تأخرتُ كثيراً بالمشي
ودائما ما كنتُ أتعثر
قالت أمّي : أخاف عليه من السير وحيدا
على أحدهم أن يمسك بيده
.
.
رويداً رويداً تحولتْ يدي إلى جدار طويل
يستند عليه كل مَنْ يتعثر
1
كثيرون هم، و كثر من لم أحزن على موتهم
ولا نصبتُ لهم خيمةَ عزاءٍ
لم يعد عندي قهوة مرّة كي أقدّمها للموتِ
وأيضاُ كي لا يقول لي : البقية بحياتك
لأجيبه بحياء : بحياتك الباقية
2
الورود التي سرقتُها من مقابر قديمة
وأهديتكِ إياها، لم تفدني بشيء
ولم يتغير شيء سوى أني أصبحت الحارس الذي يحرس ضريحك
هكذا "سهران " على الدوام ..
مع أن الأشجار التي تنمو حوله حزينة
و لا تغري أحداً لتسلقها أو لقطف ثمارها
منذ زمن أنا لا أنام،
خشية سرقة الورود من قبرك
من حرامية المقابر مثلي
3
نادم جدا على الكتب التي أنهيتها
ثم وزعتها على الآخرين
4
الليل يسطو علينا
في الليل يكثر اللصوص إذا غاب القمر
وتحزن الشمس أيضاً
لذا على الأقل، اخرجي أنتِ إلى " البلكونة "
وانشري الثياب على حبل الغسيل هذه الليلة
ربما تغسلين معها كل ثيابنا المتسخة
من هذا العالم الوسخ
5
لو أن الحياة لقطة جميلة في فيلم طويل
لقطة حلوة كلاعبات التنس
تستطيع إعادتها من جهاز التحكم متى ما تشاء
وتتجاوز كل المشاهد السيئة بلحظات أيضاً
ولكن لا عليك، أنت من تخاف دائما من مقابلة الحزن
يكفي أنك تعرفه جيدا
هو ريفي مثلك
ساذج وطيب
يزورك دون مواعيد مسبقة
1
لو كنتَ طويلَ القامةِ بما فيه الكفاية
لاكتشفتَ قصر قامةِ الأصدقاءِ
ولكنَّك قصير
معَ أنّك كنتَ تتناولُ حبوبَ زيتِ السّمك
وأيضاً تقرأُ الكتبَ
و على الرّغمِ مِن ذلكَ، تمرُّ في هذا الطريقِ الطويل
ولا أحدَ يُمسّد على رأسكِ الكبير
كمْ هذا العالم قصير
وكمْ رقبتكِ طويلةٌ
حتى لا تكفيها كلُّ قبلاتي،
عندها
تُرتّبُ قبة قميصك
تنظرُ إلى يديكَ
ثم تمشي عليهما وأنتَ تردّدُ :
كم كنتَ جميلاً أيها القصير
حين كنتَ تستحمُ بنهرٍ وليفتكَ الغيوم
أوراقُ الغار صابونتك
و منشفتُك العشبُ الممتدُّ
كم كنتَ حلواً، أيها القصير
حينَ كانَت هناكَ شمسٌ تجفّفُ كل حزنكَ الطويل
2
أقولُ لها أريدكِ ربيعاً، فتديرُ ظهرَها لي
تساقطُ أوراقي
و تنتحرُّ الشّمسُ في بركةِ ماءٍ قذرة ٍ
و يصبحُ الشّعرُ تجاعيدَ الحياةِ
أما أنا مثل الحجرِ هكذا صامت
مهما ركلتني الأقدامُ
أو ربّما ينمو العشبُ على أصابعي
3
أمّي التي تجلسُ قريباً جداً مِن التلفازِ
تتابعُ المسلسلاتِ البدويّة والأغاني الكردية
أصبح لها ثمانية أعوام لا تفعل ذلك
الآن، كلما تسمع صوت التلفاز
تسقط نظارتها من عينيها
1
لم يكن أبي يصدّق أنّي أهرب من المدرسة
ولا أصدقاءه حين يخبرونه: " ابنك كسلان"
أبي لم يكن يعلم أني أكره مدّرس الرياضيات
الذي يحوّل أسماء الشهداء إلى إحصاءات ولوغارتم
ومدرّس الجغرافيا وهو يعلّق فوق خريطة رؤوسنا صور الطغاة
ومدرّس الرياضة الذي كان يطردني من الحصة
لأنّي لا أملك بدلة رياضة
ومُدرّسة الرسم وهي تدفعني لأقف عند سلة المهملات
مهملاً هكذا كي أكون في دفاتر الطلاب لوحة
فقط لأني لا أملك علبة تلوين
كنتُ أكرههم جميعا وللصدق لم أكن أكره الوطن
أهربُ من المدرسة
وانتظر لأراها وهي تخرج من مدرستها
تنظرُ إلي
كي تقتل كل الطغاة في عيني
وترسم لي خريطة إلى الصدق الذي فقدته في مدرستي
وحين تبتسم بوجهي أعدّ الغيوم في السماء
كمعادلة أنسى فيها كل المطر الذي بلل ثيابي
أركض سعيدا و سريعاً جدا بجزمتي الكبيرة
حتى من دون حذاء رياضي
2
عندما كنت صغيراً كان جارنا صيّادا
أذهب وراءه وأجمع الخراطيش الفارغة من بارودته
لأدفنها تحت الأرض
كانت هواية ربما
أو ربّما كي أغلق عيون الأمهات عن بنادق العالم
الآن وبعد زمن تقف العصافير على قبره
نسيتُ أن أقول يا أبي
ليتَ لي ذاكرة عصافير قريتنا ....
3
عندما قال لي أبي
اِذهب إلى النهر واِملأ كل جِرارك
ولا تعدْ
أبدا لا تعدْ
إلا وأنت ممتلئ بالماء
كي تسقي هذه العائلة العطشى
أخذتُ معي كل شيء
كل شيء
و لم أقبّل الفتيات الجميلات على الضفاف
ولم أشرب من ماء النهر
لأني ببساطة يا أبي أخذتُ كل شيء
و لكني نسيتُ فمّي
28-11-2016
العصفورة التي هربت من الصيادين
تاهت في العاصفة الرملية
إنه آب يا أبي
وآب موعد الإجازات
حين نرهف السمع لمواسم الإياب
وحين نهب الحياة لكل من حولنا
وتحت هذه السماء تخوننا الحياة
لنناجي النجوم حينها
إلى هناك
لتخوم القرى حين يُخيّم الموتى في نزهاتهم الأبدية:
لماذا كنت بعيدة وشاب فوديك حين احتجنا إلى ظلالك
ولماذا عادت كل تلك الشهب
ولم ترجع سفننا كي تخدش شعور هذا البحر المغرور
عندها أجدل حبلا حول سقيفة القمر النائم
وأصنع منه أرجوحة أسلي بها كل الأولاد الساهرين
والدنيا في آخر الليل
وربما ربما مثل الأطفال انتعل حذاء بأضواء ملونة
يكون للمارة ظلا لكل هذه الطرقات
2
إذا غضبتِ منّي لا تدعي على نفسكِ
ادعِ علي وقولي ما تشائين
لا تكوني كأمّي التي كلما غضبت مني
تدعو على نفسها
ولأنني عاق دعت على نفسها ملايين المرات
من وقتها تنمو السكاكين من أصابعي
ويخرج فأس من فمي يقطع كل شجرة تقترب منّي
3
دعيني أَشْنُق نفسي بشفتيك الليلة
وأعلن انشقاقي عن كل هذا الحزن
فأنا منذ زمن يا صديقتي
كسجين يصنع الكثير من مسابح الخرز
ولكنه يعلم أنه ليس له أحد
ليبدأ بتوزيعها على المارة كأي فاعل خير
هكذا كما الآن .....
4
عندما مات جدي
قالت لي جدتي أحضر لي نظارته
ثمّ أصبحت جدتي لا ترى العالم إلا بنظارته
وتكابر على نفسها حين تصطدم بالجدران
ولكن في اليوم الذي خلعتها
لم تجد أحداً منّا حولها
فقط مجموعة من الغرباء
5
كم مرة قلت لك الأمر بسيط
المطر حين يجن يزرع زهرة
و البحر حين يعرق يُنشّف جبينه بغيمة
و الغابة حين تملّ تغدو حطباُ
والربيع حين يمرض يعمي عيوننا
والثلج حين يكذب كثيرا تكشفه شمس غريبة
والشرفات حين تمل تزرع الياسمين
وأنا بكل بساطة ، حين أجن وأعرق وأمرض و أمل وأكذب
أعيد قراءة منشوراتك القديمة في صفحتك التي لم تقبليني صديقا فيها
لأحرق كل الحطب الذي ادخرته أمام شتاءاتك التي لا تنتهي
6
آه يا وطني
كمثل كتب المنهاج الدراسي، أذكرك
هكذا بلا عاطفة، فقط إحياء لذكريات قديمة
يا وطني القديم
يا وطن البعثيين و الطائفيين و الإسلاميين والشيوعيين و المطبلين
يا شعار السياحة الوطنية بفنادق فارغة و سجون قلاع مكتظة
أبدا لا تفتح قلبك لنا
نحن أولادك الذين رميتهم إلى الحجر الصحي
عند أول نوبة سعال حلت بنا من شتاءاتك الممرضة
7
ما أزالُ ذلك العصفور المرتجف الذي تلقى أول طلقة
ولسوء حظه لم يمت
مع أنه رآهم يقطعون غابته شجرة شجرة
ويذبحون أقرانه واحدا تلو الآخر
لكن هكذا بقي عصفورا متألما يتخبط من جراحه
و ينتظر قطاً أو كلبا من بلده
ربما يلتهمه
8
عندما يتكالب الأعداء عليك؛ اِرم إليهم عظامك
ولكن إياك أن ترمي إليهم جمجمتك هذه
1
وها أنت حرٌّ و كلُّ القيودِ على يديّكَ تنتحرُّ
ولكن، متى انكسرَ ذاكَ السلسال الذي وضَعتهُ أمّيّ على معصمي
مازلتُ نفسَ الطفلِ يحملُ وصايا أمّه، و لا يدوسُ على قبورِ الآخرينَ
تضعُ الشمسُ جبينها على ساعدِ الشاطئِ كولدٍ حزين
أسبحُ في شواطئكَ يا وطني
كانَ لي أن أموتَ قبلَ أن أراكَ تسقطُ كثمرةٍ لم تنضجْ بعد
لا
لا البلادُ بخيرٍ ولا أنا
ولا حبّنا ولا أرض جدّي ولا ولا ....
الدنيّا ماطرة
وخالي حنّان يمضي إلى كرومِ الزيتونِ
كريماً كما كان، يحتسي كأساً ويوزع على الجميعِ
ثم يعتبُ على الحنّانِ ويغنّي :
إنّه المطرُ موسمُ الشرابِ
ما دمتُ لمْ أمتْ بعد فصبّوا لي قدحاً أخر
لنطفئ بالنارِ نيران القلبِ
يموتُ فرحاً كقطرةِ مطرٍ لمّت ما تستطيعُ حملهُ
ثم انتحرتْ في النهرِ بعدَ أن ملّتْ منْ وعودِ كلِّ الغيوم
2
أمامكَ بناءٌ جديدٌ سيمتلئُ بكلِّ شيءٍ قريباً
بالحبّ والمشاكلِ وأعشاشِ الحمام
ولكنّهُ أبداً لنْ يملأَ قلبكَ
قبلَ قليلٍ، كانَ قلبكَ كئيباً
كل شيءٍ متشابهٌ أمامهُ ككثيبِ رملٍ
وكل ما يريدهَ قُبلةٌ منْ حبيبتهِ
قِبلتُها جهةُ مدينتهِ المغتصبة
قبلَ قليلٍ، خائفاً مثلَ شمعةٍ
ترتجفُ كلّما سمعتْ طرقَ البابِ أو اهتزتْ ستارةُ النافدة
3
الحياةُ سيركٌ وكلّنا مهرجون
يقولُ لي صديقي الذئبُ :
الثيابُ مدخلُ الخطيئةِ
وهي خيوطُ الحيوانِ تخفي الوحشيّ الذي يسكننا
فأجيبُه : كمْ كنتَ عارياً
حينَ مزقتَ قميصَ هذه السماءِ
كي تعرفَ الحيوانَ الذي يسكنكَ
تركضُ إلى الحديقةِ
تبحثُ عن ألمِ الحقيقةِ
تحاولُ التفسير
وتقشير كلّ تلكِ الأشجار ِالتي غلّفتْ روحكَ
يصعدُ على أغصانك قردٌ
يرميكَ بالثمارِ كلّما صعدتَ أكثر
تقفُ و تنظرُ إلى السماءِ
تفكّر في كلِّ من يَسكن وطنكَ
يتعبُ ترابُ الكلماتِ من لعابِ الحروفِ
وحل.......
