحق هذه النهاية المبكرة .
الملاك : أنت لم تفعل شيئا " يضحك " لقد فعلت ما يعجز عنه شهريار .
الرجل الدب: ها أنت قلتها بعظمة لسانك شهريار . .اذهب إليه وخذه معك هو أولى، خطاياي أمام خطاياه ضئيلة وخجولة .
الملاك : أنت لم تكن مخلصا بشيء، أناني لم تفكر إلا في نفسك، هل نسيت ما فعلته بصديقك أرنوب.
الرجل الدب: ها أرنوب على الرغم من أذنيه الطويلتين لم يكن يسمع الكلام
الملاك : أي كلام ، ألم تسمع قول ربك لَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
الرجل الدب: الغبي إن لم أشِ به لفعلها غيري ثم الأقربون أولى بالمعروف( يضحك ) ما رأيك ألست خطيبا ألمعيا .
الملاك : وسط هذا الخراب وهذه المنابر أنت ألمعي جدا، وهذه المدينة على مقاسك ..
الرجل الدب: ولكنك تنسى إحساني، لقد ارتديتُ الكثير من الثياب والأقنعة لإسعاد الناس
الملاك : تضحكهم ثم تشي بهم إلى زبانية شهريار ، أهذا جزاء من يأتمنك على السر ، لقد شاب فوداك ومازلت مجرد جاسوس..
الرجل الدب: والله يا سيدي
الملاك " مقاطعا بغضب " لست سيدك هذه الكلمات التي أورثها لكم شهريار
الرجل الدب: طيب يا سيد ملاك ، كنتُ مضطرا كي أشتري لزوجتي الكسيحة كرسيا تنتقل به بيسر، وأيضا لنخرج من هذا القبر الكبير الذي يسمى وطن .
الملاك : إلى الآن، أفكر في زوجتك، كيف طاوعتك في مؤامراتك اللعينة، تضحك على الناس وترسم لهم آمالهم على شكل لوحة وبعدها تزجهم في السجن أو ترسلونهم إلى منصات الإعدام.
الرجل الدب" بخبث " أليس طاعة الزوج باب الجنة .
الملاك " بغضب " هذا ما نفلح به، الخراب دوما من صناعتنا ..شاطرون بالخراب وبضاعتنا الأجود دائما.. فليذهب علماء هذه المدينة الغبية إلى الجحيم منذ ألف عام وهم يجتهدون ويجتهدون ولم يتركوا حديثا من اجتهاداتهم وفتاويهم، نحن نجتهد في الدين وما زالت النظرة الاستعلائية بدمنا، والغرب يجتهد بالعلم، إنه عناد ايدلوجي سمج وورطة فكرية ما يجتهدون به، تحللون ما تريدون وتحرمون ما لا يناسب أهواءكم.
الرجل الدب" بضحكة ساخرة " أرأيت يوما مناظرة بين دب وملاك " يقهقه " أصبحت فيلسوفا يا ملاك .
الملاك : تتشبهون بالحيوانات وأفعالكم لا يرتكبها إلا هذا الجنس البشري المدمر، انظر لحال مدينتك خراب وقتل تأكلون قلوب بعضكم البعض، تحرقون الأحياء، حتى الذئب لا يأكل لحم الذئب.
الرجل الدب: " بحسرة كبيرة" أحببت هذه المدينة حتى وهي بدون مكياج، و لم أشبع من خبز هذا الوطن بعد ولكنه دوما كان رغيفا شهيا للضيوف، هذا نتاج الظلم الذي تعرضنا له .
الملاك : بل كان حقدا دفينا انتظر عقودا ليخرج للعيّان، غدرت بأرنوب و بالزبن الذين كانوا يبحثون عن بصيص أمل في لوحات زوجتك، ألم ترى ما حصل مع أبو الرصيد إنه في سجن انفرادي يعاني الأمرين.
الرجل الدب : أنت تعرف كل شيء في هذه المدينة ..
