نوزاد جعدان شعر
:شكر
.الناقد والشاعر العراقي د. معن الطائي
الفنان التشكيلي الألماني الصديق رولف إرهاديت على لوحة الغلاف.
الرسامة اليابانية الصديقة تيريزا زوارت على لوحة البورتريه
تمثلت لحظة التحول نحو الحداثة في الفن و الآداب بصورة عامة في الانتباه جمالياً لما أصبح يعرف "بشعرية اللحظة العابرة". و تجسدت هذه النقلة الجمالية في التحول بعيداً عن النماذج الفنية القياسية لنظرية الجمال الكلاسيكية و الانهماك الجمالي بكل ما هو خالد و عظيم و فخم إلى مقاربة اليومي و الهامشي و العرضي و العادي. يعرف شاعر الحداثة الفرنسي الأول بودلير الفنان بقوله "هو شخص قادر على تركيز رؤيته على الموضوعات العادية لحياة المدينة، و على فهم خصائصها المتغيرة، و يستطيع مع ذلك أن يستخرج من اللحظة العابرة كل عناصر الخلود الكامنة فيها"(١). فرضت الحياة البرجوازية إيقاعها السريع على الحساسية الجمالية للمبدع و خلقت التحولات المتسارعة لنمط الحياة في المدينة شعوراً مؤلماً بسرعة الزوال و التغير و التشظي. " لقد تشظت الممارسات و الأحكام الجمالية إلى نوع من القصاصات الجنونية المملؤة بأنواع لا تحصى من المداخل الملونة التي لا رابط بينها، و لا يجمعها إطار محدد، عقلاني أو اقتصادي"(٢)، و هي السمة الجوهرية للحياة المدينية.
كانت ردة الفعل الجمالية على التحولات المتسارعة في البنى الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في المجتمعات الأوروبية قوية و عميقة في الفنون و الآداب المختلفة. كما ساعدت الحساسية الجمالية العالية لمبدعين متميزين على ابتكار منظومة من التقنيات التعبيرية و الاسلوبية ساهمت في إحداث التحول التام نحو الحداثة الفنية. فمع حلول منتصف القرن التاسع عشر كان بودلير قد انجز الجزء الأكبر من مشروعه الجمالي الحداثوي و الذي مهد الطريق لظهور رامبو و فيرلين و مالارميه و فاليري في فرنسا، بينما شكلت كتابات ريلكه الشعرية و النقدية نقطة تحول بارزة في الأدب الألماني، و مع بدايات القرن العشرين أصبح الطريق ممهداً، إلى حد معقول، لظهور كتابات جيل الحداثة في الأدب المكتوب باللغة الإنكليزية مثل ت أس أليوت و عزرا باوند و لورنس و جيمس جويس. و أصبحت رواية مارسيل بروست الضخمة " البحث عن الزمن الضائع" و التي نشرت في سبعة أجزاء ما بين ١٩١٣ و ١٩٢٧ و رواية جويس "يوليسيس" المنشورة عام ١٩٢٢ علامات بارزة في سياق التحول الجمالي الجذري نحو الحداثة على صعيد روية العالم و اللغة و المضمون و الطرائق الأسلوبية و التعبيرية. بينما جاءت المحاولات الفنية و الجمالية من أجل ترسيخ التحول نحو الحداثة الجمالية في الفنون و الآداب العربية خجولة و مترددة. و رغم التحولات العميقة التي شهدتها البنى الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في المنطقة منذ منتصف القرن الماضي على وجه الخصوص إلا أن هذه التحولات لم تؤدي إلى تغيرات عميقة و شاملة على صعيد البنية الفكرية و الجمالية. لا يمكن إنكار التحولات الواسعة التي شهدتها الحساسية الجمالية العربية في مختلف الفنون و الآداب، فمع ظهور جماعة الديوان و جماعة أبولو و شعراء المهجر و شعراء حركة الشعر الحر و شعراء قصيدة النثر حدث إزاحات جمالية واسعة بعيداِ عن التقاليد الكلاسيكية للشعر العربي. و لكن بقيت هذه التحولات محصورة في نطاق ضيق ضمن نخبة مثقفة و لم تنجح في التغلل عميقاً في بنية الوعي الجمعي الجماهيري. و لعل استمرار الجدل الدائر حول جماليات و شرعية قصيدة التفعيلة و قصيدة النثر العربية رغم مرور أكثر من نصف قرن على ظهورها خير دليل على هذا الرأي.