أيّها الوطنُ الذي يطبعُ أعلامهُ على القمصانِ و الأوراق
ويعلّقها كزينةٍ في ممراتِ المدارسِ
ثمَّ يلّونُ وجوهَ الأطفالِ بها
نحنُّ أبناؤكُ العراة نحتاجُ إلى قمصان
نحن كتّابك لا نملكُ ثمنَ الورق
أيها الوطن الذي يوزّعُ علينا أعلامه التي تعفرتْ بالغبار ِ
لا نحتاجُها
لا نجمتاك ولا الثلاث
كي ننامَ بسلامٍ ونحلمَ مرة أخرى
4
عندما أضعُ قفازاً كبيراً في يديّ
كتلكَ التي يضعُها المهرجون
ترقصُ أصابعِي كمجموعةِ حيواناتٍ مختلفة في هذا السيركِ الكبير
رعبٌ يعبرُ القلبَ
كمْ كانَ زمانُ القريةِ جميلاً
حين كنّا نرعبُ الطيبين بأصواتِنا من وراءِ النوافذِ ونهرب
وكم ْالزمن مرعبٌ الآن
رحلةٌ لا تُتعب القدمَ إنّما القلب
و القلم
عندما أرتدي قفازاً كتلك التي يضعها المهرجون
أمضي
كمولودٍ جديدِ
كشخصٍ ميّتٍ حديثاً
يلفّني البياضَ وأنا مغمّض العينين
5
لم أعدْ أرَ الألوان منذُ أنْ مسحتِ على عيني
و أنا نمتُ على عادتي
أمّا أنتِ أطبقتِ الباب بقوة
1
المرايا التي لم نكسرها
كسرت كل يوم فينا شيئا جديداً
لذا وكل مرة أكسرُ واحدة
أرى وجهي ضاحكاً طويلاً
أمام بلّلور دكاكين هذا الطريق الطويل ...
2
ما زالت هوايتي عكس الضوء من المرايا الصغيرة
تلك التي تشبه مرايا الفاتنات في حقائبهن والموظفات على مكاتبهن
أعكس منها النور على تلك النوافذ المظلمة في العمارات الطويلة
ربما يوما ما تفتح إحداهن النافذة ثم تصرخ بي:
ألم تكبر بعد ؟
لقد قدمت مرآتك
وأنت تحاول إشعال هذه الظلال ..
3
مرآة جدتي مدوّرة، ولها إطار خمري
كانت تحملها في جيب تنورتها المزركشة الألوان
وتخرجها عندما تضع طقم أسنانها الصناعية في فمها
تحت فيء شجرة زيتون
تقول لي : وهي تخطىء باسمي
" ناوزو " كل المرايا الرقيقة كاذبة تكشفها الحجارة الصلبة
وحدها أنهارنا وينابيعنا صادقة
تكشف كل الذئاب التي تقف وراءكم
كما تغسل أقدامكم وأنتم تطاردون الوحوش
تلك التي أكلت أغنامكم، ثم نظفت أسنانها بأوراق زيتونكم الأخضر
مرآة جدتي قصة امرأة وإحدى قصص المرايا الكثيرة
وهي أيضاً أيضاً ؛ إحدى الأشياء التي كان يكرهها جدي
4
مرآتك الصغيرة في علبة مكياجك داخل حقيبتك السوداء
والتي كنتُ كلص محترف أراقب منها عينيك وأنتِ تضعين الكحل
ولأني من يوم يومي أكره حمل الدفاتر
كان بجوارها دفتر صغير فيه نصوصي
مرآتك تلك دائما دائما ترى الألوان في علبة مكياجك
ولكنها أبدا أبدا لا ترَى حبر كتاباتي...
5
المرآة التي خرجتْ لنا في علبة مناديل
لم تجلب إلينا سوى الحزن
قال لي أبي وهو يرميها :
المرايا التي لا نتعب لاقتنائها
و تأتي هكذا هدية مجانية
لا تستدعي إلا الدموع
1
من يوم يومي وأنا أكره الفرجار
كان يبدو لي مخصصا للطلاب المرفهين
ببساطة لم أكن أملك ثمنه
كنت أرمق دوائر صديقي المتقنة
بنظرة شريرة
وأرسم الدوائر بيدي
ولكي تبدو أجمل من دوائره
كنت أرسم لها عيونا وأنفا وفما
او أحوّلها إلى قطعة مانغو
تلك التي كنا نعرف شكلها من أحاديثهم
الآن أرسمُ الكتير من الدوائر المتقنة
وأصنعُ المئات من الوجوه
و لكن كلما تنضج
أدير وجهي عنها
2
هناك في المولات الفخمة
تجد الكثير من جلود الحيوانات
على شكل أحذية
معاطف
أوشحة
وهناك أيضا أيضا
رجل يمر من هناك كل يوم
وفي عينيه الغابة
3
إنها النجوم يا حبيبتي
بعيني الصغيرتين تستطيعين رؤيتها جميعا
وعدّها كلها
دون أن تظهر التآليل على وجهك
ولكن
و أنا في هذا العالم
على الرغم من عينيكِ الكبيرتين
و حجمي الكبير
لم تريني
4
عندما غرق القمر في النهر الخائن
بدا وجهه بريئا جدا
حاولنا أن نمد له أيدينا
تساقطنا واحدا تلو الأخر
ولم يبق منّا
سوى أغصان يابسة
يتعارك عليها حطابو الغابة
5
تقول الجميلة
لنا بداية جديدة
و أن الحياة جميلة إذا ما كنا خبز الطريق
وأن المدينة بكل عصافيرها ستأكل من يدينا
وعن الحزن
لدينا مخزون هائل واحتياطي
وأننا كالجمال سننسى السنام
ونشرب من أول نبع
وأن يدي التي تلتئم
اللئيمة اللئيمة
قطعتْ الكثير من الأشجار
حتى أصبحتْ وحشا لا أستطيع ترويضه
كلما أتجولُ في المدينة
تتمردُ وتخرج من نافذة السيارة
تجمعُ الأغصان المجتمعة في نهاية النهر
وتبني بيتا للعصافير اليتيمة
ثم تقرأ عليها تميمة تُبعد الصيادين
تكتبُ رسالة لعاشق
في قلبه الكثير من الأشجار
ولكنها تتحولُ إلى أقفاص
كلما حاولَ إطلاق العصافير التي تسكنه
تحملُ أكياس القمصان الجديدة
التي يسير بها طفل متعب
كي تقصها العائلة من الخيوط الزائدة
ويشتري من أجرتها قميصا جديدا لأخته الصغيرة
يدي التي خرجت عن سيطرتي أصبحت طويلة جدا
على العكس من طول قامتي
حتى سمعت إعلانا من مذياع السيارة
أن الأغصان التي تقترب من النوافذ تُقطع
سحبت يدي اللئيمة
التي بدأ حجمها يتقلص كثيرا
ثم سمعتُ نشيد الوطن
وتوجهتُ إلى أول مطعم له مظلات حمراء
6
يهطل الثلج هناك في المدن البعيدة
وتتتبرج الأنهار ؛ فتبدو شابة جدا
وأنت لا تتركين سوى الشمس على وجهي
التي تجفف كل الثلج
الذي عبثا ما أحاول إخفاءه
7
ثم يمتدُ في غرفتك
ويتمدد كثيرا
نعم إنه الحرير
وأنتَ كدودة القَز تخنق نفسك بعد هذا
هذا الحرير
8
الثياب التي لم يستطع أبي شراءها لي
في عدة أعياد ماضية
كانت تدفعه لعدم النوم لأيام
و يقول لي إلى العيد القادم يا بنّي
... ....
اليوم عندي الكثير من الأعياد
بل أكثر من ذلك ثياب
لكنها لا تستطيع إيقاف هذا الأرق الذي يصيبني
9
في الفلب أمنيات كثيرة
وأنتِ منها
تماما كما يتمنى الجسر تسلّقَ جثة النهر
كي يستعيد ذاكرة غرقاه
10
عندما يحدّثونك عن الخيانة
افتح قلبك كثيرا وتناولْ وجباتك المعتادة
ابقَ صامداً
كأي وردة زرعها البستاني ثم تركها
لكن تذكّر جيداً أن تجرح كل يد تقترب منك
23-11-2017
وأنتَ تضعُ اللحاف على وجهكَ كي تنام
لا تنسَ أن تغطي كل نجومك بها
واِترك السماء عمياء
امضِ كعاشق بجيوب خالية الوفاض
يمضي ويحمل كل النجوم في قلبه
والسماء كما هي سوداء
اِمضِ تحت لحافك كسمكة مطمئنة
أكلتْ كل الأسماك الأصغر منها
غسلتْ معدتها بماء البحر
ثم اِستلقت على شاطئ الصيادين
امضِ كشجرة
سرقَ حطّاب القرية كل أغصانها
وتدفّأ بها
ولم يوفر حتى ذلك الغصن الذي حمل أرجوحة أولاده
لكنها بقيتْ تتحدى بجذعها الريح وتهمس لها :
" لا تطفئي عليهم النار في هذا الشتاء "
اِمضِ كفراشة بات الغبار على جناحيها طيناً
رفضت الزهرة أن تظللها من المطر
كي تشرب كل الندى
مضتْ على قدميها
ومضتْ خلفها فتيات القرية
إلى النهر
حتى تغسل طين الحقول من أرجلهن
امضِ هكذا وتدثّر بلحافك
مهما كان نتناً
فهناك ما زال عندك الكثير من النجوم
تغسل بها سماءك الوسخة
امضِ كناموسة تمرّ على شبّاك حبيبتك
تنتظر إلى الصباح حتى تفتح نافذتها
وترمي أحلامها منها
وهي تعض فخذها الأبيض
امضِ ووزع كل نجومك تحت لحافك
مهما كان وسخا
تماما كبعوضة تمزج دمنا وتعادل بيننا
تحت ناموسية مثقوبة
ولكن لا تنسَ
أن تنظف جسد سمائك الوسخة بليفة القمر
15-9-2016
مَن حولنا كي نوزع عليه كل ثيابنا القديمة
ونأخذ منه ملاقط لثوبنا المبلل
نكذبُ عليه بمغامراتنا الخاسرة
ونحكي له عن تلك التي خذلتنا مراراً
كأي حلاقٍ يستمتع بكل ما يُروى
مَنْ حولنا
يكسر هذا الباب العالي
ويأخذ منّا كل هذه الغابة
نعطيه الذئب الذي يسكننا
ونأخذ كل مراعيه
و يرضى كأي راعٍ بسيط
مَن حولنا كعامل الحديقة
يشذب فينا كل هذا العشب الطفولي
ويمنع أن تتسكع عليها الأحذية المطاطية
يوقف جبروت الريح حين تنتعل حذاء الديكتاتور
و تمر فوق رقاب السنابل
مَن حولنا يجرحنا بأناقة
وحين يرى ظله على المدية يتوقف
وينسحب بلباقة
لماذا تخدش الشجرة ظلنا
كلما امتدت قوارير الشمس من كوتها؟
مَن حولنا
يراقبُ الريح عندما تكسر أضلاع الرصيف
الرصيف الذي لا يتعب من حمل الأقدام
وفي المساء يُكنّس أوراق الشجرة
تلك ..
تلك التي خسرتها الريح
مَن حولنا يعصرُ المناديل البيضاء على جبيننا
ويسهر حتى نتعافى
مثل أي نهر جفَّ
فعصرت الغيوم مناديلها
وكأنها تتبرع بالدماء
مَن حولنا كالنهر تفتح السماء قلبها له
وتحكي طويلا
وحين يحل الظلام توقد شمعة وصغارها حولنا
يؤنبنا كلما اعتمرنا قبعتنا بالعكس
كما كان يفعل مدرّب العسكرية في المدرسة
مَن حولنا
كأي بقّال يطل على شرفة بيتكِ
فأشتري منه كي أطيل انتظاري
وأحبّه لأجلكِ
مَن حولنا كحشرة
كحشرة المنّ لا يتركنا
مهما كسر النمل الذي في داخلنا أجنحته
26-12-2014
كبير أنت يا وطن
كبير بالحزن
وخدماتك جليلة
لم تقدّم يوما خدمة مجانية
ولكنك بالحزن تقدم عروضاً مجانية عديدة...
