“بَعْضُ الْحَقَاْئِقِ أَجْمَلُ حِيْنَ تَكُوْنُ مَخْفِيَّة!”
ما دور المرايا في الخداع وإخفاء الحقائق؟
يمثل النشاط الطلابي مساحة للإبداع وطرْق القضايا بأفكار خلّاقة، في هذه التدوينة من “يوتيوب” تشاركنا جماعة المسرح بجامعة السلطان قابوس بمسرحية “المُخادِع مرآة المُخادِع”، فما كان مصير المهرج وهو يحاول كشف الخداع؟
المهرج: قصير القامة، نحيل، يلبس ثياب مهرجين مزركشة و يضع قناعا على وجهه.
الممثلة: طويلة القامة، ضخمة الجثة، شعرها أشقر طويل.
(غرفة كبيرة للمكياج ولتجهيز الملابس في السيرك، باب على يمين الغرفة على شكل قوس وآخر على اليسار، ستارة رمادية تفصل الغرفة في المنتصف ، أقنعة بأشكال مختلفة منتشرة في الغرفة وثياب معلقة في الخزائن، صور للممثلة والمهرج على الحائط، مرآتان إحداها بيضوية والآخرى دائرية أمامهما كرسيان في النصف الأول والثاني للغرفة، كرسي هزاز في زاوية الغرفة، حبال طويلة على الأرض).
" يدخل المهرج بمشية بطيئة حاني الرأس، يجلس على الكرسي أمام المرآة الدائرية يلعب بقناعه ويحاول إزالته، يتردد ثم يبتعد وينكمش في زاوية الغرفة عندما يسمع صوت خطوات قادمة، يمسك قناعه ويرتبه، تدخل الممثلة وتجده في الزاوية، تهز الكرسي الهزّاز".
الممثلة: ها أيها المهرج الجميل ما الذي تفعله في الزاوية؟!..
المهرج ( بسخرية) : أضعتُ قلبي وأبحث عنه هل وجدته في طريقك؟!.
تبتعد عنه الممثلة وتقف أمام المرآة البيضوية وتتبرج.
الممثلة(تضحك ): أشك أنك تملك قلبا.
المهرج: قلبي كبير كالشمس يا جميلتي ولكن عينيك الصغيرتين تحّبان الليل، فلن تلمحان اشراقي.
الممثلة( تؤشر إلى عينيها): انظر كم عيناي كبيرتان ولكن أنت لم أرَ عينيك قط، أرني وجهك كي أرى هاتيك العينين الجميلتين والوجه الصبوح الذي يغرس الضحكة على وجوه الناس، أتساءل يا ترى أي وجه جميل تحمله.
المهرج: لا تتحاذقي كثيرا، بعض الأشياء تبدو أجمل في لحائها، انظري لأفخاذ الدجاج كم هي جميلة وشهية ولكن عندما تلتهمينها( يشمر عن يده واللعاب يسيل من تحت القناع) تصبح عظاما مقززة.
الممثلة : لكن يا مهرجي العزيز الموز حين يتعرى يمممم يصبح لذيذا وأطيب، والبلوط والكستناء أيضا، ناهيك عن بكاء البرتقال وتعرق الليمون.
المهرج: أتعلمين لمَ المدينة جميلة في الليل ؟..
الممثلة: قل يا مهرج عصرك!..
المهرج: لأن الليل قناع يلبس وجه المدينة العاري القبيح، ويستر كل ما في جسدها من عيوب ...
الممثلة(مقاطعة): أصبحت فيلسوفا لم أكن اعرف أنك مهرج وفيلسوف في آن واحد.
المهرج (يحك رأسه ويشد سرواله الواسع إلى صدره تقريبا ) الفيلسوف مهرج حزين، والمهرج حين يضحك الناس يكشف كل الحقائق فهو يسقط الأقنعة، تماما كالشاعر الذي يجعل حقيقتنا تتعرى فتهطل الدموع من العيون إن أثّرت بنا.
تسحب الممثلة الستارة التي في المنتصف.
المهرج (متذمرا) : أتخشين أن أراكِ وأنتِ تتبرجين؟!..
الممثلة: (تضحك) لا أهاب المهرجين واعتبرك كأنثى، شكلك رجل ولكن قلبك قلب أنثى.
المهرج (يضحك بشكل هستيري) أعرف لمَ أغلقتِ الستارة؟!.