في هذا السياق الجمالي و الثقافي يمكن تلقي مجموعة الشاعر الشاب نوزاد جعدان "أغاني بائع المظلات" على أنها تنحاز إلى كل ما هو حداثوي على صعيد الرؤية و الأسلوب و اللغة. فهي تحاول بناء طرائقها التعبيرية الخاصة و تشكيل صور شعرية مرهفة تحاول الامساك بكل ما هو هامشي و عرضي و زائل و تحويله إلى محفز جمالي و شعوري عالي. يؤسس عنوان المجموعة للمزاج الشعري العام الذي يهمين على مجمل القصائد و يمهد لأفق توقع و تلقي يعلي من شأن الغنائية، كما توحي المفردة الأولى في المجموعة "أغاني"، و يحتفي بالمهمش و البسيط، كما في شخصية " بائع المظلات". تتميز تراكيب الجمل الشعرية لمعظم القصائد التي تضمها المجموعة بالبساطة و الوضوح، و لكنها بساطة خادعة تخفي خلفها رؤية تراجيدية و فلسفية عميقة و نوستالجيا يشوبها الألم لنمط حياة يندثر و يتلاشى بسرعة في عالم كل ما فيه ينصهر و يذوب و يتحول إلى دخان، على حد وصف كارل ماركس. فهناك نبرة رثائية حزينة تجعل من بعض القصائد أشبه ما تكون بتلويحة وداع أخيرة لمظاهر الحياة الريفية البسيطة بكل تفاصيلها الحسية و النفسية و ما تحمله من دلالات عاطفية و شعورية ترسبت في لاوعي الذات الشاعرة من مراحل الطفولة المبكرة. و من خلال اعتماد أسلوب المفارقة القائم على تجاور الصور الشعرية المتضادة و المتنافرة و توظيف التقنية الحوارية في القصيدة ينجح الشاعر في خلق الاحساس بمأساوية اللحظة المعاصرة و الكشف عن تناقضات الواقع البرجوازي الذي أصبح يحدد طبيعة وعينا و إدراكاتنا و علاقاتنا ببعضنا البعض. ذلك الواقع الذي خضع بقوة لمنطق الاستهلاك المفرط و المنفعة و الذي سحق بعنف العلاقات الإنسانية البسيطة و العفوية و شعورنا بالانتماء و الوحدة مع الطبيعة من حولنا و مع أنفسنا.
تنطلق اللحظة الشعرية عند الشاعر نوزاد من مشهد بصري يؤثث له باقتضاب و إيحائية عالية و بتوصيفات مقتصدة، ثم فجأة يحل العجائبي في قلب اليومي و العادي ليفتح حدود الواقع الجامد على احتمالات الرؤى و هلوسات الأحلام، و يحدث في النهاية قلب للمعاني و الأفكار بعد أن تعود الصورة لنفس جو العام للمشهد الافتتاحي. و يذكر الناقد الدكتور عبد الغفار مكاوي في كتابه "ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر" المتلقي بضرورة تجنب الانطلاق من الواقع لتقييم الصورة الشعرية في القصيدة الحديثة لأن تلك الصور ليست تجسيداً فنياً للواقع الخارجي، بل تجسيداً للواقع الداخلي المضطرب للشاعر و هو عن طريق الخيال يفكك العلاقات بين الأشياء كما هي عليه في الواقع و يعيد ترتيبها كانفعالات داخلية. و لا تمتلك الأشياء و القضايا تفاضل أو حكم قيمة مثل الخطأ و الصواب، بل تتجاور وفق دينامية الأضداد لتوليد الصراع(٣). تهيمن على قصائد هذه المجموعة صور شعرية بصرية تجسد من خلال بنية وصفية جمالية مشاهد خارجية تنتمي لمكانين متضادين واقعياً و فنياً، الريف و المدينة. فهناك مجموعتين من المفردات التي تبقى حاضرة على صعيد اللغة الشعرية، إحداها تشير إلى مجال الطبيعة الريفية، مثل الحقل و الكوخ و القمح و الأزهار و المحراث و الجرار، ، الأخرى إلى تفاصيل المكان في المدينة الحديثة، مثل الشارع و البنايات و الباصات و المقهى و الزحام. و في كلا المشهدين لا يحضر الوصف لغرض تصويري بحت و إنما تتحول الأشياء و العلاقات التي بينها إلى رموز يوظفها الشاعر جمالياً لنقل ذبذبات طاقته الشعورية الحادة إلى المتلقي. و هنا يكتسب الشعر فاعليته الجمالية من خلال قوته التأثيرية المباشرة و غير المباشرة في المتلقي و كسر أنماط الوعي التقليدية لديه و التي تحدد نظرته إلى العالم و مجوداته و العلاقات بين الأشياء من حوله. و يختصر الفنان و الشاعر الفرنسي ماكس جاكو بهذه الفكرة بقوله " الفن هو إرادة التعبير عن أعماق الذات بطرق منتقاة".