تفتحُ ثقبا بالباب
لا كي نشاهدَ الضوء الساطع في الممر من غرفنا المظلمة
بل كي يسترقَ أولاد الجيران النظر علينا....
تُضيء أعمدة الشارع في الليل
لا كي تجدَ العصافير الخبز المرمي على الرصيف
بل كي تكشف ما في شرفتنا لكل هذا العالم....
تدقُّ مسماراً في صحة الجدار
لا كي ترقص ساعات الزمن
ولا كي نعلق ثيابنا المتعبة
بل كي تعلّق عليها صور فزاعاتك ...
قدّمنا لك كل عصافيرنا
كي تنام على ثمارك ويزورنا الأصدقاء
صنعتَ منها وسائد للمترفين...
أهديناك فنجان قهوتنا كي نسمع من أذنه
أنك ستقول لنا :
في الصباح ستشرب قهوتك مع أمك على سطح المنزل
جعلتَ فنجاننا يسترق السمع منّا
وينقل لك كل ما نقوله حين نشتري عبوة من القهوة الأجنبية
ونربح في العرض فنجانا وطنيا
زجاجك كثير وحجارتك أكثر
كبير أنت يا وطن
كبير
وأنا مثلك كبير
ركضتُ كثيراً في البراري
أصبحت وحشاً
أستطيع أن اُحزنَ أي شخص بخمس دقائق وأنا أضحك من حزنه
هكذا....................
هكذا كثيرا ..........................
16-5-2016
في المساء وأنتَ تمشي كما تشاء
لا لشيء ولكن كل ما عندك سواء
ولا شيء يشي بأنه موشك على الانتهاء
هكذا كبحر يحرّك أمواجه
لا ليُغرق أحد ولا كي يسلي الأسماك
أو كي يرسل زجاجة حليب إلى عطشى السماء
لا لشيء بل لأنّه ملَّ ..........
كريحٍ ركضت بأحذيتها الخفيفة
لا كي تحمل البذور
ولا كي تحرك الأغصان ويستيقظ العصفور
بل لأنّها ملّتْ.........
كقمر الصيف سحب غيمة ومسح بها وجهه
لا كي يزيل العفر ولا كي يستأذن المطر
لينحني أمام فساتين الزهور
بل لأنّه ملّ...........
كشمس الظهيرة عندما تسرق مناديل السماء
لا كي تجفف عرقها
ولا كي تملأ البئر أمام فلّاحة صغيرة تنتظر طوابير الجِرار
بل لأنّها ملّت.....
كسنجاب خرج من جحره
لا ليكتشف الحياة الجميلة
ولا كي يبحث عن الجوز غير آبه بالصقور حوله
ولا كي يجد جحراً جديداً
بل لأنه ملّ..........
كجندي هرب من قطعته العسكرية
وترك بندقيته على سريره
لا كي يزور أمه العجوز
ولا حبيبته التي ملّت من متابعة الأخبار
بل لأنه ملّ
ملّ جدا من رائحة البارود.....
22-5-2016
كقطّ القصور ما زالت لا تعرف المشي على جدران المدينة
مع أن مخالبك حادة وطويلة
ولكنك لا تجرح سوى الفئران التي تقترب منك
تحاول أن تقول الحياة حلوة
مع أنك تضع الكثير من الملح في طعامك
كبائع خضار بائس تطرد الذباب من غرفتك
وحين يغيب عنه يعرف أنه لا بضاعة على رفوف دكّانه
لتعتاد على الأشياء السيئة
كنافذة نظيفة من الغبار
تطل على خراب المدينة
تبحث عن أخر ظل كان يلعب هناك
تتبع صوت صنبور الماء المفتوح
في الأيام التي لم تأتِ
كي تلقي في النهر كل الحجارة التي وضعتها في جيبك
أثناء سيرك في الطريق الترابي
عندما كان الصيف حافيا وعاريا
وحينما لم تكن تفكر بالأشياء الحزينة
ككل شيء سيئ تقول لك حبيبتك :
لم تكن يوما رومانسيا
ولأن طبعك سيئ كالزهور
الزهور التي لا عطر لها
كل ما في الأمر أنها تتعطر أيضا بقوارير الندى
لا تقبل إلا حين تبكي السماء
تقول لها :
لم يكن أبي يجلب الورود لأمي
إلا كي تصنعَ منها مربى الورد
مربى الورد حياة بحد ذاته
تشتري طاولة جديدة يقول لك صاحبها
إنها نتاج إعادة تدوير لقطع من مدينة في حالة حرب
تشتريها كي تكتب كل كلماتك السيئة
كلماتك التي في حالة حرب أيضاً
تتساءل عندها مَنْ غسل يديك من التراب
حتى أصبح الطين جافا عليها
كإطار فارغ تحاول أن تضع صورة وطن
نسيتَ ملامحه
وطن كشجرة لم يبدّل قشره منذ زمن
لم يتقشر
حتى ما عاد حوله سوى قشره
الذي يرتفع رويدا رويدا
لتتساءل وقتها
لماذا لم تهطل أمطاره السيئة إلا على أكياس الطحين
وخبزنا المنشور على الرصيف
ككل شيء سيئ
أكتب لكِ هنا عن الأشياء السيئة
ولكن خذيها كأي جرعة دواء تعرفين مضاعفاته
ولكنه يجعلك تتصالحين مع الأشياء السيئة
1-11-2016
كل شيء يتكرر كلماتكِ وكلماتي
يومي وما أقوله لهذا العالم الأطرش بأعلى صوتي
قاسياً كمذيعة الأخبار يمرّ اليوم
وأنا مثل شوارعك يا وطن لم أعتد إلا أن يمر العشاق على قلبي
لم أعتد الجثث
من أين سلختَ كل هذه الوحوش وارتديتَ جلودها ؟....
أنا مدلل مثل عشبك الطري
الذي ذبحته بأحذيتك السود قبل أن يكبر
حزن ابن كلب يا وطني المحترم ينهشُ عظامي
كلما أفكر أني تركتُ لحمي وجبات تنهشها كلابكَ
لماذا جعلت من ساريتكَ رمحاً يدق حناجرنا
كلما هتفنا تحت علمك ؟....
عيناي من تراب لا تدفن حزنكَ فيها
كي لا ينمو الحزن بي أكثر
وأكثر
***
كل شيء يتكرر
أشتري من الدكّان ما أريد
أستطيع شراء كل ما فيه
ولكن لا شيء يتكرر كذلك الطعم الذي كنتُ أشعر به
من قطعة برتقال أتقاسمها مع أخوتي حين يستلم أبي راتبه
أمضي
وليس معي قمح أرضي
وما تبقى في يدي
خبز الغريب الذي يتكسر بسرعة
وحين يرتدي المساء نقابه أقول لنفسي اشعلْ أنوارك
كما كانت تشعلُ قريتك أزرارها في قميص الليل
***
كل شيء يتكرر حتى وجه أمّي
وهي لا تخيط سوى الحزن بمسبحتها
حين تقرأ الأدعية للجيران بعد انفجار كبير
ولكن لصوص قريتنا لا يتكررون
وهم ككيس طحين ابتلَ تحت المطر
يراقبون كل الخبز الذي يخرج من الفرن طازجا
ومهما
مهما كبروا لا يسرقون أكثر من كمشة زبيب أو لوز
و مزمار راعي القرية لم تعد تمر الريح من ثقوبه
بل لفحه التراب
حينها وعندما تنطفئ الأضواء في القرية
تمسك أمه صورته وتدعو للريح أن تعود الأعراس
وتختفي الأفاعي في النهر
وأنا مثله الآن
أعرف جيدا حين تموت كل النجوم
تنظر أمّي إلى صورتي
حتى لو اقترب وجه القمر كثيرا
ولا تشعرُ بالظلام إلا حين تراقب أضواء الأخرين
لا تسأليني عن الألم ونصوص الحب
بعد كل هذا الذي يتكرر
أنا أحدثكِ عن وجع المسامير
وأبداً
أبداً لا أُحدثكَ عن الجدار
15-11-2016
عندما تغيب أمي عن البيت
ننام من الليل إلى الليل
يذهب أبي إلى عمله دون أن يحتسي قهوته
يجلس الظلام
تزورنا خالتي " نزيفة "
تلك التي تركتها في القرية كما هي
تشير بعصاها إلى كل المغادرين
تسير بنا بأسرار مزيفة
أننا سنكبر ونجلس بنفس المكان
تمسح أجوبة السؤال وتبقى للأجوبة سؤال
تضعُ الكراسي أمام عتبة البيت
وتسأل لماذا يغيب الضيوف ؟
تقول للتراب الهلوع
حين تعرق الشمس البرجوازية
ويموت الثمر على حلمة الشجرة
لا تخف من ريح مغتربة
قل للمطر ضع حقائبك واسترح
ولنبن ِ بيتاً ولينمُ الولد
تسألني :
أين ذهبت أمك
وسوق الخضار مغلقة اليوم
ولا نقود في سترة أبيك
أقول لها :
ولا مرافقها الأمين معها
الذي كان ينتظرها طويلاً عند أكياس الخضار
و يشعر كهرّ مسكين حاصره أطفال مدرسة
كم كان البازار كبيراً
و كم المولات صغيرة هنا
تغبش كل مرايانا بالضباب
بيتنا واسع جدا يا أمي
كوطن لا دكاكين حقائب سفر فيه
تتأخرين
ويضيق البيت كمحارة تتقاذفها الأمواج
ثقيلا كذبابة مبللة
خفيف الرأس كرجل سكير
لا أستطيع فتح الباب
رغم أني سمعت صوت حذائكِ على درج البناية
كل المفاتيح في شمّاعتها ولكن مفتاح البيت غائب
عندما تغيب أمي عن البيت
ننام من الليل إلى الليل
أشرد بوجهي
تطل خالتي نزيفة بظلها
تقول لي ما الدنيا ؟
أجيبها كطالب لم يعرف في الامتحان سوى السؤال الأخير
الدنيا
كل الدنيا خالتي نزيفة
17-2-2015
أيها الوطن المختبئ خلف تلال الوحل
ذكرتُكَ اليوم كثيراً
وكان القمر مهموماً من الضباب
كوجه بابا وهو يدخّن سيجارته
وقتاً مختلفاً عن كل وقت
كسنٍ ذهبي في فم غجري
نعم، وكان أيضا الكلام ممتعاً
كليالي الغابة حول نار صاخبة
أنا و صديقي الهندي
كضوء انكسر مرارا
و أصبحتْ هوايته التمدد تحت عتبات البيوت
وفي ثقب الأبواب
حدّثته طويلا، كنّا
و كان الحزن طويل القامة كأشجار السرو
تخفي جراح العصافير
وتراقب كل جروح العالم
وتخبئ تخبئ جرحها
وكنتُ أيضا أيضا سعيداً
وأنا أحدّثه عن " موساكو "
كطفل يركض خلف بالونه
حاولتُ أن أجمعَ ما في منخل الذاكرة
ما لا تذروه الرياح كي أرتاح
ولأنه كان يرى صوتي
انكشفتُ أمامه وقالتِ الريح كل ما غربله المنخل:
نعم، أنا مثل كل يوم
..........................
لا شيء جديد
لذا تجدني كالقصب ساكتاً
متشابها جداً
و لا أجرح أحداً
إلا حين يُخرج الناي الذي يسكنني
أيها الوطن المختبئ خلف تلال الوحل
أنا أشتري كل يوم حذاءً جديداً
وأردد مع نفسي بأعلى صوت
ربما أركض يوما كوعل يتجاوز كل الوحل الذي يحتويك
15-12-2017
من بيتِ جاري صوت قادم
يقولُ جارنا الخياط لزوجته
وهي تحوك سترة رصاصية لشتاء عجوز
لا أحبّ تلك النواسة المعلقة في سقف الغرفة
لا يجتمع حولها سوى البعوض
و أن آدم كان خياط سيدات
وهذه الحرب خيط زائد من قميص مهترئ
***
من بيتِ جاري صوت قادم
امرأة بمعطف رصاصي اللون
تجمع الخراطيش الفارغة من بندقية زوجها
وعندما تصبح الساقان نحليتين جدا
ويصبح المرء كمقص الأظافر
لا ينطق إلا حين يطول الحزن كثيراً
تحاول صيد كل العصافير التي تقف على ناصية ركبته
***
في بيت جاري الخياط
صيّاد يدوس على غصن مكسور
تهرب العصافير ليفترسها الهواء
يقفز السؤال كأي مظلي فقد ظله
ثم يزحف ببطء كنهر ساكن
مرّ به زورق ضائع
حرك ماءه ونصحته الدوائر ولكن ...........