الملاك : لا يخفى علي شيء يا دب .. أنا أعرف كل ما يحلم به أهل المدينة..
الرجل الدب: بالنسبة إلى أبو الرصيد، على العكس عملت له خيرا ، الموت أفضل من معشيته المذلة، ثم في السجن أكل مجاني ونوم طويل.
الملاك: تبررون أفعالكم بأعذار واهية لا ترقى إلا أن تكون تبريرا للوحش الذي بداخلكم .
الرجل الدب: هذا الوحش منذ زمن يكبر فينا وكل يوم يطعمه شهريار إلى أن خرج وتجسد على حقيقته.
الملاك : كل شيء تتهمون شهريار به لتبررروا لأنفسكم .
الرجل الدب: ماذا تتوقع مني، شخص عاش حياة بأكملها هزائم، ولدت في يوم النكسة ونلت الثانوية العامة يوم اجتياح لبنان، وتزوجت يوم مجزرة حلبجة، وتخرجت في الجامعة يوم غزو الكويت، ( يضحك ) كل منجزاتي هزائم، فقر ، حظ سيئ إلا اليوم الذي أصابت فيه القذيفة جسد زوجتي، إيه كان يوم الإستقلال . واليوم هنا مقتل زوجتي و شرفة صناعة محلية بامتياز إهداء من شهريار لنا في يوم مولده العظيم .
الملاك : كفى كفى يا جاسوس ويا عميل أخاف أن تتدنس أجنحتي بكل السواد الذي نشرته .
الرجل الدب: نعم جاسوس ألم نتعلم في الكتب إن الغاية تبرر الوسيلة، و ابن الحلال دائما غبي ويلقبونه ( ساخرا ) " قلبه طيب " أنا لا أريد أن يكون قلبي طيبا .
الملاك : ولكنك أصبحت ابن...........
الرجل الدب: نعم نعم قلها يا ملاك أرأيت حتى الملائكة تتحول إلى شياطين وتسب ..
( هنا يُسمع من الشرفة صوت أغنية فيروز بغداد والشعراء والصور يأتي الصوت عاليا ثم ينخفض تدريجيا)
الملاك يرمي جناحيه في ظل خوف الرجل الدب : آه ماذا يحدث آه يحدث
الرجل الدب: لا لا لا لا ......... هل حانت لحظة موتي ولكن كيف بدون أجنحة ستخطفني ..
الملاك : هي كذلك يا دب .. سأعطيك فرصة قبل خطف روحك تماما كالمحكوم بالإعدام يجب أن نحقق أمنيته الأخيرة ..
أغنية فيروز : بغدادددددددددددددد
الرجل الدب: لا لا لا لا
أغنية فيروز : بغداد يغسل وجهك القمر
الرجل الدب يمسك رأسه بين ذراعيه يبكي ويصرخ : لا لا لا
الرجل الدب" يفتح ذراعيه نحو تلك الفتحة في الجدار ويصرخ بصوت عالٍ ناظراً إلى السماء بتأمل والملاك خلفه بعد خلعه لأجنحته ":
ماذا تركوا من خبز الوطن، لحوذي يمرُّ بعربته المثقلة ، يشتري منهم الخبز اليابس المعلق على مسمار بخاصرة الشرفة ويبيعه كي يشتري طعاما لحصانه ..." هنا يسمع صوت انفجار " ماذا تركوا من قمح الوطن لعصافير تعوّدتْ أن تقف على شرفة عجوز تطعمها كل صباح ، عجوز خرجتْ من بيتها تبحث عن الطيور وعندما وجدتها لم تجد الخبز في يدها....
"يسمع صوت رشاش "
ماذا تركوا من رائحة خبز الوطن في الصباح نشروا كل أحذيتهم السود على الرصيف ، ولم يبقَ مكان كي يبردَ عليه خبز الوطن ، ماذا تركوا من قمح البلاد ، وأنا هنا أنبذ الحياة ، الحياة الحمراء والكبيرة كتفاحة فيها دودة كبيرة ، أبدّل كل يوم مصباحاً محروقا من قمرها ، وأحاولُ توحيد مقامات الكسور
أرجع وبيدي صحيفة سوداء، وأعود جائعا كما كنتُ بدون رغيف الوطن........
