أحياناً أشعر أني سعيد جداً لدرجة أدق بها أبواب الجيران
وأختبئ
سعيد كمحارب ينام لدقائق وسط الحرب
عندي صندوق مليء بالذكريات
كصندوق الدنيا أستطيع أن أحدثك عنه كل مساء
وأحدثك عن تلك التي كانت في العيد لا تخبئ حزنها
توزعُ علينا السكاكر وبعضا من دمعها
كان لها أسئلة عديدة
وأنا بسيط جداً تستهويني قصص الغول وأفلام الرعب
وحين لا أعرف الجواب أكون عنيفاً
أحياناً أكون سعيداً جداً أكتب اسمك على جدار الكنيسة
القديم
وأحفظ كل التعاويذ التي ربما تمسح عن ثغرك الأسئلة وطعم السكاكين الصدئة
لأزرع مكانها شجرة غاردينيا بيضاء بيضاء جداً لا تهرب منها
الحمائم
أشغل أغنية وأعطي البقال بقششياً
أوزع الحلوى على كل الجيران
عندما أكون حقاً سعيداً
سعيداً جداً
متأخراً
كانت وسائد الريش أجنحة لكوابيسه
لم يعد فتى الينابيع كما كان
يقف على السطوح كي يجمع الحمام
نقيّاً
لم يعد يسخر من ملوحة البحر
كان الشاطئ لئيماً
سخر من القوارب المسافرة
بين أوراق الليل وصمت المساء
مدلّهاً
عصفور المسافات غنى
لا ترضعُ تلك الأشجار إلا أطفال الحريق
وقف على الغصن
في وجبة الصيد وحطب الشجر
ربما يشبع الغناء جوع الغداء
كسيراً
لم يجمع تلك الغيمات
كي تمر في وعاء صغير
تستحم فيه قروية صغيرة أيام الجفاف
متألماً
ككشتبان في يد امرأة عجوز
بين وخز الإبر
ووجع كنزة تدثّر من وخز الرياح
هزيلاً
كضفدع في ينبوع أخرس
سقف من البعوض يعتلي وجه الحقول
هزيلاً كقط شريد يشرب من مجاري المدينة
حين يحل العطش
ممتلئاً
كنمليّة تخبئ مؤونة الشتاء
القرية في أول المساء متعبة
كسلة بيد فلاحة بالعنب مترعة
أول ضوء في القرية يشتعل
يعلن المساء
يقول إن أمي حضّرت العشاء
وتبحث عني هنا وهناك في بيوت الأصدقاء
ولأني أتأخر كثيراً ولا أعود
إلا والوحل على ثيابي طلاء
كي أتناسى أن في السماء مساء
وأن الينابيع تجوع حين تمضي سحابة إلى البعيد
وتخبئ في سروالها كل أمطار الشتاء
الشارقة 12 نيسان 2014
بقجة مطرزة زرقاء
وضعتها جدتي على كتفي
كانت ثقيلة والحياة متعبة
قالت: لا تترك يد جدك فتضيع
مع أول عنقود عنب وسط الكروم
صرختُ: جدي
لماذا لم تعصر الشمس برتقالها بدل كل ذلك النهار
عطش .. عطش
لم تشاركني الفرح
تلك العصافير الأنانية على شجرة حبلى بالثمار
كأي عجوز قديم
أقرفص تحت ظل حائط قصير
أرسم وحدة طويلة وأراقب
القمر يسبح في أنهار الآخرين
في الأيام التي لم نعد نشتم رائحتها
في الأيام المحروقة
قال لي مرة طفل الخطايا
البيوت تبدو من سحناتها
وبيوت القرية متشابهة الجدار
وقبل يومين محروقين
زارني ممثل لا صورة له في صفحة التسالي والمنوعات
قال: من يقلّب القنوات كثيراً لا يشاهد سوى الإعلانات
خرجت من البيت ونسيت كالعادة أن أغلق إسطوانة الغاز
وأنتِ من هناك تنتظرين بقجتي الزرقاء
لا تخرجي من النهر بفستان أبيض في النهار
انتظريني
إذا غابت عنك الغيوم لن تفيدك الأزهار
الشارقة 22 نيسان 2014
أنا اليوم حزين
كبائع خضار كسدت بضاعته
جلس أمام عتبة الدكان
يلعب النرد مع عجوز
يحكي له عن مواسم العنب وعصير الرمان
***
حزين
كطفل لم يكتفِ بألعاب الحديقة
حين جاء المساء
جرّوه من يده
ونظره معلق على أرجوحة مع الريح تُدار
***
حزين
كطالب رفع يده في الصف
كي يحلَّ مسائل الحساب
لم ينتبه إليه المعلم
أغلق دفتره وسمّر عينيه بالباب
***
حزين
كجندي أطلق قذيفة
قالوا عنه شجاع
ويعرف أته أخطأ الهدف وأصاب مدرسة أطفال
***
حزين
كطفلة قروية نشف الطين من يديها
بحثت عن الماء في صنابير الجيران
لم تجد سوى التراب
أنا اليوم حزين جداً
كسجين محكوم بالمؤبد
يصنع الدمى وهدايا الخرز
ويعرف أن ليس له أحد
***
أنا حزين أيتها الحزينة
كصندوق جدتي القديم
لا تسأليني عن حزني
أعطني دفتراً جديداً لم تكتبي عليه
دون أن تهمسي في أذني