في بيته صوت رنا
لا أطفال لكنه يقول
تلزمنا الكثير من البالونات
عندما تمتلئ الرئتان بالهواء
وتمر فوق صدر المدينة أقدام العدّاء
تتكاثر الأصوات من الأبواب ومنّي
لم يكن صوتي أنا
كل ما فيها أصوات تنأى
7-2-2015
هناك ورق لم تستعمله بعد
كرجل ذبلت أوراق الخريف في عينيه
حين عصر وجوه أولاده الصفراء
كنّا بألف خير
لو فتح القمر أغطيتنا البيضاء
ومدّ عنقه إلى نوافذ أحلامنا
عندما تكون الأشجار فناجين قهوة الليل
ثمة ما يكفي من الأوراق
كي تكتب عن الذي ينتظر على الشرفات طويلا
كحارس حزين لغابة تُقطع كل يوم أشجارها
ثمة في الخزانة ورق لم تستخدمه بعد
الأشجار المتعرجة يصعد إلى أغصانها الفلاحون
وحدها سيقان الأشجار الملساء
لا تقبل أن يقبّل أغصانها أحد
حين يجتمع الجميع ويتنافسون طويلا
ثمة فواتير كثيرة
خاوية الظهر كي تكتب عليها
الرموش الطويلة عشب العيون الحزينة
عندما تتوضأ العينان
وتصلي الروح
العشب كثيف حولنا
و ثمة هناك صخرة كبيرة في وسطها
لا أذرع قوية لتقتلعها
ولا أقدام نظيفة كي تمشي على هذا العشب البريء
تعبٌ أنا يا صديقتي
تعب من التعب القادم
تعبان
كصدأ باقٍ على مفتاح قديم
لا تخرجينه إلا لأبوابك التي تتأخرين جدا بفتحها
30-1-2015
1
وأنا في الجامع، سرقوا حذائي
حذائي الذي كان يدلني إلى كل طريق
هكذا الآن، أمضي حافيا
أجمع الأحذية وأسرقها
لأشخاص خاشعين في صلاتهم
ربما أجد الطريق إلى الجامع مرة أخرى
2
لم تعد قريتنا كما كانت
ولا عادت معجزات الأنبياء تنفع
متأخرة مرّت سفينة نوح و لم تجد أحدا
فقط غرقى في دمع الأرامل
ولم تفدنا عصا موسى
إذ أصبحت كأي عصا أخرى
لا تنفع حتى في دل المهجّرين إلى بيوتهم
وقميص يوسف أصبح كأي قميص آخر نشتريه من أي محل
عليه بطاقة السعر
لم يعد النور إلى مَنْ فقد بصره من حقول الألغام
ولكن لماذا حين أزلنا كل الصور المعلقة في القرية
ووزعناها كدفاتر على الأطفال ليكتبوا عليها
نزل علينا الأنبياء من كل مداخلها
3
كل قريتنا أصبحوا روبن هودات
موجة من النخوة هبطت علينا هكذا فجأة
بعد أن عرضوا علينا مسلسلا مدبلجا
بات كل منا يسرق الاموال ويوزعها على الفقراء
ثم أفلسنا من الاغنياء بِتنا ننهب بعضنا البعض
هكذا لدينا الكثير من النقود
والقليل من الناس
القليل
4
كلما هزمتك الحياة اعتبرها كأي بستاني يقص غصنا زائدا
كي تثمر أكثر
عندما تُطفئ الريح شموعك
لا عليك، اجلس في العتمة واصنع شكلها بكل الشمع المتجمد
وعندما تمتلأ حياتك بمقابر جماعية
استلقِ عليها كعشب مرتاح
و لا تستاء فهي السماد للعشب الذي ينمو في سماء أصابعك
عندما تمتلأ غابتك بالوحوش اَشعل نارا هادئة وسطها
وارقص حولها كأي نهاية مفتوحة في فيلم هوليودي
مهما تربصت بك أعين الذئاب
عندما تغرق نجمة من نجومك في ينبوع هادئ
اقفزْ إليها وستجد إنها لم تكن يوما لك
عندما لا تسع قدميك كل أحذية هذا الطريق
تذكّر " الجزمة " التي ورثتها من أخيك
كانت كبيرة عليك و خشنة
ولكنك قطعت بها كل الوحل
كلما فقدت أحدا من أصدقائك، لاتحزن
هناك الكثير من الجزر التي تعلمنا أن نصنع قواربنا عليها
ونبحر وحدنا هكذا
الرجل الذي يُوقف الحافلة بغير مواقفها
ركب الحافلة ولم يقطع التذكرة
كان أبوه يريده أن يصبح مفتش باص
وكان يقف طويلا أمام كل حافلة
يجمع كل تلك المواقف +
يفتح باب الباص هكذا من مقوده الآلي
ولكن لا أحد يصعد
أبداً لا أحد
29-1-2015
لا محفظة عندي
كي أشتري لك الأزهار من السوق
أو ندخل بها مدن الألعاب
لا محفظة عندي
لا لأني أكره دبغ الجلود
ولكن لا جيوب في بنطالي
20-1-2015
أمامك ملعب أخضر وطفل يلعب الكرة
ومعطف من قطيعك الأشقر
امرأة تقطع البامياء أمام عتبة البيت
وتسخر من خيوط الزمن الجاف
أمامك مومياء تحتفظ بها في زجاج قلبك
تخاف أن يفتتها الهواء النقي
كانت النار نظيفة الثياب
من أين كل هذا السواد على قدورنا النحاسية ؟ ..
أمامك قطيع من الخنازير
وسماء طويلة العنق لا يهمها أي ثياب تلبس
لماذا لا تفتح شرفاتنا قمصانها للشمس
فقط للريح والعابرين
أمامك سنابل شقر طويلة
للهارب من سر قديم
و رجل يحمل الخبز لأطفاله
مسرعاً يمضي
رائحة الخبز توزع الجوع على الطريق
لماذا لا تفتح الشموع عينيها
حين ترى طاولاتنا تحترق ؟..
أمامك غيوم تغتصب الشمس الخجولة
والرعد آلام المخاض
أما المطر طفل يكبر بسرعة
أيها البابونج البري
كيف اقتلعوك لتصبح قالب صابون على رف دكان ..
أمامك فتاة بدون مكياج كما قريتك
كانت المدينة بخير دون أضواء تكشف نقابها
لذا غرفتك مظلمة لا شيء يدعو للضوء
غرفة بحجم جبّانة المدينة ..
أمامك كل ما يؤلمك
بسيطا كمشاكل الفقراء
تلبس معطفا من فرو ثعلب
دق عنق دجاجات قريتنا
تبحثُ عن الصياد،
كأن كل ما أمامك
لم يكن يوما وراءك
10-1-2015
1
الطين الذي تخلّفه الشمس
لا ينشف
ولا حليب في ثدي السماء
كي ترضع كل قطعان الينابيع
من أين كل هذا الوحل على أجنحة الفراشات
2
لا إيقاع في المدينة
مثل أي عود قُطعت أوتاره
مع ذلك كل الخائبين هنا
يكتبون القصائد
3
النهر الذي تفتحت في شرايينه
عيون الغرقى
كان الجسر فيه مائلاً
كان الجسر أنتِ
4
الضوء امرأة ظالمة
لا تنصف بتوزيع أولادها
تفرق بين أطوال قامتهم
والعتمة حسناء عادلة
عاقر
5
الغرفة كلها بندق بندق
فطورنا
غداؤنا
عشاؤنا
لم أربِّ السناجب في الغرفة
وهذا السنجاب الذي في داخلي ملّ البنادق
6
دعينا نربي الموت معاً
كأي عجوزين يربيان قطة أليفة
7
البرتقال الذي مرّ بقربه بائع العصائر
لم يتغزل به ابن المدينة
رماه بحجر
وحين اكتملت سلته
مضى ولم تكتمل قصيدته
8
جميل كبيت جدي
أخفي الكثير من الأسرار
10
المظلات ..المظلات
لا أجنحة لها
ولكن مع ذلك طارت
عندما نفخت بهدوء على كل هذا المطر
11
النول ..النول
هل قلت لك إني أدور في شوارع المدينة
وثوبي الصوفي ممزق
وأن الإبرة تحتاج خيطاً طويلاً
كي ترتق كل ثيابي
لذا مشيت عارياً
لا شيء في هذا العالم يخجل
حتى لو مرت كل النساء حافيات على البندورة
كي يصنعن الدبس
12
هي جدا جميلة كغصن جلس عليه دب
وهي جدا أنيقة
كعجوز ضريرة تنتظر أن يمسك أحد المارة بيدها
كي تجتاز الشارع
لم تكن ثيابها فضفاضة
هي من اختارت خياطا لا يرتدي نظارته الطبية
14
لماذا لا تتحول أكتاف البنادق
إلى أقلام رصاص
إلى مراسم لطلاب الهندسة
إلى متحف يدلّ إلى كل العصافير التي
وثقت بنا
15
السعادة أن لا ننام
أن تشاركني حبيبتي بجواربها الشتوية السميكة الشتاء
وأنا كأي فقير
ألبس قميصي ذلك الذي خبأته في خزانتي
والذي لا أخرج به إلا في المناسبات
لا ننام
وينام كل الناس
في هذه الحياة المعقدة
كوصفة في كتاب طبخ
16
عندما كانت الريح طويلة القامة
وهي لا تنتعل إلا الأحذية الطبية
وقفت كأي شمعة على طاولة عاشقين
20-12-2014
1
كل سكاكر المدينة لا تعجبني
منذ أن تركتُ حقل الشوندر السكري في قريتنا
دون أن أسقيه
2
كنتُ أخبئ الكثير عنكِ في السابق
كما كنتُ أخبئ جلائي المدرسي عن أبي
الآن ثيابي بدون جيوب
عندي محفظة وحيدة تلك التي أهديتني إياها
ومن يومها لا شيء أخبئه
أبداً
لا شيء أخبئه
3
ثيابي أنيقة
تقول لي جارتي
لكن لماذا أراها مبللة دائما
لا تنشف إلا في البيت
ولا أراها مرتبة إلا في مرآة البيت
فقط في البيت
4
الوعل الذي يقفز كلما حان الغروب
كسحابة على وجه الجبل
كمحطة تلفزيونية مغلقة على شاشة التلفاز
ينطحني بقرنه
كلما امتدَّ العشب الذي تركناه هناك
5
الذي مات بدون جواز سفر
تحولت جثته إلى دمية
يفكّكها طلاب الجامعة
قطعة قطعة
وصارت جمجمته الكبيرة الكبيرة
فزاعة في غرفة طالب
يُرعب بها إخوته الصغار
كلما رفعوا رؤوسهم كثيرا
عند مقبض النافذة الحاد
6
الطفل الذي سجلته المعلمة غياب
كان يلهو على دراجته في الطرقات
ركنها عند الجدار
أعطى عجلات دراجته لجندي مصاب
و ترك دفتره على الرصيف
7
أريد أن لا أملّ منك
ولا من دفاتري ولا من طريق عملي
كما كنتُ طفلاً
ألعبُ لعبة سخيفة
ساعات وساعات وساعات
ولا أملّ
أبداً لا املّ
7-12-2014
توقفتُ منذ زمن عند الرقم واحد
شامخاً كعمود كهرباء مضيء في شارع موحل
واحد
لولاه لما انتصب في الفم لسان
لكن لماذا كلما أردتُ أن أحدثكِ أعدّ إلى عشرة
رغم أنك واحد
و في قلبي واحد
وأنا تركتُ الحساب عند الرقم واحد
حين تعلمتُ أن صلب الإنسان واحد
وجيشنا رقم واحد
وبلدنا رقم واحد
وكل شيء حولنا
الهاتف المحمول
الكؤوس الفرنسية
هذه الحروف
وكل شيء يحيط بنا رقم واحد
وأن معلمتي في المدرسة
كانت ترتبنا في الصف حسب مقومات الواحد
الغني في المقعد الأول
والفقير بأسماله المهلهلة
في المقعد الأخير
وعند أول خطأ تجرّه إلى المدير
ثم تقول لنا
الشعب واحد
نعم واحد
ولأنني أراها رقم واحد
وأنا في نظرها لا أحد
عندما يغلقُ أخر دكان في الحارة بالليل الواحد
تنطفئ كل الآمال مرة واحدة