" تستمر أغنية فيروز وكأن أحد الجيران قد قام بتشغيلها بالجوار تستمر حتى نهاية الفصل ، و أصوات متداخلة وجلبة وضوضاء لمعركة كبيرة تجري في الجوار، والرجل الدب ينظر باتجاه الملاك الذي يبدأ بخلع ردائه"..
الرجل الدب : أمعقول هذا أنت حتى أنت ترتدي الأقنعة ...........مستحيل.. سيّدددددددي " يصرخ بصوت عالٍ وينحسر الضوء تدريجيا إثر صرخته وقبل أن يخلع الملاك القناع من وجهه، ثم يغرق الظلام كل شيء مع سماع صوت طلق ناري من بندقية "
إظلام
" مكتب شهريار شرقي فخم، وشهريار جالس على كرسي ضخم حديدي على يسار المسرح، وبقربه طاولة مستديرة بدون كراسٍ حولها، وعليها مسدس عملاق ضخم ومذياع كبير ، بجوارها ساعة كبيرة برقاص ضخم، وعلى الحائط صورة ضخمة له وهو يتكئ على سيف كبير وحوله مجموعة من الجماجم، على يمين المسرح لوحة كبيرة لأبو الرصيد في السجن مع إنارة صغيرة عليه وباقي اللوحة غارقة في الظلام وحوله الكثير من القضبان، ولوحة بجانبها لأم الكراتين مرمية عند إحدى الأرصفة بجانب حاوية قمامة، تتوسط اللوحتين لوحة لا شيء فيها سوى قبعة حمراء كبيرة راسية على شاطئ البحر وحولها خمسة مهرجين يرتدون بدلا رسمية وحول عنقهم ربطات عنق على شكل أنشوطة إعدام"..
صوت المذياع "شهريار يستمع و بيده سيجار كوبي ": والآن مع موجز الأخبار ..العالم هذا المساء.. شهريار المبجل يلتقي قيادات من الدول الشقيقة لبحث الأزمة الحالية.. شهريار يوجّه بترميم قرية الصعاليك بعد تحريرها من أيدي العصابات.. شهريار يفتح كل مجاري المدينة المسدودة بقيمة مليون دولار.. شهريار ينظف حواري المدينة من قمامة العصابات.. شهريار يوزّع سكاكين مشذبة جيدا على كل مطابخ المدينة . . انخفاض أسعار الخيار البلدي.. ارتفاع أسعار العملة المحلية بعد تصدير الموز إلى المدن المجاورة "فاصل موسيقي ثم تعرض أغنية صباح الخير يا وطناً حتى يدخل شاعر شهريار من يمين المسرح يركع أمام شهريار و يقدّم تحية الإجلال والإكبار "..
شهريار : أرأيت مع سيرة انخفاض أسعار الخيار .. جئت بالحلول والخيارات ..
الشاعر : سمعا وطاعة مولاي ..
شهريار " بعنجهية " : تأخرت أيها الصعلوك ألم أقل لكَ تعال بسرعة أمامنا عمل كثير ..
الشاعر " في ثقة " : لقد انتهيت من مهمتي على أكمل وجه يا سيدي..
شهريار " طالبا الاستيضاح " : وكيف أنجزتها ؟
الشاعر : لقد قصفنا البناء بقذيفة مدفعية وكأن العصابات هي التي فعلت ذلك ..
شهريار : وهل تأكدت من مقتلهم ؟..
الشاعر : نعم يا مولاي، هذا الرجل الدب ليس الرجل الدب بل قطا بسبع أرواح لم يمت من القذيفة، فقط ماتت زوجته المقعدة...