اِكتب عني
الشارقة 30 نيسان 2014
كان يعلم أنه سيُوقد النار
ويراقب الخشب الجديد
مُذ كان شجرة تراقب النهر النحيل
النهر الذي جمع كل قطيع الغرقى كناي
وبلع وجه سحابة بيضاء
في الصباح الذي يلوّنه أطفال المدارس
النهر النحيل أكله بحر سمين
البحر الذي يموت كل يوم
روحه ملح وجسده سماء
***
الفحم القديم كان يعرف أنه سيشتعل بالنار
مذ جعلوا من أغصانه قارباً
يمر في الأنهار الخجولة ثقيلاً
وضيقاً كهذا الصباح
ينشد على متنه بحّارة أشدّاء
تغاريدَ عن سنابل القمح المنحنية في البلاد
وأرستقراطية التفاح
كشف أسراره عندما فقد البحر عمله
كأي عاطل عن العمل
لم يعد يرسل الرسائل لا في الصيف ولا الشتاء
القارب الذي ثقب قلبه
جسده شجرة وروحه بحر
***
القارب الذي جعلوا من أضلاعه كرسياً خشبياً
كان يعلم أنه سيصبح جذوة
مذ كان كرسياً يجلس عند الموقد
وأعراس السماء لا تتوقف في القرية
كصالة أفراح ممتلئة بالنواسات
وحين فقد شعور التبرعم
فضح أوزان العابرين
صَلبوه بالمسامير
الكرسي الخشبي جسده شجرة وروحه مسمار
***
الحطب القديم منذ أن أصبح قارباً وحيداً مربوطاً بحبل تعيس
على الشاطئ ينام في قعره متشرد سكير
يشعل جوع الصيادين أيام الطوارئ
الحطب القديم الذي يموت كل يوم
تمر منه الريح التي لم تعد تحرك غرائزه
الشارقة 2 أيار 2014
اعتاد ﺃﻟﻔﺔ ﺍﻟظﻼﻝ
ﺍﻟﺸﻤس ﺗﻮجع ﻋﻴﻨﻴﻪ
كدكتور يحافظ ﻋﻠﻰ نبض ذكرياته
كدكتاتور يمتص حليب الظلام
ﻫﻲ باقية ﻓﻲ مخيلته كبتلة ﻭﺭﺩ ﻓﻲ كتاب
ﺗﺆنسه رائحة ﻗطيع الأغنام ﺍﻟﺸﻘﺮاء
ﻋﻠﻰ تلك ﺍﻟﻀﻔﺎﻑ
بين الوهاد
تمر ﻭﺟﻮﻩ أبناء قريته طﻴﺒﺔ كتلك ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟقديمة
بسيطة لا تعرف ﺃﻥ تبني ﺳﻮﺭﺍً
تنبح ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﻼﺏ ﻭﻻ يرتادها ضيوف ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ
ﻭﺟﻮﻩ ﺃبناء قريته كفلاح أنساه ﺟﺮﺍﺭﻩ ﻋﺼﺎﻓﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻞ
كأرجوحة ضائعة
كشجرة بلوط وحيدة
أبناء القرية الجوَّعى كشاحنة يبتلعون الأكياس ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﻓﻲ ليل المدن
وﻻ ينضج خبزهم ﻓﻲ ﻓﺮﻥ ﺍﻟﺘﻨﻮﺭ
إنما بشفاههم اليابسة ..
الشارقة 2013
بلى
التراب المهذب اقتنع أن يصبح طيناً
لم يجدِ الصمت
استجدى وقاحة المطر
وحل .. وحل ..
الكثير من الفساتين البيضاء تمر من هذا الطريق دون وجل
بلى
البط ما زال يسبح داخلك
وذلك القادم كسرب بجع سنقول له:
جفّت بحيراتنا، ارحل أيها الوجع
بلى
لم يكن اليوم حزيناً ولا مقلقاً
الخضراوات النتنة لم تطبخ اليوم
إذاً لنحب الحياة
أحب الحياة
أكثر من حاج تدعسه أرجل الحجاج
أحب الحياة
بلهفة فلاح يبيع محصوله المنهك
كما باع الأحذية على أرصفة المدينة
لم ينتعل خفاً يوماً
ولم يغير وجه الشارع
لم يُخف صمت الرصيف بصوت كعب الأحذية
كان المطر كسولاً ذاك العام
كثور جارنا الذي لم يحرث الأرض يوماً
سرق كل الشعير مع بعض خنازير قريتنا ورحل
بلى ..
أصبح كيعسوب هزيل يمر أمام البراري
يبحث عن قطعة قش تسليه عن كل الفراشات التي تركها
أشعل حب الغاب فيه وقاحة المطر..
الشارقة 2013
المقهى الصغير ووجه أمّي
يمر النادل الأمِّي كنهر عاشق ترك قريته
روّض عطش الغرقى
وجمع يعاسيب الليل حول ضوء خافت
بحثاً عن كفن مالح
يسألني النادل الأمِّي:
لماذا لا نجمع الريح حتى تكون أحلام الصيف أكبر؟....
ونقطف كل الغيوم التي بعثرناها في الشتاء
نوزعها بدل العصير كي نروي بها عطش الأصدقاء
المقهى الصغير كان أجمل لو بقي رسماً في دفتر طفل
بسماء زرقاء
وبعض الفوضى وسط عربات الضباب
يتسع لكل هذا التراب كي يندب الحجر ذاكرته
وتغسل كل الشوارع هذا الهراء
لماذا تثب أحذية الريح فوق الرماد
كلما أصبح طازجاً أكثر خبز الفقراء ..