لعل ما يميز الفنان المبدع هو تمتعه بإدراك من نمط خاص و متفرد لمفردات العالم الخارجي و بقدرته على التعبير عن هذا الإدراك بوسائل تعبيرية مبتكرة. و الابتكار هنا يتحدد على مستوى الرؤية و الصورة الشعرية و اللغة و البنية الموضوعية للقصيدة. و لهذا نجد الشاعر في هذه المجموعة يحاول دائماً الافلات من النمطية و التكرار و التقليد. و قد تنجح المحاولات تارة، و قد تخفق تارة أخرى، و هذا أمر طبيعي و بديهي يعكس التوتر و القلق الذي يرافق العملية الابداعية. ينشأ هذا التوتر من عدم القدرة على التوفيق بين نمط حياة يستجيب لمتطلبات المعيشة اليومية و ما تفرضه من إكراهات و ضرورة إشباع الإلحاح الداخلي عند المبدع لتوسيع حالات الإدراك النفسي و التوق الروحي للجمال و للحرية. تقوم الحياة في المجتمعات الحديثة على عقلنة الإنتاج و السيطرة على آلياته بما يضمن أعلى درجات الانضباط و الالتزام الجسدي و النفسي من قبل أولئك الخاضعين لها. و هي بذلك تقف على النقيض من النزعات الروحية و الجمالية التي تحاول جاهدة الحفاظ على الحد الأدنى من الشرط الإنساني للوجود. و لهذا تسعى المجتمعات الحديثة نحو تحديد إرادة الإنسان و تنميط آليات إدراكه و شعوره و التحكم بردات فعله و انفعالاته. و يتحول إنسان المجتمعات الحديثة إلى ما يشبه شخصيات كافكا المتحولة و المقهورة و المقموعة، و يقوم بتحويل عمليات الانضباط و السيطرة الخارجية إلى ممارسات سلوكية داخلية يلزم نفسه بها و لا يتردد في معاقبة و تأنيب ذاته بعنف في حالة حدوث أي خرق لتلك الضوابط. و هذا ما يطلق عليه المفكر هربرت ماركوزه "بالانسان ذو البعد الواحد". حيث تصبح التكرارات اللانهائية لمجموعة من الأفعال و السلوكيات هي أساس الحياة اليومية المعاشة. و يعمل هذا الاغتراب الحاد على امتصاص السعادة و البهجة من أرواحنا و تتحول حياتنا إلى سلسة من المحاولات اليائسة للهروب من الشعور القار و الخفي الكامن في الإدراك العميق بتفاهة الحياة و لا جدواها و عبثيتها. و ما إن يجد الإنسان في لحظة ما نفسه وجهاً لوجه مع هذا الإدراك حتى تتجلى له هشاشه الواقع الذي يحياه و يصبح في مواجهة الرعب الحقيقي المتمثل بالعدم. و يرى الناقد و الروائي البريطاني كولن ولسن بأن مجرد كون الإنسان عضواً في المجتمع يعني أنه من المستحيل عليه تحقيق رؤية مختلفة و ذاتية عن العالم، و أن من يبحث عن الإدراك بحدوده القصوى أو العمق الروحي للتجربة فإنه سيظل بالضرورة لا منتمياً(٤). و يمتلك الفنان المبدع روحاً لا تقبل بالتوافقات و لا بالحلول الوسطية، فهو يحمل في داخله توقاً قوياً لحياة تشبع حاجته إلى الجمال و الأحاسيس العميقة و التجارب الحارة، باختصار، توق لحياة أكثر وفرة و أكثر كثافة. و في هذه الحالة يصبح الفن وحده هو القادر على تخليص روحه من رعب الحياة و عبثيتها، كما يصف نيتشه(٥). و بذلك يصبح الإبداع شرطاً للوجود و ليس ترفاً فكرياً يمارسه المبدع و يتحول الفن إلى خط الدفاع الأخير للمبدع.
يتحول الزخم الشعري عند الشاعر نوزاد إلى طاقة روحية تمارس تأثيرها على عالمه الداخلي و الخارجي على حد سواء. فهو، و من خلال الشعر، يعيد ترتيب مكونات أدراكه الحسية و الروحية و تتداخل عنده الشخوص و الأشياء من حوله بطريقة رمزية تعمل وفق آليات الإزاحة و الإبدال تارة، و عمليات التناسخ و الحلول تارة أخرى. فالمدينة بشوارعها و فنادقها و أزقتها القذرة تزيح القرية بسمائها الصافية الواسعة و حقولها الرحبة و حميمة أكواخها و طبيعة العلاقات الإنسانية التي تمثلها، و مشاعر الألم و الفقد و الحنين تزيح مشاعر البهجة و الفرح الطفولي و الألفة. بينما تحل صورة الحبيبة و صورة الأم في أيقونة رمزية واحدة و تتداخل صورة الجد و صورة الأب مع صور الأصدقاء الذين بعثرتهم الغربة و ضاعوا في دروبها الممتدة مثل متاهة لا نهائية. و يبرز المطر بوصفه أحد الرموز الأكثر كثافة و قوة في قصائد المجموعة. فهذه الظاهرة الطبيعية طالما سحرت خيال الشعراء و تحولت من خلال التراكم و التكرار في التوظيف الشعري و الجمالي إلى بؤرة دلالية مركزية تطلق موجات من الإيحاءات الشفافة و المبهجة و الحزينة و الرومانسية و الآيديولوجية. فكان المطر هو المعادل الموضوعي للحزن الشاعري الشفيف أو للبهجة الغامضة التي تثيرها الطبيعة في النفس أو الحافز الخارجي لسلسلة من تداعي الذكريات الممزوجة بنوستالجيا روحية عميقة أو لرمز النهوض و البعث و الولادة و التجدد على صعيد حضاري و مجتمعي و فردي. و يحضر المطر بصورة ضمنية في عنوان مجموعة الشاعر نوزاد من خلال " بائع المظلات". و في ثنايا القصائد يتكرر التوظيف الشعري للمطر ضمن السياقات الجمالية و الموضوعية لكل قصيدة. و يشحن الشاعر المطر رمزيا بطاقات جمالية و شعرية و فكرية تجعل منه الرمز الأكثر حضوراً و الأكثر تأثيراً. و مع المطر تحضر مفردات الريح و العاصفة و الغيم بما يكمل تأثيث المشهد الشعري من حيث البعد التصويري و يعزز الطاقة الإيحائية و الرمزية على مستوى التلقي.
تتنوع البنية الإيقاعية في قصائد المجموعة و تتراوح بين الإيقاع الداخلي العميق و الإيقاع الخارجي القوي الذي يهمين على المستوى الصوتي للغة الشعرية. ففي القصيدة الطويلة التي تحمل نفس عنوان المجموعة " أغاني بائع المظلات" تنسحب البنية الإيقاعية الخارجية لتفسح المجال لإيقاع داخلي تتحكم به البنية الموضوعية للمقطع الشعري. بينما في قصيدة " علام البكاء" يهمن إيقاع خارجي يقوم على بنية التكرار و التوازي مما يعطي للقصيدة انسيابية صوتية و تماسك ظاهري، و لكنه يسلب منها العمق الفلسفي و التأملي الذي تميزت به قصيدة " بائع المظلات". فالإيقاع كثيراً ما يغري الشاعر بترك الرصد التأملي لتحولات الفكرة و دلالات الرموز الشعرية من أجل أن يجاري ضرورات الانسيابية الموسيقية و الصوتية و التي تستدعي اعتماد التكرار سواء على صعيد الوزن أو القافية أو التفعيلة.