شهريار " بغضب " : وهل تركته هكذا ؟..
الشاعر " لا طبعا .. الشباب رفعوني بإحدى الرافعات وأنا أرتدي قناع ملاك و دخلت مخدعه وأفرغت كل الرصاصات برأسه ..
شهريار " يضحك " فعلا أنك داهية، قتلته كما كان يقتل الناس ..
الشاعر " نعم يا سيدي، لقد حسبني ملاكاً، الإبليس لا يعلم أن روحه النجسة يجب أن يختطفها شيطان مثله، الآن يستطيع أن يحلم على راحته على أنغام موسيقى جهنم.
شهريار : أحسنت الفعل ، الخائن بعد أن صرفنا عليه الكثير من المال وكان متنفسا جيدا للتنفيس عن الشعب يريد السفر إلى الخارج، ثم يفعل كما فعل البقية ينشر عنا قصصا وحكايات في الصحف المغرضة ومحطات التلفزة العدوة ..
الشاعر : نعم يا مولاي لقد أصبح خائنا كبيراً فقد اكتشفتُ شيئا آخر بزيارتي له " يستفسر شهريار عن الموضوع بإيماءة من رأسه" الخائن كان يخبئ ضغينة كبيرة على شخصكم الكبير كما أنه على ما يبدو لم يعد يتجسس على الناس وينقل لنا الأخبار ..
شهريار "بصرامة جليّة " : هؤلاء الحثالة بعد جمعهم للنقود يصبحون كالدابة التي تأكل البرسيم ثم تبدأ بالرفس، وكيف اكتشفت أنه يتكلم عني، اشرح لي كيف استدرجته..
الشاعر " ينتفض وكأنه يستعد لحدث كبير " : قلتُ له يا مولاي أن المدينة آيلة للسقوط وأن الحكومة هي سبب كل ما حصل، الخائن أكد على الموضوع صحيح أنه صمت كثيرا قبل أن يتحدث ..
شهريار " مقاطعا بغضب مصطنع " : الصمت بحد ذاته جريمة، لولا هذا الصمت لكانت البلاد والعباد بألف خير ..
الشاعر : بالفعل يا مولاي، ولكن حين تحدّث يا لطييييف .. كان يخبئ حقدا كبيرا وقال لي شيئا إلى الآن أخاف أن أخبرك به يا سيدي ..
شهريار " يشير له بقرف كي يتكلم"
الشاعر : أرجوكِ أعطني الأمان يا سيدي !..
شهريار " بحزم " : قل !..
الشاعر " بصوت ناعم " : قال لي ..قال ..
شهريار : تكلّم أيها الغبي وإلا علقتك على رافدة سقف هذه الغرفة أو على هذه الثريا ( مشيرا بيده ).
الشاعر " بخوف ": سيدي قد قال أنه يشتهي ابنتكم الموقرة ويحبها..
شهريار " يتفاجأ و ينهض من كرسيه بغضب " : ماذا قلت يا أبله !..
الشاعر " تخرج الكلمات من فمه كأنها حشرجة " : نعم سيدي والله قال هذا الأمر الذي كاد أن يقتلني وخاصة فيما يخص صغيرتكم الجليلة..
شهريار " وقد ازداد غضبه " : شعب شهواني يأكلون قلوب بعض ماذا تتوقع منه لا ينفع معه إلا هذا الحذاء " يشير إلى حذائه "، ولكن الوضع تحت السيطرة وهذه هي الفوضى الخلاقة التي دعونا لها ستعود الأمور أحسن مما كانت، ما دمنا جنّدنا حتى شعراء المدينة " يقهقه بسخرية " ..
الشاعر : بالطبع يا سيدي نحن خدمكم المطيعون.. كلنا رهن اشارتك، ثم لا أحد يشك بنا، دائما يعتبروننا المعارضة الناعمة كالفتيات " يبتسم" نعم ويثقون بأقلامنا ..