الممثلة: لمَ أيها المجنون؟!.
المهرج: كل الرجال يحبون جمالكِ ويعشقون غنجكِ ودلالك ولكني اكتشفتُ فيك كل حقيقة.
الممثلة (بغضب): وما هي أيها الأخرق؟!.
المهرج: المخادع يكشف المخادع يا جميلتي، هذه المرآة كالبحيرة الكاذبة تعكس وجها واحدا للقمر ولا تكشف وجهه الآخر الشاحب القبيح الأسود.
الممثلة: ما قصدك؟.
المهرج: كل المرايا كاذبة سيدتي تكشفها الحجارة، وأنتِ لستِ جميلة فجليد الوقت ذاب وخشب الزمن احترق.
(تقوم الممثلة بحركة هستيرية وتفتح الستارة وتهجم على المهرج المذعور وتمسك يده وتوقفه أمام المرآة الدائرية)
الممثلة (بغضب) : سأخلع قناعك عن وجهك وأرى إن كنت تخشى المرايا أم لا.
(يمسك المهرج قناعه وهي تحاول خلعه، يبتعد عنها ويصرخ مستنجدا)
المهرج ( بذعر): أرجوكِ ابتعدي عني لا أحب المرايا وأخافها.
الممثلة: شاطر في الكلام فقط، على الأقل أنا لا أهابها وأقف امامها.
المهرج: أنتِ الخداع بعينه وتخدعين الكثيرين يا صاحبة الوجهين.
(تطارده الممثلة على خشبة المسرح وهي في ذروة غضبها، يسقط المهرج حين يدوس على أسفل بنطاله، فتسقط فوقه الممثلة بجسدها الضخم).
المهرج (مستجيرا وهو يلهث): أففففف سقط علي دب قطبي.
الممثلة (بغضب): أنا دب قطبي يا حمار سأنال منك.
(تسحب قناع المهرج عن وجهه وترميه على الأرض فينكسر إلى أجزاء، يغلق المهرج وجهه بيديه ويبكي، تعض يده فيصرخ المهرج ويفتح عن وجهه).
المهرج ( يصرخ ) : ابتعدي عني
الممثلة ( بقرف): آه ليتني لم أخلع القناع عن وجهك!، إنك قبيح جدا ووجهك محترق بالكامل أي تشوه تحمله يا إلهي؟!.
المهرج ( يغلق وجهه وتنزل الدموع من عينيه) أشعر بنفسي كحذاء بالٍ التقطته صنّارة صياد كان يترقب الذهب والسمك الوفير، لمَ بفضولنا نضغط على الجرح ونقتل أنفسنا حين نعري الآخرين، بعض الحقائق أجمل حين تكون مخفية.
الممثلة (تدير وجهها إلى الطرف الأخر): أعتذر لم أقصد وتوقعت كل شيء إلا هذا.
المهرج: لا داعٍ للاعتذار، لا ذنب لي في وجهي، من إهمال أمّي احترق وجهي بالزيت المقلي، لم يكن لي يد بالموضوع، ولكن أنتِ مخادعة وبيديكِ تصنعين الخداع وسأكشف وجهك العاري كما تكشف الشمس وجه المدينة وتعري كل حقيقة.
(يهجم المهرج بكل قوة على الممثلة )
الممثلة " مستنجدة": النجدة، انقذوني من براثن هذا الوحش أرجوكم !.
المهرج : ما من أحد سيسمعك سأكشفك للجميع اليوم، أيتها الغشاشة.
" يمسك بها ويقوم بربطها بالحبال ويشد وثاقها إلى الكرسي أمام المرآة البيضوية ".
الممثلة: ما الذي ستفعله بي أيها المجنون؟!.
المهرج: لا تستعجلي على الفصل الأخير أعطِ مسرحيتنا بعض التشويق أيتها البطلة، سأكشف حقيقتك العارية، تماما كما حين نخلع ملابسنا نرى بعض عيوب الجسد ولكن أنتِ بئر من العيوب والمياه الطالحة.
الممثلة (بذعر): أنت مجنون تحتاج إلى مصح عقلي.
يركض المهرج ويجلب إبريق ماء، ثم يرجع وهو يضحك مختالا بمشيته.
المهرج (يغني): لا لا لا لا لا لي لي لي ، هذا ماء بارد ، الماء البارد في الشتاء يجعلنا نفكر بآثامنا ويكشف الخداع سيّدتي.