عجمان 5 مايو 2014
لا أبداً أنتم لا تغيبون
لكننا نقنع الحقول المسكينة أن قطاف الغيوم هذا العام
يكفي كي نصنع وسائد لكل الفلاحين
لا نور يبشر بأن الشمس تأتي
ولا جوقة فلاحين تعود من البستان عند الغروب
أتوضأ كل يوم بوجه قريتي
في صلاة لا يطهرها الوضوء
لي زمن طويل في تلك الدروب
ولي حجر قديم خبأته في أسرار ذاك السور العتيق
شهدُ عسلٍ ولسعُ دبور
لا قرية تعودُ إليها
ولا جدة حزينة تسرح في الدار بمشيتها الثقيلة
تنتظر الموت السريع صباح مساء
تخبئ في النملية «كمشة» زبيب كي يفرح الأولاد
تقول أمي: الحزن في قلبها كبير
وترسلني إلى الدكان
أجلس عند أطفال يلعبون الكرة على التراب
تجلس أمي أمام الباب
وأنا لا أعود إلا وثيابي كلها طين
لا أبداً أنتم لا تغيبون
لكننا من صدق المنجمين وكشف الغيب
غبنا طويلاً
حتى نسينا الطريق
الشارقة 10 أيار 2014
كرةٌ واحدة لا تكفي الأولاد
كي يلعبوا في الحارة
فأسٌ واحدة لا تكفي حطّابي القرية
كي يقطعوا كل شجر الغابة
سكين واحدة لا تكفي مجرمي المدينة
كانت ظلالنا وارفة
لم يمروا علينا سوى فسحات استراحة
كانت جذوعنا متينة
لم ترنا سوى شلة حطّابين
لم تزهر فينا المناسبات
ولا جلسنا على ظهر مقبرة
ورودنا لا تزهر إلا بيدِ صبيّة فلاحة
تجلى الخوفُ إلهاً
إمام سها في صلاته لم ينادي أحد سبحانك الله
وطني تضع إصبعك في فمك كطفل مندهش
عجوزٌ أنت
مثلكَ
لا أسنان لدينا
وفي الليل يضيع طقم أسناننا الاصطناعية أيضاً
الشارقة 13 أيار 2014
يشتري الكثير من الدمى
ويمشط ذاكرته
الفتى الأنيق وسط الحارة القذرة
تحل عليه غيوم الغائبين
وتغيب عنه شمس الحاضرين
في السماء المراهقة
لم تطمئن الشمس على كل تلك الأزهار
ولم توقظ الفتى الأنيق
رويداً رويداً في أوج غضبها
همست نحلة في أذن الزهرة
عن خفة ظل البستان
والعاشق الذي يغفو على الشاطئ
ولا توقظه إلا موجة رقيقة
تعباً كمصباح بدون فتيل
يدور به طفل في مغارة مظلمة
الفتى الأنيق الذي ماتت في عينيه ألف حمامة
وحذاء الوطن الأسود
لم يعد يركض في الأدغال ولا يصعد الجبال
منذ أن أصبحت كل النسور في سمائه
رتبة على كتف صيّاد ..
الشارقة 23 أيار 2014
لا شيء في هذه الحارة معروف
لا مطاعمها ولا حتى بقالاتها
فقط الحفر فيها مشهورة
تتساقط النساء بأحذيتهن ذات الكعاب العالية
وحدهم الأقزام محظوظون هنا
حيث لا شيء يشي بأشياء سارة
لا جارة مملة في الحارة تتحدث معها
عن التفاحة عندما أصبحت أول جواز سفر
ولا صديق غبي تحدّثه عن أمينات أبيك الكبيرة
وتعيد عليه مراراً أمنيتك الوحيدة
لا بائع خضار ثرثار تغتاب معه
عن المرأة التي تخاف من زوجها العصبي في السوق فترتطم بالمارة
هنا الأولاد مملون جداً ليسوا أشقياء
لا غرفة دافئة في الحارة
تشاهد في زواياها عروض سيرك العناكب
وتلتف ببطانية تدفن فيها الشتاءات
كي ينمو شجر الكلام
لا حبيبة في هذه الحارة
تنتظرها كالمناسبات الوطنية
تقضي معها يوم عطلة
ثم تكتب عنها قصيدة رخيصة مرتجلة
الشارقة 27 مايو 2014
حزني مختلف
أول ما أفعله كل صباح أفتح النافذة
لا كي أضع الماء على الشرفة
لترتوي عصافير النهار
حزني مختلف
كل يوم جمعة أقف على الشرفة
أحصي عدد السيارات المركونة
كما كنت أحسبُ النجوم
ولا أنام إلا وأخي يحذرني كأي إعلان إرشادي
من الثآليل على الوجه
أين يتسكع كل هذا الغبار؟..
حزني مختلف
كأي راعٍ حينما يحزن
وحينما يفرح
صعد الجبل ويغني مع واد حزين
حزني مختلف
كأي فلاح يغني لخطوط أرض الحقول
ربما تخف آثار الطين عن بياض بلاط القصور
حزني مختلف
كأي وردة بدلاً من أن تجرح يد القاطف
تملأ الجو عبيراً
حزني مختلف
في هذا القصر الموحش المختلف
أريد أن أمشي كما كنت أمشي
دون أن التفتَ لكل أشباح الصباح
الشارقة 30 أيار 2014
وأنا أحتسي كوباً من شاي «الكرك»
كباقي الناس
يمر الصيف الكسول من وراء النافذة
القمر هنا نحيل جداً كطفل إفريقي من كينيا
أفكر أن أشتري بندقية
وأطلق الرصاص في الهواء
كلما لمحت صياداً
يرمي أحجاره إلى حضن السماء
***
وأنا أحتسي كوباً من شاي «الكرك»
في الصباح اللذيذ «كسندويشة» زعتر
يتقاسمها التلاميذ على مقعد الصف
تصيب حصى قريتنا أقدام الزمن
والحصى عاشقٌ صبورٌ لا يلتفت لهودج النهر
ينتظر عروسه بيضاء الوجه كقمر
لم يكن ضيوف المأدبة إلا حبّات من المطر
***
وأنا أحتسي كوباً من شاي «الكرك»
ككروان حزين
لم أقطع الأشجار ولم أصنع منها الأبواب
كي تتراءى في الغابة كل تلك الذئاب
ولم يمشِ البحر سريعاً
نحنُ من ترك البلوط يسطع تحت الشجرة
ومشينا جميعاً
لم يعد البلوط مُراً في فم الغريب ..