شهريار : لا تختلف عن الرجل الدب بشيء، ولم يشكّوا به أيضا، وراء ذلك القناع المضحك كان ينقل لنا أسماء أعداء المدينة واحدا تلو الآخر ولكنه ابنننننن ال...... تمادى" يطفئ سيجاره في المرمدة" يحب ابنتنا هذا الحيوان فعلا صار دبّاً.. يبدو أن إرتداء الأقنعة كثيرا تبدّل الأدوار لتصبح هي من ترتدينا ، وأنت يا شاعر ماذا أصبحت بعد كل هذه الأقنعة؟
الشاعر : أنا أصبح كما يريد مولاي ..أنا عجينة بيده.. بيدق يحرّكه كما يشاء على رقعة مملكته..
شهريار : أحسنت ..ها أكثر من هذا الكلام.. وعبّر عن شاعريتك "بسخرية" أنا كالزهرة يجب أن تسقيني بالماء دائما كي أنشر العبير " يضحك بجنون " هل تريد أن تشم عبيري ..
الشاعر : عبيرك لا يتوقف سيدي صباح مساء منثور في هذا الفضاء زهرة دائمة العبير تتجول في كل ربوع ومروج البلاد، ربيع هذه البلاد الذي لم يأتِ إلا بوردتك ..
شهريار " بسخرية أكثر " : نعم عطري يملأ المدينة ..ديناميت كيماوي أعشق هذه العطور .. ولكن هل بقيت مروج في المدينة أصبحت خراباً..
الشاعر : وما أجملها من عطور يا سيدي لولاها لما أنقذت المدينة من الضياع، ووفرتْ لنا الكثير من الأكسجين الذي يستهلكه مَنْ لا يستحقون ..
شهريار " بخبث ": أعرف أنك مثلهم، لا تحبني، كما أعرف أنك تتمنى موتي..
الشاعر " مقاطعا بلطف " حاشا لله يا سيدي ..
شهريار " بغضب " : لا تقاطعني أيها الأبله، أعرف ذلك من نظرات العيون عندي فراسة ورثتها من أبي أكتشف الكاذب فورا " يحدق في عيني الشاعر" ها لا تنظر إلى الأرض حينما أحدثك، الحقد يأكل أحشاءك، وحدقتك اللعينة هذه أعرف ما وراءها ولكن نحتاج الكلاب أحيانا لتحرس الأغنام من قطعان الذئاب.. هذه فطرة الدنيا ..
الشاعر " يتفاجأ وينهض مذعورا ويجثو على ركبتيه أمام شهريار ": بعد كل هذه السنوات يا سيدي ما زلت تشك بي..
شهريار : أنا أعرف كل صغيرة وكبيرة في هذه المدينة وأعرف كل ما تجول به نفسك، أنا بأبي لم أكن أثق حتى أثق بأحد .." يدخل أحد الحراس ويأذن له شهريار بإشارة من يده وهو يحمل بيده ورقة مطوية يناولها لشهريار ويبدي علامات التبجيل والطاعة ثم يخرج " ..
شهريار " يقرأ الورقة وتبدو عليه علامات السخط والغضب " : هذا ما ينقصنا الآن الأعداء أسقطوا إحدى طائراتنا..
الشاعر " باندهاش " : العصابات !.
شهريار " بغضب " : لا يا غبي !...إنهم الأعداء من الخارج لقد دخلوا حدودنا وسيطروا على مدينة في الشمال وأسقطوا مروحية حربية لنا، الوضع يتأزم أكثر وأكثر ..
الشاعر " بثقة" : ولكن جيشنا سيردعهم .. جيشنا جاهز لكل شيء..
شهريار : عن أي جيش تتحدث ..جيشنا استنفذ طاقته ..هالك متعب لا راتب ولا طعام ولا ذخيرة كافية.. ..أعتقد أن النهاية قد شارفت ..
الشاعر " يبدي علامات الإخلاص ": أنا معك يا سيدي حتى النهاية سأكون درعك الواقي منهم.