أتمنى ان أكون كالطفل الذي أمسك عصا لها شكل واحد
يدحرج بها عجلة سيارة قديمة
حتى يتعب
ثم يضع رأسه على السرير
وينام قبل أن يعدّ إلى الرقم واحد
نام المطر عن البلاد
حين سكبنا دلو الغياب
كان صهيل جيادنا في مزامير الراحلين طويل
وكان المزمار واحداً
ولم يكن عندنا إلا راع واحد
ولأن كل شيء معلق على الجدار أصبح شكله واحداً
أغلقتُ الباب الواحد
والشبّاك الواحد
ولن أفتحه إلا حين أخرج أنا و أنتِ معاً
وذاك الواحد
الواحد
الواحد
4-12- 2014
صديقي الذي لا يشرب و يثمل
يحدثني عن أشياءٍ
وأنا أثمل
فرحاً كأي شجرة صنعوا من جذعها خشبة مسرح
يمرح عليها الأطفال :
أن تقول لزوجتك كفى
دعيني وحدي قليلاً دون أن تزعل
أن تلبس ثيابك الرياضية هكذا
وتمشي بها إلى العمل
أن يمرّ المطر دون أن تتسخ سراويل الجينز الأنيقة
صديقي الذي لا يشرب و يثمل
كأيّ دودةِ قزٍّ
لعنتْ حريرها حين نسجوا منها حبل إعدام
يحدثني عن النجوم في حاراتنا الطويلة
حين مرّ الأطفال في ليل أسود
كعيون دمية لطفلة ميتة
بحثوا عن ثمار الرمّان
كان كل شيء كما كان
وكان الرمان أحلى ما كان
فقط قريتنا لم تعد كما كان
وثبت النجوم عالياً بعصا الليل
وتلوثت أيدي الأطفال بنزيف الرمان
وحين طلّ المطر الحافي
ليبحث عن حذائه
أسند ظهره على أرائك الغيوم
ونسي أن يغسل عيون الزهور الناعسة
لا صباح دون تلك العيون الناعسة
وهي تحمل حقائبها الثقيلة إلى مدارسنا الكئيبة
صديقي الذي لا يشرب و يثمل
كأي بابونج بري مؤدب
يسعل بوجه الغبار الوقح والرياح المشاغبة
وهي تثب عاليا
عاليا
عاليا
رغم أن قامته قصيرة
والجرح في قلبه طويل
طويل
ولا أذكر أنه يوما لبس خفاً رياضياً
أو شارك في الأولمبياد
14-11-2014
اطمئني علّي كل لحظة
كما كنتُ أصاب بالحمّى
فلا تهدأ أمي
تقيسُ حرارتي كل هنيهة
مرّي بي
كأغنية الأعراس حين تصدح من موكب سيارات
أنا يا حبيبتي وحيد
كأي ثائر له وحدته وكوفيته
ولديه كل جدران المدينة
يكتب ثم يختفي
ويترك للصباح كل الكلام
يقرأها أهل حارته وتزعج حراس البلاد
وحين يتدله بالمصباح الوهاج
يخشى على تلك العتمة التي تجعله ينام
اطمئني علي كل لحظة
منذ أن تركتُ أمي
لا أحد يحاسبني إن لم أغسل يدي قبل الطعام
ولا يعاتبني أحد إن دخنتُ أمام فناء الدار
لعنتُ الأرض مذ كانت التفاحة تأشيرة الدخول
مذ أصبحت تأشيرة إلى بلاد المجاعات أغلى منها
مذ فكرتُ بالغيمة على أنها سمكة النهر
ولكنها ما إن تشبع
تعود سوداء
ويجلس على كرسيها المطر
اِطمئني علي كل لحظة
فأنتِ في الحقول العارية تبحثين عن الفراشات
وأنا هنا أطرد الذباب من الغرفة
ساعتي متوقفة
ومنذ زمن
زمن طويل
لم أبدّل بطاريتها
1-11-2014
وطنٌ ينهار
بعيد عنه بعيد
ضوء النهار
نهرٌ يقود ظمأ الغرقى
بدلاً من ورقِ الأشجار
يسألني أبي
آه بني
أترى نلتقي
الجرح يا أبي الجرح كبير
الجرح ماء يغرقُ ألف غمامة
كي يروي طمع الثمار
وطني
أنا الأحدب الذي كلّما رآك سالماً
قرع جرس الكنيسة
وحين يراك تخون مع الغرباء
يقفُّ كأي صبّارة خرساء
في زاوية البيت تنتظرُ سنام الأمطار
وطني
أصبحنا صائدي ذباب
نفجّر ألف بناء
ونكتب عن كل ذاك الخراب
لم يعد أحد يقول لي
عُدْ سالماً
أنا أقول لهم كونوا بسلام
وحين تنقطع خطوط الهاتف
أبحث في نشرة الأخبار
بيت
بيتان
ثلاثة بيوت
أربط حزاماً ناسفاً حول رأسي
وأفجر حواجز الذاكرة
تغيّرنا كثيراً
لم أعد أبحث عن فتاة تمشي بفستان وردي
ولا عن سيقان ممثلة جميلة
كل ما نبحث عنه
وكل ما نراه
فستان مهترئ خاوٍ
في حرب بالية
ينفجر فيها جوع الذباب
وطني
طردتَ كل فراشاتك من الحقل
واقتلعت الأزهار
تركتَ النمل
يكبر
و
يكبر
يأكل من أشلائنا
وحين يملّ يطير بأجنحة الذباب
22-10-2014
المدينة التي لا تنام
تلك مدينتي
لا تنام
ولا أنا أنام
لا آباء طيبون فيها يقصون قصص البطولات
ولا ليلى فيها
حين أصبح كل العالم ينام على فراش الجدّات
كلها أطفال مشاغبون
رتّبتهم كما كنتُ أرتب كتبي المدرسية في الحقيبة
من الكتاب الأطول إلى الأقصر
في مدينتي التي لا تنام
معادلاتٌ كثيرة
أحفظها كمعادلات الجبر التي كنت أحفظها بصماً
ولا أفهمها
يمرُّ عصفور في فمه قش قديم ؛
الحلم كالثمار
يُولدُ من شجرة تنام
تستيقظ حين يهز كتفها
ريحٌ صرصرٌ لا تنام
***
يجوبُ ضفة النهر البهلواني
وعل
يسألُ رسول الحصى الطاهر
ما الأجل ؟..
يجيبه بكل وجل
اِنظر هناك إلى آخر النهر
هناك
هناك
إنّه الوحل ..
***
في مدينتي التي لا تنام
يمر صيّاد بارد
في شتاء عجوز
بيده جريدة قديمة
كي لا يحرق الخبز الساخن يديه
يغني :
في المدينة التي لا تنام
لا أنام
ولا تنام
حين تحزن وأحزن معها
نسمع معاً " ليالي الأنس في فيينا "
كي نعمّر أكواخ الحلم
***
في المدينة التي لا تنام
يجلسُ الكوردي على كرسي في الطريق
لم يعد يجبره أحد أن يجلس على خشونة الرصيف
الكوردي مثله مثل كل الناس
عنده أم وأب و زوجة وأطفال ذكور وإناث
وجيران
وعنده
عنده وطن
يمضي مشرقاً كالصبح في سوق خضار
لم يعد يخبئ وجهه
حين يتحدث الرفاق ماذا تعني كلمة وطن ؟..
المدينة التي لا تنام
لا أنام
ولا تنام
ولا أطفالها المشاغبون نيام
نشتري حبوباً منوّمة من الصيدليات المناوبة
كي تزورنا الأحلام
بعد أن صنعوا من حليب قطيعنا لبناً
ينامُ به أطفال الجيران
10-10-2014
البيتُ الذي أمامكَ ليس فارغاً
هناكَ امرأة فيه
وكرسي نائم
هناكَ طفلٌ يمشي بدل القدمين بعشر
مندفع جداً
يسرعُ وينسى ألعابه على الرصيف
ولأنه يقع مراراً ولا يقف عند أول محاولة
تمسك يده فتاة وتسحبه
يقف
كعصفور لا يجد أي شجرة
يجلس بين حقل من السنابل
تدفعهُ الريح
بين الوجوه الكثيرة والعائلات الكبيرة
يبحثُ عن عائلة تعزمه على كأس شاي
فقط كأس شاي
عن امرأة تنظرُ إليه ليعطيها رقم هاتفه
كبائع ألبسة يعمل في العيد
ورغماً عنه يبيع الفرح
ثياب الحزن ترتدي عينيه
ثمة غصن غليظ الدم في طريقه
ثمة شجرة أرضعتْ كل العصافير
لم يبق في جسدها غير الدود
يطلبُ حبة تين
ولأنهم كلهم منحنون
ماسح الأحذية
مسّاح الأراضي
مومس الرصيف
خياط الحارة
زبّال المدينة
كل المدينة
يقفز
يقفز
يمسك حجراً
يصيبُ عش عصافير
ثمة قمصان فخمة حوله
خضراء حمراء صفراء
سوداء
سوداء
سوداء
قمصان جميلة تحمل أوساخ لابسيها
قدر القمصان الجميلة
أن تكون ضحية
أن تُغسل مرارا حتى تُبلى
يسأل مجنون الحيّ
لماذا وضعنا كل تلك الستائر
ورفعنا كل تلك الأبواب
حتى زعلتْ الشمس من شرفتنا
ما عادتْ أصابع الشمس تضع في العيد الحناء
البيتُ الذي أمامكَ ليس فارغاً
ولا شبابيك فيه
ولكنهم لا يفتحون الباب أبداً
الضيوف تأخروا جداً
وهمْ قد اعتادوا أن تقدم الريح عروض تهريجها
عند عتبة الباب
6-10-2014
أخافُ عليها
لأنّها تشبهني
ولأنني كثيراً في ظلّها
أخاف من ظلّي
تحت عريشة قلبي
أبعد من عنقود القمر
أكره المسافات
كما كنتُ أكره المسافة إلى مدرستي
أحبّها
كالأغاني التي لا أفهمها
أستمتع بموسيقاها
وأفسرها كما أشاء
يفتح القمر دفتره
لا أحد سواكِ
أُطفئ أضواء الغرفة
وأتمنى أن تنقطع الكهرباء عن كل المدينة
أن تفقد وعيها
تلك المدينة
وتشعلين فقط أنتِ شموعي
أخاف عليها
لأني كثيرا ما أقف تحت حائط طويل
تحت بناية طويلة
وأفقد حينها قصر ظلّي
2-9- 2014
أيها المطر
المطر الجميل
عُد ..
عُد ..
نعدكَ لن نشتري المظلات
لن نجرح شعوركَ
سأجلس مع بائع المظلات
أبيع زجاجات المياه
بدأت الدمامل تظهر على شفاه أنهارنا
والحصى شريرة
أولاد القرية الحلوين يرشقون بعضهم بها
هناك بحرٌ فقدَ حوريته
حزنَ طويلاً
لم يعد يأكل الأسماك
أيها المطر الحلو ..
لا تقارن قواريرك بالبحر
قد لا يشرب منه أحد
قد لا يعضه حتى السمك
أيتها السماء الصائمة ..
أيها المطر الناسك..
لكَ قواريرك
وللبحر قواربه
رفقاً بها يا مطر
رفقاً بأحفادكِ ..
أيها المطر الناسك في الليلة العاصفة
اهطل برفق على شبّاك شاعر
سخر من مكعبات الثلج في كؤوس المنابر
أمسك قلمه ومضى
كتب على الجدار
على ثياب ممرضة في المستشفى
على فاتورة المقهى
على ورقة مبللة تحت المطر
ومضى
وعندما اكتملت قصيدته مزّق ورقته
وصفق لجمهور المطر
أيها المطر الناسك
عمّا أحكي للأولاد كي يناموا
عن طفل حمل حقيبته
وقطع حدود البلدان
هرباً من دروس الكبار
أم عن ليلى التي أصبحت في بطون الذئاب
ذئب
اثنان
ثلاثة
عشرة
ألم تقل لي أن الليل للكبار
والنهار
النهار للصغار ..
يسألني الجابي
حين أدفع فواتير المطر
عن الحزن في البلاد
وعن أخبار خليل
خليل الذي أشعل النار
و كان يشرب من ماء المطر كل يوم
دخلتْ غمامة كبيرة بيضاء
بيضاء جدا إلى قلبه
كبرتْ جدا حتى سقت كل حقول القطن
تلك الحقول التي حرقها حتى اشتعل المطر ..
أيها المطر العملاق ..
تعالَ أنيقاً
لا تخدع أمّي
إذ تشاهد على التلفاز امرأة تجمع الحطب
يشتعل فيها كل مواسم الغمام
أمّي ما زالت تعيش أيام المطر ..