***
وأنا أحتسي كوباً من شاي «الكرك»
كباقي الجياع
عندي الكثير
الكثير
الكثير من القصاع
ولكن الطعام كل الطعام
تأكله ذئاب قالوا عنها سباع ..
10 حزيران الشارقة 2014
جعلتني مشرداً يطوف على المقاهي
لأشاهد لعبة الفقراء
تلك الرأسمالية
الخفيفة كجرادة في حقل ذرة
الثقيلة كآمال الكبار
كأي فلاح بسيط
عندما يصيب البذار الغلاء
وينخفض سعر قطن البسطاء
ألعن الرأسمالية وأتدرب أن أصبح قرصاناً عالمياً
يشاهد كل المباريات من غرفته
مع سماور الشاي
ويفتح الباب على مصراعيه لكل الأصدقاء
يقول لي صديقي الرأسمالي
إن القناة التلفزيونية التي اشترَك بها
جميلة وشهية كمحل حلويات شرقية
يحدثني عن أهداف البرازيل
وعن الحزن الذي يعتري فتاة برتغالية
حين تخسر البلاد
لأصرخ عندها: أكره الرأسمالية ..
لا قصور قديمة لديهم كي يخافوا عليها
ولا ذكريات غبية
كحقل طيب يفتح ثغره للجراد
أعود محبطاً بدون هدف
كعاطل عن العمل
خرج لتوه من مقابلة فاشلة
الشمس لم تعد تطبخ لنا حزن الصباح
كان يجب أن ننساها كي نأكل خبز المطر
ولم تكن الطريق وعرة
نحن من يهوى جمع الحجارة
كي تمر الرأسمالية
عندما أصبح قرصاناً عالمياً
سأصنع سياجاً لكل الأشجار
حين تنتهي المبراة من آخر قلم رصاص
العصافير التي في الحديقة
يجب أن أشتري تذكرة دخول كي أراها
لذا لا تستغربوا
إن أصبحت لصاً عالمياً يفتح أقفاص الحديقة
ويسرق إلى رئتيه بعض الهواء
يضع وسائد لكل المهمشين في عرس العالم
من ريش عصافير الغرباء ..
الشارقة 15 حزيران 2014
في كأس العالم 1990
كنتُ صغيراً وكانتْ قريتنا أكبر
كان العالم
كل هذا العالم الكبير
تختصرهُ بيادر حقلنا الأخضر
لم يكن رودي فولر
إلا من سرق حلم الأرجنتين وحلمي
لماذا يكثر اللصوصُ كلما نكبر ..
***
في كأس العالم 1990
كانت جدّتي تبلع الطعام ولا تمضغ
لا يهمها مَن الذي يخسر
تجلس وحيدة أمام عتبة البيت
تحفر القرع ومِن كأس العالم تسخر
كان الحزن في قلبها خريفاً أصفر
***
في كأس العالم 1990
كنتُ صغيراً وكان الكبارُ أكبر
كانت فتيات قريتنا يخرجن في الليل
إلى كرم الزيتون
ودائماً
دائماً
كان الخوف خنزيراً
يتمرغ على طيننا الأحمر..
وكانت كلاب القرية عند أول عظمة
تدلُّ الذئاب إلى قطيعنا الأشقر ..
***
في كأس العالم 1990
عند الغروب
كانتْ سميرة تغسل رواق الدارِ
وكان الطين على جسدها الأبيضِ أحمر
كانت حلوةً
حلوة
شقراء كحقل ذرةٍ ينتظر سرب جرادٍ أصفر ..
***
في كأس العالم 1990
كان في قريتنا تلفاز وحيد
أبيض وأسود
وكانت كل الألوان على سطح جارنا ضوءاً واحدا
لم يكن هناك خبز سياحي ولا بسكويت
كان الخبز يَأكلُ من حنطة الشمس أسمر
كنا كلّنا أولاد القرية وأولاد البقّال وساما
وكلنا بعين الآخر أشقر ..
***
في كأس العالم 2014
لم يعد القمر سميناً ولكن الرواء أبتر
لا أحد يسرق أحلامي
ولكن كل العالم
العالم الصغير كبعوضة
يلعق من دماء الفقراء كي يكبر ..
الشارقة 25 حزيران 2014
حلاوة في غرفة قذرة
في غرفة قذرة كحاوية قمامة تجتمع فيها القطط المشرّدة
لا وجه للسكون المطلق
كل ما في الغرفة
وكل ما يُقال عن مدينة أصبحت متحفاً للجريمة
وعن الحزن المطلق كوجه أبي حين لا يحلق ذقنه
لم نرث شيئاً منك يا جدّي
سوى بصراً ضعيفاً
تحسب من بعيد قطعان الذئاب جبالاً
ولم تكن أمّي تدعو لي سوى بالحياة الحلوة
وعروس حلوة
الأسنان المسوسة يا أمي لا تقترب من السكر ..
في تلك الغرفة القذرة
الكتب مغلقة والنوافذ
كل النوافذ مفتوحة كي تمد السماء عنقها كالزرافة
التجاعيد تملأ وجه السماء
كما كان الأزرق يملأ وجه القرية
القرية البعيدة
كتلك الحلوى التي ينظر إليها ابن البقال
ولا يتجرأ أن يتذوقها ..