شهريار : أنت آخر شخص أثق به أعلم أنك ستتركني "ينهض ويضع المسدس على خصره " ..
الشاعر : أموت ولا أتركك يا سيدي، لنجهز كتيبة القصر ولتكن على أهبة الاستعداد ..
شهريار "بغضب " : انتظر لنفكر ببعض الحلول الآنية ..
الشاعر : سيدي لنحوّل بعض المال على حسابك في المصارف الخارجية، فإذا ما تأزم الوضع تستطيع السفر والاختباء هناك.
شهريار : ليس شهريار من يهرب من مدينته، ولا تقلق أموالي كلها حوّلتها منذ زمن " يفكر ويحك صلعته" اتصل بالإذاعة الآن وقل لهم أن يبثوا عبر كافة محطتنا الوحيدة، أن العدو دخل أراضينا هذه أولى الخطوات، ربّما تدبّ النخوة في العصابات وتبدأ بقتال العدو معنا ، هنا نكون قد كسبنا صفا جديدا يطيل علينا بعض الوقت كي نهرب باطمئنان ..
الشاعر : فكرة سديدة يا سيدي " يمسك الهاتف ويتصل بالإذاعة ويملي عليها ما أمره به شهريار .
صوت الإذاعة : وردنا الآن خبر عاجل، العدو يدخل مدينتنا ويحطّم طائرة حربية " ينتهي المذيع من قراءة الخبر وتبدأ الأغاني الوطنية موطني و إني أخترتك يا وطني...الخ "
الشاعر : وهل نخبر سيدتي شهرزاد بأن تجهّز الحقائب والأغراض مولاي..
شهريار " يرمقه بنظرة خبيثة " : هذا ليس من شأنك أيها الصعلوك، ما زلنا صامدين هنا وأعتقد أن العصابات ستدافع عن الأرض..
الشاعر : أخشى منها ألا تفعل شيئا، جلّهم من كانوا في السجون ونحن أخرجناهم كي ندمّر جماعة الفلاسفة تلك التي هتفت في البداية بالحرية فقط..
شهريار : لا وقت عندنا فكّر بحلول .. فكّر جيدا ..
الشاعر : لنعقد اجتماعا على مستوى كل القادة ربما يفيد ..
شهريار : لا وقت الآن.. سأجري اتصالا مع حليفنا ربّما يرشدني إلى حل ..
" يمسك شهريار سماعة الهاتف ويبدأ بالتكلم بلهجة غير مفهومة ثم يغلق السماعة وعلامات الغضب بادية على وجهه "
شهريار " لقد باعنا النذل أيضا .. لقد انتهينا الآن لقد انتهينا ..
" يطرق الحارس الباب على غرفة شهريار ليأذن له بالدخول ومعه ورقة مطوية أخرى"
شهريار للحارس : تعال ادخل يا أبو المصايب أنت ورسائلك وبلاويك..
"يمسكها ويقرأها بغضب ثم يمزقها إلى قطع ويرميها "
الشاعر : أتمنى أن تكون أخبار مطمئنة ..
شهريار : أية أخبار وأية ليلة هذه، بيننا وبين العدو عشرات الأميال والعصابات تحارب إلى صفهم، لقد احتلوا أجزاء كبيرة من المدينة وهناك خسائر بالآلاف في صفوف جيشنا جيوشنا، لم تنفع وجبة البطاطا اليومية مع هؤلاء الصعاليك ..
الشاعر : سيدي يجب أن تلقي خطابا سريعا عبر الأثير تبرهن فيه تفوّقنا على الأعداء ربما نرفع الروح المعنوية للشعب ونطيل التصدي لهم إلى أن تلوذ بالفرار ..
شهريار : اتصل بالإذاعة وقل لهم سيكون عندي خطاب قصير على الإذاعة " يمسك شاعر شهريار الهاتف ويتصل بالإذاعة ويخبرهم بذلك " ..