انشر الثمار على حقل فلاح
ترك قريته وأقنع العصافير
بأن الحصاد قريب
و مضى
كنْ جميلاً كما كنتَ
تزورنا دون أن نسال عن أحوالك
يحتاجكَ
العشب الأناني
العشب باروكة الأرض الصلعاء
نحتاجكَ
نحن عصافيرك العطشى
على العشب
في الحقول
على أسلاك الكهرباء
يأتي الليلُ بوشاح أبيض
صواعق
صواعق
أيها الصدر الناشف
لماذا تركتَ أولادك على أبواب دكاكين الغرباء
ينتظرون حليب المطر ..
5-9-2014
لأنه يمضي هكذا دوما
يُغرق كل غيومه في البحر
ثم لا يجد ماء يروي ظمأه
يمضي قرب صائد الفقاعات
يرسل بعض الفقاقيع
ثم يقع مفتاحه على العشب الطري
ويمضي
يضع جريدة على الأرض الجرداء
يأكل عليها مع حبيبته
وينسى
ينسى كل النمل الذي يلتم حولهما
في ساعة بعد كل ساعة
4-9-2015
لا حوريات في هذا البحر الشرير
ولا رسائل مخبأة في زجاجة قديمة
لا صنارة لإله يمر صدفة
ولا شيء في هذا البحر
البحر الواسع كمقبرة لموتى مجهولي الهوية
لا شيء في هذا البحر الشرير سوى السوري
السوري الطيب كسمكة وديعة في بحر يعج بقوارب الصيادين
***
لم نسرق بحرها ..
لماذا تنهش لحمنا كل تلك الأسماك
3-9-2015
وقضى رأسَ السنةِ نائماً
صحا معَ بدايةٍ جديدةٍ
ارتدى معطفَه المطري ووقفَ تحتَ صنبورِ ماءٍ
في مدينةٍ لا تعرفُ المطرَ
لمْ تعدْ تهمُّه الأناقةُ، خرجَ مبللاً
و قفَ على الشاطئِ ، ارتجفَ مثلَ شمعةٍ أمامَ أفكارٍ اِتخذها
يعصفُ بهِ المشهدُ والشمسُ تنسحبُ ببطءٍ
كفستانِ عروسٍ تخرجُ على مهلٍ منْ صالةِ العرسِ
يصرخُ : قرأتُ كلَّ كتبِ علمِ النفسِ والجغرافيا
لكنّني لمْ أجدْ الطريقَ إلى قلبكِ
لمْ نتجاوزْ العمقَ، كيفَ غرقْنا في ضفةِ النهر ِ ؟!..
يمضي في طرقاتِ المدينةِ
القمرُ اليومَ هوَ قمرُ " موساكو "
يعطي قطعةَ نقودٍ لطفلٍ كي يمتطي حصاناً خشبياً
يقولُ له : لا يأتي الربيعُ إلا حينَ يكونُ فِراشُها بقربي
و تنفض كلَّ الغبار ِعنْ جناحيها
فراشَتي التي طارتْ منْ حقلٍ كبيرٍ في حفلٍ لمْ أكنْ مدعواً إليهِ
لكنّي سأبقى هكذا دائماً مهرجكِ
الذي عبثاً ما يحاولُ إضحاكَكِ في سيركِ هذا العالمِ
وأنتِ دائما ما تثقبين بالوناته الملونة
القمرُ اليومَ هو قمر " موساكو "
أسمعُ مواويل أمّي وهي تكنّس بها كلّ غبار ِالبيتِ
أمي التي لمْ تكنْ تؤنّبني على الرّغمِ مِنْ إنّي كنتُ أثقُ ببائعِ الخضار ِ
وكلّ يومٍ يعطيني خضراواتٍ فاسدةً
تقولُ لي : ما أجملَ الدنيا حينَ تقودُ كسائقٍ أعمى
لا يلتفتُ إلى كلِّ الخرابِ الذي يخلّفُه
فقطْ يستمتعُ بأغنيتهِ التي يعيدها مراراً
القمر اليوم هو قمر " موساكو "
كانتْ تجمعُ العائلة بكؤوسِ شايها المنكّهةِ بالقرفةِ
والآن لا تجمعُنا سوى الفرقة
جدّتي التي أصبحتْ تتتكئُ على عكازٍ
لم تعدْ تصعد غرفَ الطابقِ العلوي
ربّما بسببِ ركبتِها التي تؤلمها
أو ربما لأنها لنْ تجد جدّي هناكَ
القمر اليوم هو قمر " موساكو "
أبي الذي باعَ كتبَهُ كي يشتري لنا حقائبَ مدرسية
إلى الآن، كلما نرى كتاباً على الأرضِ نرفعُه
نقبّله
ونضعُه فوقَ رؤوسِنا كأي كتابٍ مقدّسٍ
لم نكن نحملُ الحقائبَ المدرسيةَ حينها
نضعُ كتبَنا في أكياسٍ مهمَا سِخرَ منّا العالم
مثلَ الآن، أضعُ قلبي الكبير في كيسٍ بلاستيكيّ شفافٍ
يهتزُّ بيدِ طفل
و الذي لا يناسبُ ثلاجاتٍ صغيرة
ربما تسخرين منه
و ربّما يسخرُ منهُ هذا العالم أيضاً
اِتركهم يمررون من هذا الغربال
أي شيء كان
سكراً أبيض
ملحاً أجاجاً
بلوطاً مراً
دعهم فلم يبق في هذه الطاسة شيء
الطاسة النحاسية التي حملها جدّي كثيراً
وسقى منها كل الغرباء الذين نزحوا إلى القرية
خلهم يضعون ما يشاؤون
حتى لو كان برغلاً خشناً
ودع الغربال
ولكن لا تدعهم أبداً ترك الطاسة خاوية
2-3-2013
عندما أترك النافذة مفتوحة
ثمّ أنام
لا يتركني صوت أمّي وهي تناديني
لأساعدها بحمل أكياس الخضار
سعيدا يركض طالب وفي يده مرحى
يجلس عند شاعر حزين يكتب عكس الريح
لكن ورقه لا يطير أبداً
تُحمم جارتنا ابنها بحذر شديد
تخاف أن يدخل الصابون عينيه
وهو إلى الآن ما زال يوصدهما
كلما رأى لوحا من الصابون
تمر غيمة على حقولنا
تقول : تبا لحقل لا يغوي ظلي
كي ينتصب المطر
عندها أملأ قلبي بنشارة ما تبقى من الخشب
كلما أرى نجارا يقطع الأشجار
كي يجلس عليها
عندما أترك النافذة مفتوحة ثمّ أنام
أحرق كل الأبواب
كي أتدفأ بها في هذه الغرفة الباردة من العالم
27-5-2015
لابدّ أن نطلي البيت مرّة أخرى
مهما اشتدت المسامير في خاصرة الجدار
لابد أن نعلق صوراً جديدة
هي هكذا
وتلك الساعة المتوقفة سنغير بطاريتها أيها الزمن
لماذا لا نضحك بلون جديد إذا ما دهنا البيت أخضر
وكل بيوت العنكبوت القديمة سنزيلها بخرقة بالية
ونقول لكل هذا البلاء
سيأتي يوم و يقرع بابنا ساعي البريد
سيعود ويحمل صناديق الهدايا المنسية
غنّوا معي كأي عاشق بشع
تدلّه بحسناء
يغني ويغني
ويعلم أنها مع الغريب
تذهب
ولا تذهب من ذاكرته
غنّوا معي
كأي طفلة سمّت دميتها
ونسيتْ اسم أبيها
مزّقوا النوتات الموسيقية
والطبول
وكل آلات الموسيقى
هكذا
غنّوا
كما كانت أمي تغني وهي تكنّس البيت
تنظف كل الأوساخ التي جلبناها من شوارع هذا العالم
17-11-2014
1
الطين المجنون يركض تحت المطر
لكن يده قصيرة
وساقه طويلة
لذا يتناوب الجميع على سرقة الأزهار من جيب سرواله
2
ولأنّك يا قلب تموتُ كثيراً
لعبتك هذه
كطفلٍ يتيم يتسلى بخراطيش الرصاص الفارغة
يتمنّى أن يدفن العالم كل تلك البنادق
مثل سنجاب يخبئ بنادقه تحت الأرض
وعند الشتاء ينسى مكانها
تماماً كما يتمنى عودة الكهرباء إلى مدينة الألعاب
3
أمي كانت جيدة بترتيب مائدة الطعام
تعرفُ جيداً مقدار حصة كل واحد منّا
وتعرف أيضا أيضا
ما نحب من مأكولات
اليوم تفعل أمي ذلك بالضبط
ولكن الصحون مليئة دائماً
وهي تكره أن لا ينتهي أحدنا من صحنه
وتكره أيضاً أن تمتلئ أكياس القمامة
ولا تجد أحداً في الليل ترسله كي يرميها
4
ولأن النص الآن أصبح كاللون الأصفر
أخر ما يراه المُبصر حديثاً
أكتبُ بالأحمر كلصّ يَقتلُ على مرأى الجميع؛
فلا العالم أعمى ولا أنتِ
5
عندما تمرّ بمرج أخضر
لا تسأل التراب لماذا يغسل وجهه في الليل
ولماذا تتراقص قدما الزهرة في الطين
تماماً كفتاة تحني قدميها في النهر
في مشهد لم نعد نراه كثيراً
الطين المجنون له قلب ينبت منه الكثير
وعندما يخجل يتقوقع على نفسه
و يتعرق عشباً
وحينَ تطول مواسم المطر يتقشر وجهه
ويشتاق إلى أرجل البسطاء
هو ليس نجساً تماماً
كي نقول أنه يغار من الرمل
الرمل المغرور كامرأة قضت عمرها بتسريح خصل شعرها الذهبية
والاهتمام برشاقة جسمها
ولم تفكر بالآخرين يوماً
هو أعلى قامة منها بكثير وسعيد حتى بوجهه البائس
أليس الطين وهو يتنفس أغنية بسيطة
أجمل من أغنية رئتنا المعقدة
6
أمّي درسٌ من دروس وعاء السماء
ورؤوس الطين
حصة شجرة وهي تهدهد الثمر على ركبتها
تمسح ما علق بثيابنا من تراب
وتُذهب عنا تعب الطين
عندما نعود في المساء هكذا متعبين
بعد أن ينشف الماء من جسدنا
لم أكن أعلم يومها
أن تلك الدالية التي كانت تنسج حصرمها على جدران بيتنا
ستكون يوماً كالملح
وأنا أعلّق على إحدى عناقيدها معطف الغياب
وأن أمّي سيخّضر الحزن في قلبها كلما مرّت في السوق
ولم تجد أم عارف بائعة الخضار
أمّي وبكل وجهها تقفُ عند كل حقل هنا
وتُذكّرني إني نسيتُ التميمة وأنا أوضّب حقائبي
ونسيتُ معها أيضاً سحب الماء من كل تلك الغيوم
لذا لا تعتبي عليّ إذا ما كان حذائي مغبرّا وثيابي معفّرة
26-2-2017
1
من الأشياء التي كنتُ أفعلها وأنا صغير
عكس أشعة الشمس من مرآة صغيرة
واصطياد الضوء
أو تسليط النور من ساعتي على عيني فتاة جميلة
ربما كانت هواية من الهوايات الكثيرة التي لم يكتشفها أحد
وتؤنبني أمّي مراراً عليها
اليوم في خزانتي مرآة كبيرة كبيرة جدا
أتأنق أمامها كثيرا
أقلعها من مكانها وأخرجها من الشرفة
كي أعكس الضوء إلى الغرفة
أبحث طويلا عن الشمس ولا أجدها
لذا تبقى غرفتي معتمة
وأنا أراوغ الظلام فيها
تماما كمراهق كانت هوايته إرسال صوره إلى المجلة
ثم توقفت عن الصدور
ليمضي وقته بتصفح صوره في الأعداد القديمة
2
كتابةُ واجباتي المنزلية على دفاتر الرسم
كان أكبر عناد منّي أتحدى به معلمتي
التي كانت تعاقبني كل مرّة
وأنا أقول لها
تبعثرني الخطوط على الورق
كل ما مرّ لم يكن مُرّاً
إلا تلك المرّة التي رسمت شارباً ضخما لصورة ديكتاتور في كتاب التاريخ
أمسكتْ المعلمة العصا
واِجتمع كل طلاب الصف علي
لا لم يكن لديهم عصي
لكنهم ثبّتوا أقدامي ويدي
كأي أضحية عيد
حينها لم تغادر العصافير فقط
بل أيضا الأوراق من الشجرة التي كنت أكتب عليها
واجباتي المنزلية عن الديكتاتور
3
هكذا عائلة جارنا الهندي
صحن ذاهب وأخر قادم
لا تتوقف الصحون في مطبخهم
وأنا أراقب من شرفتي
تماما كعصفور كان يقف على الأشجار
وفجأة وجد نفسه في قفص منزلي
يحسد كل الوريقات التي تطير من الشجر
4
أول مرة قرأت فيه كتابا مدرسيا
صفعني ابن البقال في الحارة وصرخ :
إنهم يرسلون الجراد إلى حقولنا ثم يبيعوننا المبيدات الحشرية
يقتلون أغنامنا و يوزعون اللحم في خيم عزائنا
يصطادون أسماك نهرنا و يبيعوننا إياها
وما زال الفعل مستمراً إلى الآن
كلما أتصفح كتابا مدرسيا
أشعر بخدي أحمراً من صفعة ابن البقال الذي لا يفكك الحرف
27-1-2017
1
لم نكن نعرف القمصان الجديدة
نحن الأطفال الذين ارتدينا قمصان "سوق الباليه "
كنا نحمل أكياس القمصان الجديدة من الورشة
كي نقص منها الخيوط الزائدة
كان ثمن كل قميص أغلى من أجورنا بكثير
وكانت المقّصات كثيرة
منذ ذلك الوقت كلما أشتري قميصاً جديداً
لا أرتديه
أظلّ أقصّ خيطانه الزائدة كهذه الحرب
2
أمّي التي كانت تطرّز الثياب للغرباء من ماكينة خياطتها
كي ترسلنا بتلك النقود إلى المدرسة
وتعدنا أنها ستشتري لنا ثياباً جديدة في العيد
لا تعرفُ أن كل الثياب التي أشتريها الآن
لا تعادل ذلك القماش الذي كنت ألفّ به نفسي
وأحلم بقميص مطرز بدرزتها المتقنة
وهي تخيّطه وتبيعه لأطفال الغرباء ...