تمر كؤوس الشاي وذراع الذاكرة الصدئ
يعجن كل شوائب الحزن
في الغرفة القذرة
لا مرضى سكري
وعلب الحلاوة عشاء كل المساء ..
يقول صديقي الحلو عندما يحن إلى ابنة جيرانه الحلوة
والوطن الحلو
في الغرفة القذرة كحاوية قمامة:
نحن من يعتني بالأزهار والحقول
ونصنع الوسائد والأرائك
وهم كالعشب الممتد بدون أي جهد
يبلعون كل المطر ..
الشارقة 30 حزيران 2014
مواطن شرقي ..
أنا لا أستيقظ في الصباح
لا تعتبي علي إن لم أقل لك صباح الخير
أنام كثيراً كي أرى البلاد
تلك التي كانت النجوم فيها حبّات مُلبّس
وكان القمر حليب الأطفال
كنّا نقف عند أعمدة الكهرباء الخشبية
نحلم أن يرفرف علم البلاد
بدلا من كل تلك الأكياس البلاستيكية..
أمّي ..
ما زلتُ أذكر صلاتكِ صباح العيد
لماذا حملتْ كفاكِ كل الكتبِ التي قرأتها
وأنا في طريقي إلى المكتبة
عن العيد حين يعود دون ثياب جديدة
أمّي ..
ما زلتُ أستيقظ مبكراً في هذا اليوم
وأنتظر أمام الباب هدايا العيد
كأي حلزون عنيد ينتظر أن ينضج خبز الحقول ..
***
كأيِّ حائط متهالك أراقب عيد البلاد
وكل الريش الذي جمعناه من العصافير الميتة
لمْ تصنع طائراً جديداً
أريد أن أقول لكِ إنه عيد سعيد
وهناك المئات من صناديق الحلوى تكفي كل الأطفال
وليس على شاشات الأخبار أي طفل شهيد..
***
أقف كل مساء أمام باب الغرفة
من مقبضه تفوح كل أعراض الشيزوفينيا
ضيف يدخل ويدخل ألف غياب ..
في يوم العيد ووسط كل مفرقعات العالم
أحتاجكِ أنا كأي مواطن شرقي
وكأي بحر مريض
كلما يصل حد الجفاف
لا يعود إلا بصدمة كهربائية من البرقِ ..
الشارقة 28 تموز 2014
الحزن ليس من مستوانا
الحياة لنا
يقول لي بائع الحلوى عن زملائه الحلوانيين
نحن لا نقتل أحداً كي يفرح الأولاد
وحدهم باعة القماش يذبحون
كي يتدفأ الأخرون
بائع القماش
الكلام في قلبه صندوق دبابيس كبير ..
كالأخرين أمرُّ في السوق لأراقب الحياة
تقول لي أمي على الهاتف
ما زلنا نزرع الزيتون
وحين يمر الغريب على الثمار
نصنع من نوياتها مَسابح ..
وما زلنا على ما كنّا
لا نقطع الأشجار إنْ نخرَ بها الدود
نتركها بيوت حمام ..
لا نصنع الأبواب لم نتغيرْ
كل البيوت بدون أبواب
مع ذلك
لا يزورنا هذه الأيام إلا الذباب
تقول لي أمي في مكالمتها الطويلة
الدرب في قريتنا طويل ..
وقطيع الأغنام الأشقر يحرق الجبل كل صباح
لم يعد المساء قطيع ماعز فخم
كل شيء محروق كالفحم..
الطريق إلى البستان مليء بخراطيش البنادق
القرية يتخاصم عليها الصيادون
لا أجنحة أحلام تطير
ولا يجتمع عند الشروق الحمام ..
تسألني أمي وانا وسط السوق
أسعل من رائحة البهار
ألمْ تجمع يا بنيَّ قرشين
كي نعمر غرفتين على السطح وتكبر الدار
أصمت عندها كأي هاتف ثابت مزكوم
بين مليون هاتف محمول ..
20 تموز 2014 الشارقة
زر الثوب سقط من عروته بنفسه
يخبئ الكثير من الملح
حين يمر عطش الغمام
وحده العشب يكبر في هذا المكان
ويموت
يموت شجر الكلام
لا كلام يسقي شلل الينابيع
حين تصبح كل المياه
زجاجات مياه معدينة تباع إلى الغرباء
ولا كلام
حين تصبح البراميل يافطات موت
بدلا من أن تكون على السطح وقود الشتاء
زر الثوب سقط من عروته
لم يعد يؤمن برسائل الريح
حين يمر الغيم كأي صندوق بريد
يحمل رسائل عاشق قديم
ويعترف أمام بستان قريب
بأن البذور تنام طويلا حين يتأخر رسول الماء
زر الثوب سقط من عروته
يخاف أن يضع الخبز في الطريق
ولا يعود المطر
وتمر العصافير الجائعة سريعا
وتنسى الخبز على الرصيف
كي يكبر بالون الجائعين
عندها ربما يروض الذباب كي يتوقف كل هذا الضوء
ويبيع الحلوى إلى أن ينكشف هذا الداء
زر ثوب واحد كافٍ
كي ينقشع كل هذا الضباب
وتنمو أكثر تلك الأنياب
كي أصبح تمساحاً كبيراً
ثمة وطن أصبح نحيلا جدا
حتى تركناه فريسة للغرباء
15-8-2014 الشارقة
سلك كهرباء
يحاول أن يتسلق كتف النافذة
ويخلع كل القمصان القديمة
ولأنه لا يراها إلا من طابق عالٍ
تبدو له قزمة جداً
ولأن كل الأسماك حوله معلبة
لم يعد ذلك الصياد
منذ أن ترك بساتين القرية
لم يعد يلبس الثياب القطنية
ينفض عن قميصه الخشن الغبار
كعصفور فقد الثقة بكل الأشجار
لم يعد يقف إلا على أسلاك الكهرباء ..