صوت المذيع : أيها السادة المستمعون !.الآن مولانا المبجل شهريار، يخاطب الجماهير الكبيرة في يوم تاريخي من أيام النضال ..
شهريار " عبر الهاتف" : يا جماهير شعبنا الأبي.. أيها المناضلون في ساحات القتال .. جنودنا الأشاوس .. إنها ساعة النصر ..ساعة الحرب .. لنلقن العدو درسا في الشجاعة والكفاح ..ها نحن اليوم نتعرض لأزمة كبرى ..ولكن تباشير النصر تلوح في الأفق ..وجحافل العدو تنكسر أمام صلابة جنودنا ..أدعوكم إلى النضال والجهاد ضد الغزو ..كل من يستطيع حمل السلاح فليحمل .. بصدوركم سنبني الوطن ..والسلام عليكم ورحمة الله .
المذيع : هكذا كنا مع الخطاب العظيم للقائد العظيم شهريار " تعود مجموعة من الأغاني الوطنية بالبث " .
الشاعر " يا الله كم كان خطابا حماسيا ..دائما نتعلم منك سيدي شهريار ..
شهريار : صه ليس وقت هذا الكلام الآن ، اكتب لي خطابا آخر ريثما أعود ..سأعود بعد ساعة من الآن، يجب أن تنتهي منه أريده خطابا لم يكتب التاريخ مثله، خطابا يبرز قوتي قبل الانسحاب ..
الشاعر : أمرك مولاي ..
شهريار " يفتح إحدى خزائن الطاولة ويأخذ منها أوراقا وأشياء أخرى ويمضي مسرعا ويخرج من الغرفة" ..
الشاعر " يتجول في المسرح يمنة وشمالا يضع يديه خلف ظهره" : والآن ماذا ستفعل لقد حانت النهاية، كيف سنهرب من هنا ..شهريار الوغد ..اللعين .. لقد تسبب بدخول الأعداء إلى أرضنا .."يقطع بث الإذاعة ويبدأ التشويش فيها بإشارة لسيطرة العدو عليها ثم تعرض أغنية فيروز سنرجع يوما وتستمر الى نهاية الفصل، يقترب الشاعر من الجمهور ثم يدور بحركة مجنونة يطوف حول نفسه وهو يصرخ" : ولي عدو شهريار ..دبدوب .. أرنوب ..كرتون .. رصيييييييييييييد .. بحرررررررررررررر...
" يصعد على الطاولة وكأنه وكأنه أصابته حالة هستيريا من الخوف .. "
الشاعر " بحزن ويأس " : ولأني كنتُ أقصرهم لم أرَ المشهد كاملاً
اعذروني لا أستطيع قص ما حدث
لذا دعوا طويلي القامة يحدثوكم عن الفرح الطويل
حين حرقوا عكّازهم كي يتدفأ بها الأولاد
اعذروني إن لم أنم الليلة على سريري ذي الغطاء الأزرق
عندي الكثير من الأحلام للأيام القادمة
كمطمورة طفل ليست فيها سوى قطعة معدنية واحدة
يهزها مرارا هكذا رأسي الآن
"يبكي بشجن وصوت اشتباكات قريبة من القصر "
لن أزعجكم بصوت البندقية التي أطلق منها بدون هدف
لا كي أخدش وجه هذه السماء الزرقاء التي لم تعد تغطينا
ولا كي أصطاد تلك العصافير التي نست ريشها في وسائدنا الحزينة
بل لأني اشتقت للأعراس والعيارات النارية !...