و على صعيد البنية الموضوعية لا تلتزم قصائد المجموعة بموضوعة محددة تعمل على مقاربتها من عدة زوايا، بل تعددت الموضوعات الشعرية فيها و تنوعت لتشمل الذاتي منها و العاطفي و الفلسفي و الوطني. و لعلها بذلك تصبح تسجيلاً عفوياً و صادقاً للحالات الشعورية و الروحية التي مرت بها الذات الشاعرة في فترات متباينة و في أماكن و مدن متعددة. و هذا التنوع جعل قصائد المجموعة أكثر انفتاحاً و غنىً. و لا يمكن تجنب عدم ملاحظة تنوع الإحالات المكانية في هذه القصائد. فهناك اشارات إلى مدن و ثقافات و حضارات مختلفة تعكس سعة ثقافة الذات الشاعرة و قرتها على استيعاب مختلف المؤثرات الخارجية و هضمهما و تحويلها إلى محفزات جمالية و رموز شعرية تتداخل مع المكونات الشعرية الأخرى بدون أن يشعر المتلقي بنوع من الاقحام المفتعل أو القصدية التي تسعى إلى استعراض المرجعية الثقافية و الحياتية عند الشاعر. فتحولات المكان غالباً ما تترافق مع تحولات أكثر عمقاً على صعيد المفردات و الصورة البصرية و الحالة المزاجية و النفسية. و هذا ما يساعد على خلق سياقات جمالية و شعرية تبرر الاستدراج الرمزي للمكان. و يحضر المكان في هذه المجموعة بمختلف تنويعاته الايحائية و الرمزية، فهناك المكان المتناهي أو المغلق و المكان اللا منتاهي أو المفتوح و المكان المألوف و المكان المعادي و هناك المكان المادي الحاضر في اللحظة التأليفية للقصيدة و هناك المكان المستعاد من الذاكرة في سلسلة من التداعيات. و يستفز المكان القدرات الوصفية عند الشاعر فيتحول نحو استثمار التنوع و الغنى الذي تمنحه إياه الحواس المختلفة. و وفق آليات من التشويش المتعمد على الفعاليات الحسية عند المتلقي يوظف الشاعر ما يطلق عليه بودلير " تراسل الحواس". و هي الطريقة التعبيرية التي تتعمد نقل الخصائص الحسية للتجربة الشعرية و تراسل الحواس فيما بينها. و فيها يصبح للضوء طعم و نكهة و للرائحة لون ما و للون رائحة أو صوت معين. و قد كان بودلير نفسه من أوائل شعراء الحداثة الذين انتبهوا لهذه الظاهرة الجمالية و سعوا بطريقة منهجية للكشف عن قدراتها الجمالية و الإيحائية العالية. و قد أمسك رامبو بهذه الأسلوبية التعبيرية الجديدة من بعد بودلير، و استطاع بفضل عبقريته الشعرية المتوهجة أن يوظفها و يذهب بها إلى أبعد مدياتها في محاولة خلق أكبر قدر من التشويش على الحواس بوصفها قنوات الإدراك الطبيعية للوعي الإنساني، و هذا ما أطلق عليه بعض النقاد " باللاواقعية الحسية"(٦).
يستفيد الشاعر نوزاد من هذه الأداة التعبيرية و التي أصبحت الظاهرة الأكثر حضوراً في الشعر الحديث على مستوى عالمي عابر للثقافات. و يعمد إلى توظيفها توظيفاً جمالياً يساعده في محاولاته لكسر أفق توقعات المتلقي لطبيعة الصياغات اللغوية و التعبيرية و دفعه لمعاينة خبرة الوجود و تجربة الواقع المعيش خارج بلادة نمطية طرائق التلقي و الإدراك التقليدية و المتداولة. ففي قصيدة " أبحث عن ليل" يتمنى الشاعر أن تلقى الحواس نحبها و أن تندثر و تزول. و هذه الأمنية تدفع بتلك الظاهرة الشعرية إلى مدى أبعد من مجرد توليف التراسل أو التشويش الحسي. أن الذات الشاعرة هنا لم تعد تجد حتى في عملية التراسل و التشويش محفزاً جمالياً كافياً لخلق وهج اللحظة الشعرية، و لهذا فهي تسعى إلى التجاوز التام لوسائل الأدراك الحسي للعالم الخارجي و ما تثيره من مشاعر و أحاسيس في العالم الداخلي للشاعر. و لا يمثل هذا التجاوز، و الذي يتم التعبير عنه شعرياً بمفردة تشير إلى الموت، نزعة نحو التشاؤم المطلق أو السلبية العدمية، و أنما هي لحظة تجاوز نحو ولادة جديدة لوعي إنساني يقوم على الحساسية المرهفة للجمال و للروح و للحرية.