الشارقة 8-8-2014
ما تيسر من الأمل ....
اِضحك بأعلى صوتٍ عندك
حتى تدمع عيناك
حتى يتوقف كل هذا الصمت
وهذا العزاء المجهول
والتسجيل الطويل ..
اِضحك على قدر ما تستيطع
حتى يتمزق قميصك البالي ..
حتى يتجعد هذا الطين الناشف ..
أضحكُ حين يسألني الأصدقاء عن الوطن
كأي بائع يانصيب أبيعهم ما تيسر من الأمل ..
مازلتُ على طريقتي القديمة أسرد الحكايا الجديدة
وأصنع آلاف الطائرات الورقية
كي يؤمن الأطفال أن الطائرات مؤدبة
كي يعود بائع الذرة إلى حلب ..
حلب التي يعرق الطقس الآن فيها
ويبتلُّ كل العابرين
جفَّ حلقُ السماء منها
ولم يمر لعاب العشاق على ثغر الحقول..
اِضحك بصوت عالٍ
كأي بحر عملاق يستجدي غيمة كبيرة
كي تعيدَ الحياة إلى قدميه
كي تمرَّ بغير جناح فوق المدينة
حتى لو ملأتْ وسادتكَ فقط رئة الهواء ..
اِضحك بصوت عالٍ
كأي جندي محاصر بين واجيه الوطني ولذة الفرار ..
الحياة تفتح ذراعيها لك
احضنها حتى لو فاح من إبطها رائحة العرق ..
24-8-2014 الشارقة
وحين تعودُ من العمل بربطة عنق مرخية
وكريات دمٍ فائرة كالفراولة
ووجه أصفر مسافر كالسفرجل
تمر قرب المقهى المتعب
وترى النادل المكسور قد نام خلسة
وترك كل الكراسي الخشبية تحت رحمة الشمس العسكرية ..
تضعُ المفتاح الصدئ في الباب المطيع
وتراقب المناطيد التي تتنفس هواء المدينة
ولا تنثقب ..
تبحث عن أي شيء يجذبك للأرض
كلعبة طفل في حارة مهجورة ..
تسأل جارك الهندي :
لماذا لم تكن الشمس قطاراً في الفجر الخجول
ولماذا لا ننتظر صباح الحقول وصياح الديك
إلا حين يكون الظلام عتّالا
ثمة سحّارات من السفرجل على عربات الفلاحين
تغص بها حجارة الطريق
ثمة امرأة نحيلة الأمل جدا
لا تتحدث من على منصة أو وراء طاولة
تقول بشفتين كالفراولة
فرّ منهما الليل
كما فارَ عليها كل النهار كبستان فراولة
ثمة ما تعيش من أجله وأنت تعود من العمل ..
الشارقة 19-8-2014
السماء المؤدبة زيادة عن اللزوم
لا تحب الطائرات
وهو لا يوضب حقائبه وقت السفر ..
كعاشق يعلم أنها لم تكن له يوماً
لكنه يريد ليومه عنوان ..
طحين الليل ثقيل
لم يخبر النهار رغيفه على مائدته
مضى إلى موائد الغجر ..
فاته الكثير من القطارات
تلوك في يديه التذكرة القديمة ..
كلما اشتم عطر بائع التذاكر
أصبح ضيف المحطات ..
يحدق في الشرفات المفتوحة كقلب مفتوح
تلك التي لا تنشر إلا الثياب النظيفة
وبعض ملاقط الغسيل ..
لا تهزها الريح
ولا يكسرها حتى المطر ..
من أين كل هذا الألم
ليس موتاً إلا أنه ميت
مضى في الزقاق الأسود
يبحث عن كأس الصباح ولهفة الحليب
في غرفة بلا شبابيك ..
يبيع الجثالة ويشتري القمر دون مقابل
البياض فضول عجيب ..
أين كل الصعاليك الحلوين كقطط الحواري والمساء ؟..
وذلك الطفل الذي تسلق رقاب العوام في الطابور الطويل ..
نشر خبزه وبرّده على الرصيف
عاد إلى البيت لم ينبس ببنت شفة
نسي خبزه على أكتاف الطريق
نمتِ الأشجار بسرعة واعتاد رحيل البستاني
ككل شيء جميل ذهب ورحل
من أين كل هذا الألم
بعض الأحذية تدمي القدم
أحيانا أشعر أني سعيد جداً لدرجة أدق بها أبواب الجيران وأختبئ
سعيد كمحارب ينام لدقائق وسط الحرب
عندي صندوق مليء بالذكريات
كصندوق الدنيا أستطيع أن أحدثك عنه كل مساء
وأحدثك عن تلك التي كانت في العيد لا تخبئ حزنها
توزعُ علينا السكاكر وبعضا من دمعها
كان لها أسئلة عديدة
وأنا بسيط جدا تستهويني قصص الغول وأفلام الرعب
وحين لا أعرف الجواب أكون عنيفاً
أحياناً أكون سعيداً جدا أكتب اسمك على جدار الكنيسة القديم
وأحفظ كل التعاويذ التي ربما تمسح عن ثغرك الأسئلة وطعم السكاكين الصدئة
لأزرع مكانها شجرة غاردينيا بيضاء بيضاء جدا لا تهرب منها الحمائم
أشغل أغنية و أعطي البقال بقشيشاً
أوزع الحلوى على كل الجيران
عندما اكون حقاً
سعيداً
سعيداً جدا
ثمّةَ طفلٌ يبكي ثمّ يضحك لشيء بسيط
يقلبُ كل الدموع جمال
لماذا حزننا طويل أيّها الطين الطائش ..