3
الملح الذي حسب البحر قميصاً كبيراً كي يرتديه
حسدَ كل الصخور التي تُرتّبه كالأزرار
لا يعلم أن الصخور أزرار البحر
لا تذوب ولا تمسح
كأي بقعة حبر على القميص
الملح الذي فكّر أن البحر قميص كبير يرتديه
لم يكن يدري أن القمصان حين تفك أزرارها
تصبح كفناً على القياس تماماً
4
الطفل الذي كان يجمع الخبز اليابس
في كيس قماشي
مصنوعٍ من قميص أزرق قديم
مطرز من ماكينة خياطة أمّهِ
كان ينتظر دوماً أن يمتلئ الكيس
لا كي يطعم العصافير منها
بل ليحصل مقابلها على النقود
من حوذي يطعم الخبز لحصانه
على نفس المنوال ما زال يفعل ذلك
ليفرح الطفل الذي بداخل قميصه
18-12-2016
لو كنتِ لي؛ ما كنتُ طابع بريد
يحتسي الحزن من الوجوه و يلعق لعاب المتعبين
و لكنه، أبداً لا يقرأ الرسائل ..
لو كانت جفونك كأغصان شجرة ساحة قريتنا
لجلست تحت ظلالك طويلا
وربما استلقيتُ كراعٍ وغد هارب من قطيعه
و صفّرت بأوراقكِ..
لو كان صوتكِ كالريح لما نامت أزهاري
وربما أيقظتِ كل النهر الناعس في قلبي
وربما جمعتُ كل أوراق الشجر المنفية
وصنعتُ منها طوقاً ثم وضعته حول عنق حجر وحيد...
لو كنتِ لي لحدّثتكِ عن جدّتي
التي كنت أكرهها لأنها لا تكذب أبداً
فقط حين تقول لي الحياة حلوة
ولكل شيء حلول
وستحقق كل ما كتبته على ألواحك
وأن الحزن محلول لتنقية النفس
ثم تمضي، تُحضّر صندوقها
فيه لوح صابون لغسلها وأيضاً كفنها
وأنا أنادي ما أبشع الليل
حين لا تكونين يا جدتي على " قد " الحياة
لو كنتِ لي لنظرتُ إليك طويلا حتى أعرف الفرق بين طولينا
أعرف أني سأنظر إلى أعلى كثيرا، وربما تؤلمني رقبتي
لكن لا بأس، كي أقول لكِ عما يحدث أمام باب قلبي :
يجلس الآن في بيتنا القديم أبي
لا شيء حوله ولا أحد منا
بنظرة حانية وشعر صبغه الشيب
حزينا يناجي يا ربي
يهاتفني ويقول لي ثمانية أعوام تحتاج إلى صبر نبي
يشعل سيجارة ويُشغل تلك الأغاني التي نحبها
يرسم الظلال ويقف بينها
وكأننا لم نكن سوى ظلالا
حتى تكون هذا الحياة مجرد أطلال نبقى نحرسها
ثم يمسك بيده الناعمة علب الأدوية
وهي نفسها يده التي كانت تحمل السكاكر لنا
غير أنه يغيّر الموضوع ويقول :
لا نصوص كبيرة بيننا نحن مجموعة لصوص
نسرق من الآخرين الفرح
وكل طريق يتوسع أمامنا نفقد فيه جزءاً من بيتنا
أين ذهب هذا العالم وأين ذهَبُه ؟!..
افتحوا قلوب الناس تجدون الكثير من العصافير الأسيرة !
افتحوا أكبادهم تجدون كحولا يطهر العالم كله !
كلنا مهرجون في هذا السيرك ولكن لا تكن كالذئب يا بني
أقول له: أريد امرأة تأسرني
أحكي لها بيسر عن كل أسراري
فلا تضحك علي في سرها
يضحك ويقول : إنها غلالة غالية لإمرأة غائبة
لأنك لم تكوني لي، أصطاد الغربان وأنفض عنها الغبار
أنا مثلك أيها الغراب يجمعنا الغبار
أما انت أيها الحب الذي يتسول على صفحات الكتب
كشاحنة تترك الغبار في طريق طويل
شاهدنا كل وجوهك ولم نرَ وجهك الحقيقي
ولأنك لم تكوني لي، كيف سيمرُ موسم الزيتون وأيضا مواسم البكاء
وأعرف أنهم يبكون الآن
لذا سأطفئ الضوء وأنام
ربما أحلم أننا نخرج ليلى من بطن الذئب
حين يكون السكين حاداً جدا كهذا
1
تتجول في مدينتكَ بعد أن اشتريتَ خفاً جديداً
تقول لنفسك كل ما في الأمر أنه كان يوما سيئا
لديك الآن خف خفيف
لتقترب بهدوء من العصافير في الحديقة
التي تخاف من الأقفاص في عينيك
وأيضاً
من رائحة البارود في ثيابك
تريد أن تهمس لها
لم يصطد جدّي العصافير
ورائحة البارود عندنا وراثة
لكنّها لن تصدّقكَ
لذا
تكمل طريقك إلى البحر
تراقب الصيادين على مراكبهم
تريد أن تعطي خفك للأسماك
ربما تركض
لكنّ نظرها ضعيف
تتحسر عندها لو أنك لم تكن قصير نظر
لكنتَ الآن طبيباً للعيون
تركض بخفك ولا تنظر خلفك
تراقب بائع الحلوى من وراء الزجاج
تبدو حلّوا كغابة من البلوط
تحمل مرارتك وتمضي
تقول للطبيب إنك حزين
يقول لكَ وراثة
فأجسادكم صغيرة وقلوبكم كبيرة
تفتح يديكَ كنهر يمر من المدينة
ولكن كالحصى بدون أي صوت
بدون
في مدينتك
الجميلة كدفاتر الشعراء
ونوتات الموسيقين
الحزينة كورقة نعوة على جدار قديم
تريد أن تقول للزائرين بسياراتهم
انتبه
هناك عربات الباعة الفقراء
المركونة في زوايا الطريق
كثيراً ما أنام تحت ظلها
متقوقعا على نفسي
وتحت ظلّي دفاتري
2
ويسألون عن الأقلام
وذاكرة الأشجار
وهي تصرخ بوجه الحطاب أمام مرأى الغابة
ما ذنبنا كي تصبحَ سكاكين تنتقم من أصابعنا المتعبة
3
كل مرّة أفكر بقطع يدي
بطرق مختلفة
بمنشار
سكين
وجبة لحيوان مفترس
ليس الأمر تشبّها بفان جوخ
ولا لخاطر امرأة
بل لأن يدي صغيرة لا تناسب جسدي الذي يكبر كوحش
ولكنها ولكنها
أيضا أيضا
ربما تفيد بإغلاق الباب خلفكَ
حين ترحلين
4
على الشاطئ
يعود البحر أليفاً
كفتاة تحرك النهر بأرجلها
كطفل يضع رأسه على ركبة أمه
هناك فقط ينسى البحر كل الحيتان التي تسكنه
6-9-2017
1
لا أخبار عنكِ
إذاً دعيني أطفئ التلفاز ولنحيا يوماً بلا نشرة أخبار
أحب المطر المفاجئ حين تفتح كل النوافذ والشرفات
لي قصة طويلة مع كتب الطالع والتنبؤات الجوية
وقريتنا تلك الجميلة كوشاح أمي والخشنة ككف جدي
لا تهطل فيها الأمطار
لا أخبار عنك ولا أذكر شيئاً إلا أني حين سألتك أين بيتنا
قلت لي أمامك الغابة لا تحاول طلي جدران غرفتك
الطحالب لا تموت إلا بالشمس
كان ذلك في الأسبوع أو الشهر الفائت لا أذكر جيداً
نشرات الأخبار تتكرر
كان متسكع الحارة يجمع العلب الفارغة ويغني بصوت عالٍ
حين يجد جيراننا الذين لا يخبزون طحين القمر
يرمون الطعام في أكياس القمامة
أما أنا فكنتُ أقشر لك البرتقال
وإصبعي ينزف بسكين جرحت بها يدي كثيراً
2
للتي تشبهني تحت عناقيد المطر
تتحرك كل الكراسي الخشبية نحو الباب
و لا مجال للرحيل .. النافذة مغلقة
وحده ظلكِ عند عتبة الباب
فلا تلتفتي كثيراً
الستائر التي جلست معي طويلاً ها هي ذا شراع الرحيل
أرتدي الهواء كثيراً و القمصان الممزقة لا تنظف
هزّي كل الأراجيح وكأنه أول أيام العيد
فصول البكاء قادمة قبل أن نصل إلى آخر الطريق
قبل حالة الحرب القريبة
لم أشعر بالجروح المباغتة
رغم أني جرحت يدي كثيراً بسكين المطبخ
اليوم أشعر بمرارتها حين رفعتِ السكين في وجهي
قبل حالة الحرب القريبة
لماذا تركت الباب مفتوحاً حتى ضاع الأولاد ودخل الغرباء واللصوص
3
أنتِ مثلي تماماً لا تجمعين الفطر غداة المطر
لكن لمَ كلما أمرّ قرب نافذتك أجد الرجل كان
الرجل «كان» الذي كانت نباتات الزينة في غرفته لا تنسيه الغابة
يضع ربطة العنق كل صباح كما يضع حبل المشنقة مساء
يغسل يديه من جرحه وحين لا يجد فوطة ينشف يديه بقميصه
الرجل «كان» خشب الدنيا لا يصلح إلا أن يكون قارباً أو كفناً
وفي أحسن حالاته مناديل ورقية للدموع
الغول الذي أشعل ناره في الكهف
لا يشعر بالنجوم البائسة كحبات التين المجففة
ولم يشعر بالرجل «كان» الذي يمسح الغرفة مراراً
عندما تمتلئ برائحة الضيوف
أنتِ مثلي تماماً
تحبين أكل المثلجات في الشارع أكثر من أحدث أنواع السيارات
وتعرفين مثلي أن الفرح الجميل لا علاقة له بقوانين الجاذبية
أنا وأنت نطير ولا نملك من العالم سوى ثيابنا وحقيبتك الزرقاء
تلك التي كنت أضع فيها نصوصي وتخرجين منها تذاكر الحافلة
أنتِ مثلي تماماً لا يفصلني عنك سوى الرجل «كان»
وتلك اللحظة التي تغلقين فيها عينيك
حين أريكِ جرحي الذي أتألم منه كثيراً
4
كنتُ أعرف أن القطار سيعود إلى محطته
وأن صناديق الفاكهة التي حملناها إلى المدن البعيدة
لن تعود إلا بالصراخ
في البيت الذي شمّرت فيه الريح عن سواعدها
ولكن ما لا أعرفه أن تبقى القرية خالية عندما تمر الحصادات
وأن يبقى بائع المزادات وحيداً يبيع أجهزة الاستقبال في مدينة لا كهرباء فيها
كان علي أن أستوعب دخان القطارات
وأن القرى الكبيرة تنفجر حين تأكل الخبز الحاف كل يوم
ما لم أستوعبه أن أمي حين كانت تنتقي العدس من القش
كانت تحرق في أغانيها كل أسباب الحزن
كل يوم يلتصق وجهي بالنافذة تدنو مني سحابة بيضاء كوشاح صلاة أمي
لم أصطد الفراشات يا أمي
أذكر الذباب كثيراً والوحل
واللحاف الذي كنتِ تغطينني به وأنا صغير
أنفخ على البلور وأنتظر المطر
مسافرٌ لوحدي
حزين أنا يا أمي
حتى لو وزعوا علي بالرحلة عصير برتقال وجرائد مجانية
أنا أسعل كثيراً هذه الأيام وأزعج الجيران
20-6-2013
1
تأخرتُ كثيراً بالمشي
ودائما ما كنتُ أتعثر
قالت أمّي : أخاف عليه من السير وحيدا
على أحدهم أن يمسك بيده
.