لقد نجح الشاعر الشاب نوزاد جعدان في أن يقدم نفسه من خلال قصائد هذه المجموعة الشعرية بوصفه صوتاً شعرياً متميزاً و ممتلكاً لخصوصيته الإبداعية و خصائصه الاسلوبية المتفردة. صوت يحضر في المشهد الشعري العربي المعاصر ليس لمجرد الإضافة التراكمية أو حباً في الظهور، و لكن لما يحمله من كوامن إبداعية و جمالية تجعل منه إضافة نوعية خاصة. و يمكن التحدي الحقيقي للشاعر الشاب في الخطوة الشعرية و الإبداعية الجديدة. و ذلك لأنه بات مطالباً باستمرارية التطور و التجاوز و ضرورة تحمله المسؤولية الشاقة في استدراجنا المتواصل إلى عوالم الدهشة و الحلم و في تذكيرنا المتواصل بأهمية قيم الحرية و الجمال في هذا الزمن الصعب.
المراجع:
١ـ ديفيد هارفي: " حالة ما بعد الحداثة، بحث في أصول التغيير الثقافي"، ترجمة د. محمد شيا، المنظمة العربية للترجمة، ط١ بيروت ٢٠٠٥، ص ٢٨.
٢ـ المرجع نفسه، ص ٢٩٠.
٣ـ عبد الغفار مكاوي: " ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر، الجزء الأول"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٧٢، ص ١٢٩.
٤ـ كولن ولسن: " سقوط الحضارة"، ترجمة و تحقيق أنيس حسن، دار الآداب، ط٢، ص ٦٧.
٥ـ فريدريك نيتشه: " مولد التراجيديا"، ترجمة شاهر حسن عبيد، دار الحوار للنشر و التوزيع، ط١ ٢٠٠٨، ص ١٢٦.
٦ـ عبد الغفار مكاوي: "ثورة الشعر الحديث"، ص ١٢٧.
جدّي الذي كان يصلي في العراء والبراري
قال لي وهو ينظف بندقيته التي كانت أطول من قامتي
أن المراعي طهارة الرعاة الحفاة
وأن المطر الذي تتنفسه غلاصم التراب أوقات الجفاف
سكن قريتنا عندما طبخ القرويون حلة واسعة من الطعام
كانت النار متقدة جدا كعيني فلاح وزع الفطائر على المزارعين
لم تك تلك الملاعق الخشبية التي تناقلتها الأفواه حطب الشتاء
جدّي الذي اصطاد العصافير ببندقيته القديمة
دفناه تحت شجرة زيتون تاركاً بارودته في فناء الدار
وأذكر جيداً أن مخرن الرصاص كان خاوياً
ورائحة البارود كانت بعضاً من رائحة جدي
كانت شيئاً لم يعد يخيف عصافير قريتنا
2
الوطن الذي نام في القفص صار وحشاً مفترساً
كان العدو كالذباب يأكل يدي الصباح
أتذكرين يا جدتي حين كنا نلم الخبيز قلتِ لي
أن هذه الورود التي نزرعها تمرُّ عليها أبقار العدو
وبدلا من الحليب يبيعوننا الرصاص
كان الصيف حاراً لم نشترِ مروحة ولا فتحنا النوافذ
مرّت حافلات قريتنا تحمل سلال عرقنا
في الصباح حين يبدو الذباب مزعجاً كانوا يغسلون بها أرصفة المدن
أفكرُ كثيرا..
أصمتُ كثيراً..
وحين يجافيني النوم أعدّ أسماء الذين رحلوا
وأشنق كوابيسي على حبال البامياء التي كانت تعلقها جدتي على عتبة البيت
أجلس كثيرا ..
وأعيد حياكة الأمل كلما انفتق ثوب الوطن
3
أحيانا أشعر أني سعيد جداً لدرجة أدق بها أبواب الجيران وأختبئ
سعيد كمحارب ينام لدقائق وسط الحرب
عندي صندوق مليء بالذكريات
كصندوق الدنيا أستطيع أن أحدثك عنه كل مساء
وأحدثك عن تلك التي كانت في العيد لا تخبئ حزنها
توزعُ علينا السكاكر وبعضا من دمعها
كان لها أسئلة عديدة
وأنا بسيط جدا تستهويني قصص الجن وأفلام الرعب
وحين لا أعرف الجواب أكون عنيفاً
أحياناً أكون سعيداً جدا أكتب اسمك على جدار الكنيسة القديم
وأحفظ كل التعاويذ التي ربما تمسح عن ثغرك الأسئلة وطعم السكاكين الصدئة
لأزرع مكانها شجرة غاردينيا بيضاء بيضاء جدا لا تهرب منها الحمائم
أشغل أغنية و أعطي البقال بقشيشاً
أوزع الحلوى على كل الجيران
عندما اكون حقاً سعيداً سعيداً جداً
4
بائع المظلات والزقاق الذي غاب عنه المطر
الشوارع التي مرت كئيبة في وجهه كأنشوطة حمراء مرمية على الطريق
كانت تقيس خطواته التي أصبحت أصغر مما كانت عليه
النوافذ المغلقة والشرفات التي غابت عنها الستائر تجعل الشوارع ضيقة
طارت الهدايا والذكرى
والريح مقتل المظلات
في ذلك الليل الجالس على قلبه
غابت الكراسي الخشبية ودكاكين الألبسة الصيفية
كان يروي أسرار مدينة تفقد مفاتيحها
و كم كان يشتهي الملح في مواسم السكر حين كان لص اللوز
في تلك القرية التي أصبحت قامة العشب فيها طويلة
بائع المظلات الحزين أصبح يبيع البالون ويكتب عليها رسائله
في مدينة لا أطفال فيها
5
أخبريني أما زالَ كل شيء بخير
لي الكثير لأقوله عندما يغلي الليل مع شاي المساء
حيث يشتد صوت الأغاني القديمة أكتب على جدران الغرفة
الجدران المؤدبة أكثر من اللزوم أريد أن أرجع طفلاً
على اليمين كانت لي الكثير من الأبواب والياقات البيضاء
وسجادة حمراء
اللص الذي كان يحمل كيساً كبيراً على ظهره
كيساً بحجم بطيخة صيفية
كانت قبعته طويلة وكان القمر كُرتَه التي مشى عليها
حين تنام النوافذ اقفز إلى شبّاك حبيبتك وقلبك يرتجف من عيون البوم
اسمع أصوات أنفاسها
وغنِّ لها بصوت هامس ..