ولأنني أقصرهم و لم أر المشهد كاملا
سأربط حذائي جيدا
وأنا غاضب من هذا الازدحام الثقيل وليس من هذا الوطن
فحذائي ثقيل
وركبتي تؤلمني من الوثب العالي
والمشهد لا يشي بأي شيء مشمس
لا شيء سوى الريش على الرصيف
وأنا أحاول الطيران أو أن أجد شخصا أقصر مني
كي أصعد على رقبته وأصنع من نفسي بطلاً
ولأن جميعهم أطول منّي لم أرَ المشهد كاملاً
اكذبوا علي وقولوا لن تضيع في هذا الازدحام مرة أخرى
ولن تشعر بالاختناق
وكل شيء سيكون كما نحب
اكذبوا هكذا كما كانت تفعل أمي
حين كانت تمسح على جبيني
وتقول : غدا سيشتري لك أبوك خفّا رياضيا
ولن يطردك أستاذ الرياضة مرة أخرى من الحصة
لن تقف هكذا منبوذا تراقب الطلاب،
وهم يلعبون الكرة
"يجثم على ركبتيه فتنطفئ الأضواء في المسرح "..
صوت شاعر شهريار : آه ما هذه العتمة .. أسمع صوتاً يقترب مني .. من أنت... يطلق الرصاص بشكل عشوائي وهستيري .. خذ خذ أيها العدو ... لا لن أموت .. آه لقد نفذت رصاصاتي .. أرجوك اتركني ..
تنار الأضواء في المسرح بشكل مفاجئ ويبدو الملاك واقفاً وراء شاعر شهريار الجاثم على ركبتيه مع اختلاف بسيط بوجود قرنين شيطانيين على رأس الملاك ...
شاعر شهريار : ممممممممممممممممن أأانننننتتتتت ؟؟
الملاك : أهذا الخطاب الذي ستكتبه لشهريار ..
شاعر شهريار : سييييييييدي شهريار .... لا لا سيجهز في غضون ثواني ...
الملاك : أنا لست شهربار .. أنا هبطت من السماء فقد حان موعد قطاف رأسك.. رأسك الممتلئ بالشعر والترهات التي لا تفيد شيئاً فقط تُورطون الناس والشباب بحروب لا طائل منها .. تجلسون وراء مكاتبكم تحتسون قهوتكم و تدخنون سجائركم الباهظة الثمن ثم يتحمس الشباب بكلامكم .. ثم ماذا.. هم يموتون وأنتم تعيشون وتصفق لكم الجماهير وراء منابركم التافهة .. كم روحكم غالية وروح غيركم رخيصة ..
شاعر شهريار : أنت من جنود شهريار ..
الملاك : أنا ملاك أصلي لا تقلق ولكن نبت لي قرنان حين مررت من هذه المدينة ..
شاعر شهريار : لا لا أنت ستقتلني كما قتلتُ الرجل الدب
الملاك : أنت ميت منذ زمن، ولكن دعني أقل لك شيئا، من يبيع حبه هو ميت وهذا كان أول موت لك ..
شاعر شهريار " بخوف " : أنا لم أبع أحدا ..
الملاك : أنسيت ..ألم تكن تحب زوجة شهريار ..
شاعر شهريار : لا يا سيدي ..شهريار من قال لك ذلك..
الملاك : لست شهريار .. لا تكذب كلنا نرتدي الأقنعة ولكن أنا أصلي حقيقي الآن في هذه المدينة المقنعة والليل المقنع .. حزن مقنع .. حب مقنع ..قتل مقنع ..
شاعر شهريار : أرجوك ارحمني سيدي واتركني لا تقتلني ..
الملاك : أيها الغبي نحن لا نقتل.. نحن فقط نسرق روحك بهدوء " بنبرة هامسة " بهدوء جدا .. لن تشعر بالألم أبداً في هذا الليل الذي لا ينام لييييييييييل طوييييييييييييييييييييييييل وعسسسسسسسسس ساهرون ..
" يظلم المسرح في تلك الأثناء بشكل كامل ويُسمع صوت إطلاق رصاص وصرخات "
إظلام ...
" عندما تغادرون لا تطبقوا الباب على أصابعي النحيلة
أنا منذ زمن يا فتى الحروب
أضع يدي كثيراً عند عتبة الأبواب
وفي أوقات الفراغ أبيع الحمام"
تغلق الستارة
الشارقة 13-6- 2016