.
رويداً رويداً تحولتْ يدي إلى جدار طويل
يستند عليه كل مَنْ يتعثر
2
أشكُّ أن أجساد عائلتنا جبلتْ بالطين
أو أي شيء أخر
لها مكوّن غريب
حتى الحمائم تُحدث جروحاً عميقة فيها
بل أكثر من ذلك
نمضي
و ننزف
حتى صرنا نغرق من أبراج الحَمَام التي سكنتنا
مع ذلك
نغيّر طريقنا عند أول طريق يمرّ به الصيادون
3
محظوظ ذلك الأعمى الذي حين ينام
برى الحياة
ويراها أيضاُ حلوة
كم نحتاج أن نكون عمياناً
4
الحياة لا تحتاج شيئا
سوى أن تقولي أنكِ حلوة بأشيائكِ البسيطة
نعم أقولها لك هكذا
وأنا أفرد يدي وأغني للشارع
أجلس على الرصيف
وأمسك بيدكِ
ننقش أول حرف من اسمينا بخط كبير
وبينهما قلب كبير على شجرة كبيرة
كمراهقين هربا من المدرسة وتواعدا في حديقة كبيرة
الحياة معجزة كبيرة حين نعجز عن الحزن
5
كان أبي يدفعنا لمشاهدة أفلام الفرسان
وأن نتجسد شخصية البطل في حياتنا اليومية
.
.
.
و هكذا مرّت السنين
ندخل أبطالا ونخرج خاسرين
مع كل عام كنا نفقد بصرنا أكثر وأكثر
حتى لم نعد نرى أمامنا تماما
نصطدم بكل جدار
و بالكثير من الأعمدة العمياء
التي كلما اصطدمنا بها أعطت ضوءاً خفيفاً
و هكذا أصبحنا نضرب رأسنا بها عمداً
فقط لنشعل تلك المصابيح للشرير
وهو يرمي رمحه إلى ظهر الفارس
في أخر هذا الفيلم الطويل
6
أقول للجميع هنا
ان الوطن بخير وحياتنا جميلة
ونحن كلنا سعداء
وأن الجدران الطينية التي حولنا
على الرغم من أنها واطئة
تظلّنا جميعا
تماما كأطرش يركّب أمام جيرانه جرساً للبيت
7
الثياب التي لم يستطع أبي شراءها لي
في عدة أعياد ماضية
كانت تدفعه لعدم النوم لأيام
و يقول لي إلى العيد القادم يا بني ..
... ....
اليوم عندي الكثير من الأعياد
بل أكثر من ذلك من الثياب
لكنها لا تستطيع إيقاف هذا الأرق الذي أصابني
2-8-2017
اِصعدْ أيها الحزين هناك
ها نحن هنا كلنا حزانى
لا تخف
كقطرات الينبوع نتحد في الشتاء
ستأتي الشمس قريبا ونعود كما كنا
لا تقلق كلنا فاشلون
ولم نكن ذلك الأمل في عيني المحبوب
لم نفلح في هذه الحياة
ولا حياة أخرى كي نعوضها
لكن فضلاً اسمع معي هذه الأغنية في الحافلة
ولا تقف هناك وحيدا
امشِ بين خطوط الحقل هنا، في نهايته عين ماء
"عندما كنتُ صغيراً كان حلمي أن أصبح طيّاراً
وحينما كبرتُ صارت سمائي ورقاً
وأنا أكره قطع الأشجار كي أكتب للسماء
لذا تراني أسقي الأشجار وأرويها
كي لا أقطع عن أنفاس السماء الورق "
أعرف أنك تقول لا جديد في هذه الأغنية
ولكن يا صديقي نحن نغني في الحافلة
لا كي يسمعنا مَن في الخارج؛
بل كي يستيقظ النائمون في هذه الرحلة الطويلة
7-10-2016
هنا في المدينة
أنادي، أناجي الغريب بليلي الطويلْ
وما من جوابٍ سوى صوتِ نعلِ القتيلْ
هنا في ضياعِ المعاني تعيشُ الحروفُ
كسورٍ قديم
أذوبُ وأحيا بحزني العنيدْ
مللتُ المدينة، مللتُ المرافئْ
مللتُ المطارَ، مللتُ الحقائبْ
فليسَ الرغيفُ إلهَ الأماني
وأرض البلادِ رغيف الحياةْ
سآتي إليكِ، أضمُّ ثراكِ وأرمي التوابيتَ ذكرى
ليحيا الترابُ ويحيا القتيلْ
وعندَ المغيبِ أغني لفجر جميلْ
****
قريباً قريباً ستجلو الغمامةْ
ويأتي الربيع بياضاً بياضَ الحمامةْ
قريباً نزورُ البلادَ
نعودُ ونروي عن البعدِ قرب المدافئْ
وصوتُ البَلُوْطِ سيمحو سكونَ العقودِ
قريباً نقول لما قد مضى سلاماً سلاما
وهذا الزمانُ البهيجُ لحدِ النواحْ
سيمضي بقهوةِ أمّي
بسحرِ الصباحْ
ومذياع جدّي سيحكي صمود الشعوب
إذا الفجرُ لاحْ
قريباً سنروي حكايا الغرامِ بليلِ القرى
لينأى الحنينُ وتحلو الجراحْ
قريباً أقولُ وثغري ثغركْ
وكلّي كلكْ، أحبّكِ أكثرْ، أحبّْ الحياةْ
قريباً، أقولُ وما من حرام
بلادي سرقتِ الكثير الكثيرْ
فكنتُ الروابي وكنتِ المرُابي، ولكني راضي
فما نفع عشق إذا لم تُنادى "حرامي"
8-2-2012
1
أنا لا أخلعُ إلا الوحش الذي يرتدي أصابعي
وحين أنادي الغابة الغابة
أطوفُ حول اسمكِ
كهندي يطوف حول نار صاخبة
وكآخر ورقة من أعلى شجرة
تقفز إلى أسفل النهر
ربما تصل إلى غابة أخرى
وتكون تذكاراً أثرياً
يروي عن الوحش الذي يسكن غابة عارية
الوحش الذي سرق منّي كل شيء
لكن أنا
الشرير الشرير
سرقتُ منه مخالبه التي لم يقلّمها يوماً
2
تنقصني الكثير من الأمور
الكثير الكثير
و حولي الكثير من الوجوه أيضاً
لذا لا تنظري لي كأي كلوحة خليعة في معرض كبير
قد تكون جميلة
لكنها أبداً أبداً لا تناسب جدران غرفتكِ
3
لا لا .. أحبّ الحياة ولكن يدّ الدنيا كبيرة
وأنا أصابعي صغيرة
لذا كلما أتقدّم إليها بخاتمي ترفضني
4
احترقنا، فلا تحترق أنت أيضاً
الأسماك حين تخرج من بحارها
ليس من الضروري أن تموت
ولكن الأسوأ أن تعيش في أحواض الزينة
تصبح ألوانك كثيرة وحركاتك قليلة
وتعتاد عروض التهريج وحولك الكثير من العيون
عندها لا تنتظر منها شيئا سوى مرور طفل عابث
ربما بالغلط يكسر هذا الحوض
5
تعالي نتحدّث، يكفي ما في هذا العالم من صمت
مثلا، نحكي عن سيارات لا نستطيع اقتناءها
عن طاعم قيها عازفو كمان، ربما نرتادها يوما
عن أي شيء
عن الوحوش التي تخرج من الغابة
وترتدي أصابع الشعراء جلودها
عن وجه أمّي قبل مدفع الإفطار
وهي تحوم في البيتِ فتحرّمُ كل أسباب الحزن
عن أبي وصوت مفتاح بيتنا
أنا منذ زمن صامت تماماً كنهر
لم تعد تسبح فيه الحلوات
ولا تمر منه قوارب القصب
فقط يُرمى بالحجارة ويُصدر صوتاً بسيطاً
ثم يعود لسكونه لتكبر فيه الحجارة
لكنه دائما دائما
يحنّ إلى عيني الذئب التي كان يرى منها
كل أمواجه الصاخبة حين كان يَسجن القمر
ثم يهدهده على ركبته
حتى يصمت طويلا
طويلا
20-5-2018
الأراضي التي تموت لا يُفيد المطر عشبها
هل ينمو الشعر على أجساد الموتى
وهل يقرأون الشعر من عيون زوّارهم
وهل تنمو أظافرهم كما تنمو في قلبي الآن
***
وهكذا أصبحت كئيبا وحزينا أمامها
تريد أن تكتب شيئا مفرحا
شيئاً مجنوناً تحبه الأنثى
وتعود لتكشف نفسك أكثر وأكثر
تقول يا لك من فاشل..
تعد أصابعك مراراً وحين تتذكرها تفرقعها
كيف لها أن تفهم أن في قلبك مئة نافذة
تطل على وجوه قتلتها الحرب
وكل يوم تزورها الكثير من السفن
حوّلت قلبك إلى ميناء وأنت بانتظار حوريتك
البارحة زراني صديقي لطفي
الذي تزوج وأصبح عنده أولاد لطفاء
ثم مات وترك طيفه لنا
قال لي : ما زلت تتعرى حتى أصبح الجميع يرون قلبك اللطيف
الإسفنج النظيف النظيف يسحب أوساخ العالم ثم يُرمى
خذها نصيحة من صديقك لطفي
***
أبي، قد رحل العم شكري
وكل الحلوات من القرية سقطن
كما تتساقط الأوراق خجلى
هكذا حين تتجرد الأغصان من ثيابها
كنّا نقول له : يا عمنا شكري كبرتَ تزوج
فيصرخ : الله أكبر
دعوني هكذا، أحب القصص حين تكبر
لقد كبرت كثيرا يا شكري
وأنت تشكر الله في كل مناسبة
حتى لو حطّم الأطفال زجاج دكّانك
أبي كيف لنا بترك شكري هناك وحيدا
وهو الذي كان يشكو من الكراسي أمام دكانه إن لم يجلس عليها أحد
***
الحياة أيضا فرصة ضائعة
والحلم هدف متسلل
أما النجوم خيبتنا الكبرى
لا تظهر إلا حين تنعدم آمالنا في الوقت الحالك تماما
تماماً مثلك ِ لا أتذكركِ إلا في كل خسارة جديدة
***
لو قلت أني أكره الجميع
و أستطيع القتل و فعل أشياء وحشية كثيرة
و سبّ الكل حتى شرطي المرور
ستتصوّرنني شجاعاً
لكن المسألة ببساطة أنا في فراشي
منكمش على نفسي
سحبت اللحاف إلى أعلى رأسي
ومطمئن جدا للباب الموصد
والمزلاج الذي يسنده
كما أن هنالك نور في الغرفة من ضوء المصباح
كي لا أرى ظلال الجميع التي تمر من أمام عتبة الباب
لكنها أبداً لا تتجرأ بسحب الغطاء عن وجهي
لم أكن أحب القواعد العربية
مع أن أبي " أستاذ عربي "
كنتُ أكره رفع صور الطغاة
والنصب الذي يمارسه السياسيون
وكل أفعالهم الناقصة
والجر الذي يسحبنا إلى السجون
والسكون الذي يطغى على الشعب
والضمائر الغائبة لأزمان
وكنتُ أكره أكثر و أكثر
نفيك لي عند أول سؤال إعراب وجهته لكِ
2
وسألتِ عني
قالوا هو لا يملك قدمين
يمشي على يديه
قدماه بترتهما حرب قديمة
وهو يكره قطع الأشجار كي يصنع عكّازاً
فقط يمشي على يديه
أُجبر أن يكون بهلوانيا في هذا العالم
ولكنه يستطيع حملك خارج هذا العالم
مثلاً، افتحي النوافذ الآن هل تشاهدينه يمشي على يديه
ويبتسم لكِ