هامس جدا فوق اللزوم أن كل شيء بخير
6
غداً سنأكل من صحن واحد ونشربُ من طاسة نحاسية واحدة ..
البئر الممتد في بساتين القرية وزّع علينا حبات البندورة و أسراب الجراد
لا توصد أبواب المدرسة بالسلاسل والأقفال الكبيرة
حين أكتب بالطبشور على اللوح
تضيعُ مفاتيحي في رنين السلاسل
لا توقف الموسيقى وأنا في العرس وسط ساحة القرية
الهدوء حزن القرويات الحلوات وقشٌ يحترق فيه الرحيل
للفجر الذي يوزع قطع قماش بيضاء وأحذية للرياضيين
سنركب الأمواج
لن تلتوِ أقدام البحر حتى لو ركض على جبهة الصخر
وعند المساء.. عندما تتوزع اكواب الشاي ودفاتر الشعراء
سنشعل ناراً هادئة على الجبل من حطب قريتنا
ذي الرائحة الحلوة كألف زجاجة عطر
غداً سنأكل من تلك الحلة الكبيرة التي طبخناها على نار هادئة
لا تقل لي تحب المعلبات والمياه الغازية
ولا تشرب إلا في كؤوس زجاجية
في الصباح الذي تأخر جداً على غير عادته
كعاشق تأخر عن موعده عندما وجد دكاكين الزهور مغلقة
7
عدت صغيرا سأسهر حتى الصباح ما
إذن تعالي غنِّ لي عن مواسم التوت و رائحة السفر وأغاني الليل
عن أيلول والحقائب المدرسية و فطور الصباح
عن القمر عندما يسكن زجاجة الخمر فيكثر المتسكعون وبائعو السجائر
كنجمة بيضاء يؤشر إليها العشاق ألمع وحدتي
تعالي وامسحي بيديك حبة الخوخ هذه و غبار الرحلات وأعمدة الخيام
منذ زمن أغني لا لأحد بل ليستيقظ الجيران
8
لا تخافي الجو جميل أمّا الغبار تعودتُ عليه
أصبحت شاحباً قليلاً بدلاً من القهوة أشربُ الليمون صباح مساء
أقف كالبهلوان وسط الشارع و الجروح
أجمعُ حزن العالم وأبدأ بتدويرها على إبهامي كالكرة
أطل أحيانا على الغابة كذئب فقد أنيابه يراقب ما يجري ويرحل
هل تعلمين في ذلك اليوم أكلت لحماً كان طعمه محلياً جدا
تقيأت عدة مرات كما تقيأت عندما مرّت بائعة اليانصيب قربي في كراج العباسين
حيث يجتمع الحليب والنبيذ وتفقد كل الشوارع أحذيتها
كانت تعتمر قبعة شتوية مرّ عليها ألف طريق
تصنع من الليل علباً فارغة وتضعها في حاويات المدينة
قالت إن الدجاج الذي نربيه تأكل بيوضه الأفاعي
لا تخافي الجو جميل وأن المطر الجميل الجميل جدا كأستاذ الموسيقى قادمٌ
و لن تلزمكم بخاخات الربو ولا الصيدليات المناوبة
9
ما دام هناكَ طريق لن تعرقل عربتنا الحجارة
عربتنا الملونة بالبالونات و قطيع الحملان وصناديق الحلوى
الطفل الذي جلس في أيلول رغماً عن حزنه
شمّر عن ذراعي الصباح
لم ينسَ أن دفاتره ورسوماته تدفأ يها الجنود وقت الحرب
وأن حقائبه التي احتوت على عروسة الزعتر وحبات البرتقال خبؤوا فيها القنابل
ابتسم وسحب الشمس من ياقتها إلى شرفتي
تذكرتُ أيلول و فرحة الحقائب المدرسية الجديدة
وأبي الذي لا ينام إلا على صوت المذياع وساعة لندن
ما دام هناك طريق أزرعُ ضحكة من مراعٍ و شتلات البندورة
وأبكي مع مواسم المطر
تنمو شجرة فاصولياء طويلة جدا وأبحث عن الغول الذي يسكنني
الغول الذي صار عملاقاً منذ أن تسلق جدار الحي القديم و سرق أسناني اللبنية
يداي باردة كجدران الغرفة
يداي ساخنة كرغيف الفرن
أفكر كثيرا وأعرف أن هناك طريق معتدل عندما يمر بائع الفراولة وحيداً في زقاق المدن
أشتري سلتين أو ثلاثة ولكن بعد أن تذوقها
تتلون شفاهي وشفاهكِ بالأحمر
لن تعرقل عربتنا شيء حتى لو انطفأت الكهرباء عن كل الشرفات
10
كان عليَّ أن أكذبَ عليكِ مرتين
قلتُ لكِ لا أحبُّ الصيف
يشتعلُ الصباحُ ولا أبحث عن أحد
أمسك الجريدة بيدٍ وبالأخرى رغيفاً ساخناً
أبحثُ عن بائعِ اليانصيب وأوزع أحذية لتلك الأقدام التي تيبّست من تسلق الجدران
كانت المصابيح أغنية الأجنحة
يؤلمني هذا الصباح أن أنظف مداخن المدينة
من حطب الغابة التي كانت أساسات بيوتنا
وكم كانت تدفئ خبزنا الأسمر في فرن التنور وأيدي الضيوف
قبل أن يستوردوا القفازات
كان يجب أن أكذب عليكِ مرتين هذا الصباح
إنه نيسان والكذبة بيضاء بيضاء جدا كصحن مهلبية في الصالحية
كالسحاب الذي مرَّ قبل قليل سريعاً
هل رأيته؟.... افتحي النوافذ هل من مطر؟....