الممثلة : أخرق.. مجنون ....اتركني.
(يقوم المهرج بوضع يده على شفاهها ويمسح على شفتيها وهو مستمتع ويغني )
المهرج : اسكتي ، آه ما الذي أراه على يدي، أحمر شفاه، شفاهك الجميلة أين اختفت لمَ صارت رقيقة جدا، يا للعجب اختفى بريقهما لونهما الجوري المميز كما اختفت سماكتهم الجميلة المتوردة كعش فتاة عذراء.
الممثلة: آخخخخخ، سأبلغ الشرطة فور خروجي من هنا .
المهرج ( بسخرية ) ستحتاجين أياما لتصلحي حقيقتك، ستكونين كباص خرج لتوه من حادث مروري، والآن ( يمسك بإبريق الماء ويرشه على وجهها ترتعش الممثلة فيمسح وجهها) انظري لوجهك الأبيض الفاتن ماذا سيحصل؟.. ماذا أرى أمامي اللوحة البيضاء تصبح سوداء، يا للعجب!، كل هذا الخداع عيب يا بنت!، كم كيلو غراما من البودرة تضعين أوخ أقول لمَ ينتحر الكثير من الشبان هذه الأيام وآخرون يتسممون في ليلة دخلتهم يمتصون بدل الرحيق هذا السم.
الممثلة: كل العالم ينافق لستُ الوحيدة .
المهرج : نفاقك زاد عن حده علاوة على أنك لا تتركين الناس في مزاجهم أيضا ( يشد شعر الممثلة فتسقط الباروكة) يا لطيف! هذا لم أكن أحسب حسابه وتضعين باروكة أيضا آه كنت أحب شعرك الذي كان كقطيع الأغنام الشقر، والآن كأنه أرض جرداء مليئة بالعوسج واعععععع.
الممثلة( تنظر إلى نفسها في المرآة) ابعدني عن المرآة ...........الرحمة.
المهرج: لم أنتهِ منك بعد، عيناكِ الخضراوان كملعب كرة قدم سأضع إصبعي فيهما لأرى أين تقع الكرة الجميلة،(يضع المهرج يديه في عينيها ويخرج العدسات اللاصقة ثم يشد رموشها فيسحب الرموش الاصطناعية) أواه! عدسات لاصقة، عيناكِ سوداوان كغراب إدغار آلان بو ورمشاك الطويلان كمكنسة لغبار الهموم اصطناعية أيضا، كم كيلو غراما من الخداع تحملين ستدخلين دفاتر غينيس للخداع، ياه تجاوز خداعك إصلاحات رئيس الدولة ووعوده، والآن سأدعك مع المرآة لتكتشفين حقيقتك بنفسك جيدا، اعتبريها راهبا في الكنيسة واعترفي له.
(يفك قيدها وهي تبكي، فتمسك بالمزهرية بغضب وتكسر المرآة)
المهرج : لا تستطيعين الوقوف أمامها عارية كما أنتِ، مع أنك ربما أجريتِ مائة عملية تجميل وتنحيف ورشاقة.
الممثلة ( باكية ومستلقية على الأرض) اتركني وشأني أرجوك.
المهرج ( يخرج مرآة صغيرة من جيبه ويرميها لها): هذه هدية منّي اذكريني كلما نظرتِ إليها اذكري بشاعتي وبشاعتك.
(لحظات صمت)
المهرج: أقسم إني أراك لأول مرة على حقيقتك عارية كالظلام، من الصعب أن نعيش على حقيقتنا دون خداع، إنها كذلك ..والحياة هكذا كم من الأقنعة يا ترى سنحمل ونحتمل، ولكن لماذا يسقط هذا القناع عند صوت أول أغنية تمسّنا..
(يصمت قليلا ثم يستطرد) المرآة آه من هذه الساحرة التي تكشفنا ( يدير ظهره ويستعد للمغادرة).
الممثلة( تنهض وتطعن المهرج ببقايا المرآة ويسقط المهرج على الأرض مضرجا بدمائه): وهي كذلك لنستمر في الخداع ولسوف نستمر بارتداء الأقنعة ...إنها كذلك وستجري كذلك إلى أن ننتهي من كل الينابيع والمرايا .
(ستارة)
ألانيا 12-12-2011 تركيا