لا تترك المطر الدرويش عند عتبة الباب
كأي عابر سبيل دقَّ جرس البيت
و أخطأ العنوان في ليلة الشتاء
ثمّة طفل أنا مثله
يبكي ثم يضحك لشيء بسيط
حين أمرُّ قرب بناء جميل أو سائحة جميلة
أوقف أحد المارة وأقول له : صوّرني
خذ اللقطة من زاوية منخفضة
كي أبدو عملاقا
كي تبدو متاحف مدينتنا أكبر ..
ثمّة طفل يذكرني بالأشياء البسيطة
يومَ كانت تقول لي جدّتي وهي تقضم الفستق :
حبّات الحمص لا تحفرها إلا الأسنان القوية
و لا أحد يمر من حقول الألغام تلك الآن حتى ذوي الأسنان القوية ..
ذلك الحقل الذي حبا في رحابه كل أطفال القرية
المشاغبون والمؤدبون
وتركوها فارغة كي تمر سجادة الملك الحمراء
كي يعلن حظر التجول
والفراشات لعبتها لعينة
إذ يمر الغبار على جناحيها تلعب مع طفلة
ثمة طفلة تقطع حظر التجول
وثمة بائع جوارب شتوية
يمزق الحذاء المطاطي قدميه
كم رقص في النهار
ولم تشتعل به الحياة ..
أبداً
لمْ يفقد الحزن لياقته..
لماذا نحتاج كل هذا الموت
كي تخرج كلماتنا أرقَّ من بتلات ورود القبور ..
ثمّة طفل يشير إلى جدران الغرفة
لا مكان كي نضع صورة جديدة
لا سبّاحين غرقوا في القنال
ولكن الحديث
كل الحديث
عن الطوفان الذي يجتاح المدينة
لماذا لا تموت كل الظلال في قزحيتنا
كي تصبح الغمامات مظلاتٍ للحمام
كي أشرب كأساً كبيراً
وأثور كبحر كبير
يرضع من ثدي غمامة كبيرة
كي أوزع الأسماك
على كل الصيادين الخائبين عند المساء
ثمّة طفل لم تعد تسعده مدن الدمى
ولا بائعو البالونات
ثمة طفل ثقب الأشرار بالونه ..
أم القيوين 29-8-2014
كالعادة
أجلس على عتبةٍ أمام المول التجاري
أصبحتُ أحفظُ كل الوجوه
وأتقن مواعيد السعادة حين تأتي
كما كان أبي يقرأ وجوه أبناء الحارة
أبي الذي كان أول المنجّمين
في تلك الحارة
التي يكبر فيها الجرح
بعد أن سافر أطباؤها بعقود خصوصية
الدقائق لم تعد طويلة كما السابق ..
***
على هذه العتبة الدرويشة
أراقب كل الكراسي الفخمة
يمرّ وجه كما مرّت أمي يوماً
" أمّي لغزٌ لا يفسّرهُ الكبار
كلّما بانَ الشيبُ في شعري
قالتْ:
ما زلتَ طفلاً يا بني
والدنيا أمامكَ حقل طويل
كما الفراشات
ما زلتَ تلهو مع الصغار
أمّي لا تعلم أنّي
كالنهرِ الذي فقدَ حصاه
غارقاً في الطينِ
يتلو وصايا الظلال
وبُعدَ الثمار "
لا دمية عندي
ولا حكايات يتلوها جدّي
أصبحتُ أفكرُ كما يشعر الكبار
بالخوفِ
حين يتكلمون عن السياسة
والفياغرا
ويغضبون
حين يخسرون لعب الورق ..
***
تمرُّ إحدى الوجوه
شاعرٌ ترك العادات العمودية
ورسميات التفعيلة
ونزل إلى الشارع
كأي طفل لا يُطير طائرته الورقية
على شرفة صغيرة
أو في حديقة بالمدينة
لا يحلق بها إلا في حقل ريفي واسع..
***
في بعض الأحايين
يمر وجه كما مرّت جدّتي يوماً
جدّتي التي كانت تفكر بالموت السريع كي ترتاح
على عتبة النهر
حينَ تضع ظلال الأشجار نظارتها الثخينة
في عيون النهر
وأنا أفكر بها
وأحدق طويلا
طويلاً
ربما تغفو
كي أسرق منها كمشة زبيب ..
كم كان الحزن في قلبها كبير
وكم كنتُ غولا صغير ..
***
أمام عتبة المول التجاري
أمسّد الصخر الهادئ
وكل ذاك التراب الذي يعتريه
سيصبح طينا إذا مرَّ المطر ..
والمطر العابر لا تلتفتُ لمعاكساته تلك الحدائق
التي تشربُ من مياه الينابيع
أمام المول التجاري
أنا جمع تكسير سالم ..
***
أمام المول التجاري
الحياة مقبلة وكل من أقبل إليها
سيمشي على قلبي
كأي ذبابة ضوء
لن ترى فراشة الحقل
أمام المول التجاري
أنا كأي موظف متقاعد يمر على مؤسسته
يجمع كل الأوراق التي ختمها
ولا ينتبه له أحد ..
أمام المول التجاري
أقف كأي ماركة شاي جديدة
وأي قميصٍ موضة هذا العام
جمعَ تكسيرٍ ما زال سالماً ..
في الشارع لصٌ
أراد أن يسرق من أميرة
لصٌ سرقتْ منه الأميرة دبوسَه
الذي كان يفتح به كل الخزائن ..