11
من تركُ القمرَ وحيداً لن يأكلَ خبز الليل
كجندي على الحدود يغني
لا في المهرجانات ولا لحبيبته بل في حراسته الليلة
ستبقى أغانيكَ تهزها الريح و المناسبات
كشاحنة مليئة بالبطيخ تمر في حقول القرية
لن تقف لإشارات المارة
ستمضي تحمل البطيخ وبعض الجرائد القديمة
الطالب القصير في المقعد الأخير رفع يده
قلتُ له أن التوزيع في هذا العالم غير منصف
لم يصدق
سأل بفم كبير كأنه مضغ علبة كاملة من العلكة
في أخر مرة ُوقفتُ فيها على الشاطئ كانت السفن بعيدة كما وجه أمي
وبعض الصيادين جلسوا وجلسنا
كان القمر شهياً كقرص فلافل
ترك القمر وراءه كأم تنسى طفلها في السوق
سحبَ شباكهُ وأغلقَ كل النوافذ والأبواب في غرفة كمخبر طبي
نمت فيها بيوت العنكبوت وبعض المسامير الصدئة
شرّح كل ذكرياته فيها
تماماً كما طبخ الفاصولياء داخلها
من ترك القمر وحيداً لن يأكل اللوز في ليالي الصيف
سيملأ جيوبه بالملح
12
لا تفتحوا الأبواب في الليل حين يحين الصباح كل أبوابنا مفتوحة
نضع الكراسي الخشبية أمام العتبة في الفيء
للضيوف والقطط أثناء قيلولة الظهيرة
وحين تفتح النافذة في الليل
لن يطرق القمر الباب إنما يجلس في كراسي العيون
بدون استئذان كالحب الطازج
أمسكه من رقبته واصنع مثلجات من حليبه لكل الأطفال
الأطفال الذين سرقهم الحرامية حينما فتحوا الباب
في ليل غريبٍ كعيون الماعز
كانت تعويذة الليل بعضاً من كلمات علي بابا
بعضاً من أخشاب أبوابنا الدافئة
عندما مرّوا في الممر الضيق بأقدام حافية
13
أخبار مدينتي لا تسر ولكن سأحكي لكِ سراً
المدينة الممتدة كسيف دمشقي حولها الحبشي إلى مقصلة ليمارس هوايته
الحبشي الذي توزع كطالب ينشر القمل في المدرسة
وأبي يدخن كثيراً ويسمع الجيران سعاله في المساء
منذ أن احترق محصول جارنا في الليل
لم نجلب الماء وقتها قبضنا على من وزّع القبل
أما أنا ما زلت أشرب النعناع حين يصيبني الزكام واستنشق غبار المدرعات
ولا زلت على العهد حققت رقماً قياسياً بالأحلام
أصبحت ملياردير أحلام
يؤرقني أن العيد هذا العام سيحل في الصيف
يقولون لن نستلم الراتب
وأننا لن نستطيع شراء بدلة جديدة ولا دمى للعاطلين عن العمل
نسيتُ أن أسألك ما أخبار أمي ؟....