في الشارع رجل
يقلع كل يومٍ خيزرانة
يؤدب بها أولاده المشاغبين
ويبني بيتاً من الخيزران ..
في الشارع جدول عذب
هام بالطريق
وهمَّ به التراب الملعون
غرقَ في الطين النجس ...
في الشارع طفل أسود
يتحدث عن الأيام البيضاء القادمة
والشمس الخرافية حين تشرق دون ظلال
وحين تذوب مَثلجة الحليب بين يديه
يقرفص تحت ظل حائط طويل
في الشارع جنازة
وحفّار قبور أدرك الحقيقة عند أول موتٍ
لذلك لا يبكي
لا يبكي
أبداً
في الشارع حجرة
وزهرة
وعربة مكسورة العجلات
في الشارع
شاعر عاشق
وقاتل
وحوذي يبحث عن عربته ..
دبي 17-9-2014
الوطن
أيها الوطن اللاسع كشمس تموز
نحن سجناؤك المحترمون
في غرفة ضيقة
تحت سقف واطئ
بدون جهاز تكييف
ولا مروحة سقف
خلعنا كل شيء
بقينا بثيابنا الداخلية البيضاء
يتلصص علينا الجيران من الشبّاك
ويسخرون
وطني يا غصنا قديماً
قديماً جداً
يقفُ عليه دبٌّ مكسور بليد ..
7-9-2014
لا شيء يأتي بموعده
لا شيء يأتي بموعده
لا أخبار الصحف اليومية
ولا أنتِ
ولا تلك الوحوش الطيبة التي تأكل من أيدي قصابيها
لم تخرج من القفص حينها ..
ولا قطعة الحلوى التي خبأها أبي في سترته
كي يطعمنا إياها
ذابتْ ولم تأتِ في موعدها..
لا تتضرع إلي أيها العالم الحزين
كي أتوقف عن البكاء
أنا كالطفل الذي إذا ترجّاني الجمع
أجمع كل سلال العناد ..
لا شيء يأتي في موعده
حتى مياه الينابيع لم تصلنا إلا بعد أن تمرّغت بالتراب
ثيابنا نظيفة
وجدّتي تجلس أمام عتبة الباب
تحفرُ في الطين كل أسرار الغمام ..
وذلك الطفل الذي مشى حافياً
في وقت كانت الشمس فيه فرن الأرض الطازجة ..
لا شيء يأتي في موعده
حتى تلك البندقية التي تصوبين بها عليَّ
نفذتْ كل طلقاتها
وأنتِ تصطادين عصافيري
وأنا أبعدُ الذباب عن وجهكِ
أمام هذا المستنقع الكبير ..
4-9-2014
صورة قديمة
أمّي ..
مزّقي صوري القديمة
لم يعدْ أنا من كان فيها
خمسة أعوام كفيلة بولادة جديدة
وكل الأصدقاء الذين رحلوا احذفي أرقام هواتفهم
خمسة أعوام كفيلة كي تتغير الينابيع
إن لم يمرّ عليها الغمام ..
المرأة التي تمدُّ الفيء حصيرةً
تجمع صحون الشمس
قالتْ لي أنتَ الذي تحزنك أغنية
أصبحتَ تبيع الذباب
وتنسى أن تضع الخبز على الرصيف
تجوعُ الطيور
هادئ حزنكَ كإبرة وقعت على وسادة منسية
أمّي..
يا أولَ سوار لفَّ معصمي
وأخر محل مجوهرات استوقفني
لا تفتحي الباب الآن لمن لا يدقّ جرس الباب
بل يخبط بيديه وقدميه..
قال لي عامل المصبغة
أن القرية أصبحت فارغة جدا
والحقول التي نزرعها
لا تمرّ عليها حتى الطيور الشريرة
لم نعد نصنع الفزّاعات
وحين يصبح القمر نحيلا جدا
نشعلُ مصابيح البيت ..
أمّي الضيوف هنا .........
الضيوف ما أكثرهم
ولكن البرّاد فارغ دوما لذا لا نفتح الباب ..
أمّي
مزّقي صوري القديمة
واحتفظي بصورة جديدة سأرسلها لك قريبا
قريباً جدا
عند أول مصوّر يصوّرني مجاناً َ
23-9-2014 الشارقة
الدنيا جميلة وأنتِ جميلة
وأنا جميل ..
كأية علبة مرتديلا انتهتْ صلاحيتها
هنا الأرض غير صالحة للموت ولا للحياة
هنا الأرض جميلة ..
يقول لي أبي على هاتفي الجميل
أن صديقه لم يعد يكتب الشعر كي يعيش
بدأ يفتش في عيوب الحكومة ويؤلف المقال
ومنذ أن أصبح الموت في متناول الجميع كحبوب الباندول
يوصي أولاده أن يحرقوا جثته كالهندوس إذا مات ..
كأي قصيدة كبيرة تنشرها المجلة على صفحة القراء
يتلو أبي وصاياه الضخمة علي ..
وأنا ملّان جدا يا أبي
كبرميل متفجر أصيب كل الأحياء الوديعة حولي
هنا الأصدقاء طيبون كالصابون
كلما صافحوا وجع البلاد
غسلوا أيديهم ..
الأصدقاء الطيبون كلما تعرقوا كالصابون
قالوا الدنيا حمّام جميل ..
عندها أركض سعيداً كلاعب سجل هدفاً متسللاً..
الدنيا جميلة وأنتِ جميلة
وأنا كعنكبوت جميل كلما أنسج بيوت الأمل
يرميني أحدهم بخرقة بالية ..
الشارقة 6 تموز 2014