هناك سر أريد أن أقوله لها سر خطير جدا كأسرار الطفولة
لن أقوله إلا على سطح بيتنا ونحن نشرب القهوة
حين تمشي قطة جارنا الهوينا على الجدار وتنبعث رائحة ريحانة الدار في المساء
14
هناكَ كان ثمة صوت ما لم يكْ صوت الشاي المغلي
رغم غياب ضيوف المساء
بحث هناك ووقف قريباً هنا
كانت القوارب المبحرة في الليل كناسكٍ فقد كل تعويذاته
حين يهرم البحر ويصبح القمر عكازاً
جمعَ النجوم كحبات قطن في السلة التي تركها يوماً
في ذلك الكوخ الذي سرف فيه القبلة الأولى و بعضاً من حبات اللوز المسروق
كانت السماء قريبة حين مرّ بائع البوشار قريباً بعربته
لم يك هناك اطفال حوله عندما ركن عربته
لم يضع أحجاراً وراء عجلاتها
وحدها الأشجار التي بدّلت ثوبها حين مرّت الريح
كانت تدفئ أقدامه في الشتاء
بدت السماء كعاشق يرمي أحجاره في البحيرة
كان هناك ثمة صوت ما صوتٌ يملأ الغرفة بالدخان
15
بريئاً كأحلام الأطفال
أُلبس قبعة نومي الطويلة بعض المهرجين وأخفي فيها القنابل
مجنوناً كجدران المراهقين
أشمر عن عضلاتي المفتولة
أضع وشماً بكل الأسماء يخفي تشوهات الحروب
وحيداً كالعجائز أضع كرسياً أمام عتبة البيت
يأخذني العكاز الأطول من كنف جدّي إلى المراعي
التي كان العشب فيها أخضر
القارب الذي مضى وحيداً
قدّ من أغصان تلك الأشجار التي ظللت المقبرة
عندما نام جدّي ذات حكاية
جدّي الذي حزن كثيراً ذات مساء
عندما استيقظ ولم يجد أشجار الرمان في فناء دارنا
16
لي حزن مقدس أحياناً ولي صمتي الموحش كمقبرة في الليل أحياناً
ممتلئاً بالذكريات كجرة ماء
تعرفني الطرقات منذ أن فاضت بقطراتي
وإني لا أعجب وأعجب بتلك النوافذ اليوم
المذيعة الجميلة في النشرة الإخبارية قالت أن الخارج غبار
الأبواب الخشبية سخرية الريح وحطب المتسكعين
كانت الأشجار الأب الضال
وتلك الأبواب التي لا تطرق إلا لأهازيج المطر اهترئ خشبها
لي كل هذا الفضاء الجاذب كوجبة غداء عمال البناء
تجعلني أحمل خيمتي
17
تلك التي كانت على الشرفة تراقبني وانا أرمي أكياس القمامة
قالت لي أن الرجل صاحب حمالة المفاتيح الكبيرة
مرَّ من الجوار لم يكن يحمل الخبز
ولم يوقظ أزيز المفاتيح المرأة النائمة
المرأة التي نامت عارية في الشتاء غطت أولادها بفستانها
لم تسمع صوت الأزيز على بياض البلاط
تلك التي كانت على الشرفة وأنا وسط أكياس القمامة
قالت لي
رأيت صورتك في مجلة قديمة كانت هوايتي مثلك جمع الطوابع
لم أعد أجمع الطوابع ولا أنشر صورتي في المجلة
أنا مثلك يا فتى الحروب
أصنع شاهدات للقبور وفي أوقات الفراغ أبيعُ الحمام
18
كثيراً ما أقضم القمر كقطعة سكر
للأنين الممتد كسجادة في غرفتي أرسل قبرةً إليكِ
الشمس لا تكفيني وتلك الكوابيس التي خبأتها في نافذة الغرفة
تسلي جفون المؤرقين
العجوز التي مرّت أمام شرفتي قالت
ذراعك ليست قوية لا تسحب المسافات
في الصباح حين تمتلئ الأفران بأكياس الطحين
املأ جيوبك بالشوكولا واربط حزاما من القصائد حول خصرك
انفجر أمامها ..هي ما زالت تنتظرك
19
عندما غفا الليل الكاذب بعيداً
سرق القمر كحبة برتقال من بائع الليل المتجول
لم تعد المراكب عرس الغريب
للبحر فساتين عديدة و الموج حافي القدمين يبحث عن حذائه القديم
كان يلبس ثوباً أسود وكان البحر ضيقاً كضيف الليل
ما كان في جعبته حكايات عن الجن والحوريات وما كان للبحر خبز
هناك ترك قبعته ومضى مع الريح
المساءات الجميلة تقتلها قطعان القبعات
20
لا تحزن هي مازالت تحوك الصوف
الغرفة التي بنى العنكبوت بيته على أبوابها ما كانت صدأ الأيام ولا
أصبح ذئباً هكذا كما في أفلام هوليوود يقلّم أظافره الصدئة
منذ زمن لديه رغبة في عراك ماراتوني ربما يتقيأ كل الحروب التي ابتلعها
حين غابت حقول القطن وقطيع الماعز الأسود
لا تقلق هي ما زالت تحوك الصوف
بعض فناجين القهوة تفوح منها رائحة الغياب
لا مكان للكنزة الصوفية
المطر ملوث هناك عرس التراب
21
لم تكن طوال الوقتِ تصنع قوارب الأمل حين كانت تبكي
الماء الأزرق ورائحة ثياب أبي
الماء الأزرق ودمع أمي
لأحذية القوارب المسافرة على وجع الماء
صوت أقدام السجّان
كشرطي مرور أحصي الأصوات في حناجر العمال المتظاهرين
كل يوم أمر من نفس الطريق قرب المستشفى
أقنع نفسي أني سعيد
و أصنع من حقول القطن التي كان فيها الصوت أعلى
ثياباً بكل ألوان الربيع وقمصان نوم طويلة
حينما أتناسى أن أقدامنا حافية وأحذيتنا نسيناها أمام عتبة مقدسة
21
لا في الصيف ولا في الشتاء
ولا في الأيام التي تكون مدفأة الدكان خاوية من الحطب
تصبح الأمطار يقيناً حين تجري في الأنهار
أن السراويل التي تغسلها الشمس كثيراً تصبح بالية
لم أعد أشتر الأحلام ولا أبيعها
أقواس قزح التي ألبستني أحلام بكل الألوان
لم تخبئ جرّات الذهب خلفها
وحاجب القصر الذي راقب الحشد كتب روايات الفرسان والابطال
كان يقودنا بمراكب القمر البعيدة إلى أن يصفعنا النهار
طاف بنا العالم وعدنا لا نحمل هدية واحدة
ولا آثار قبلة حمراء على الخدّ
أخاف الكلمات حين تسكن الورق
وأخاف الأحلام
منذ أن رسمت ذات مساء حالم حلماً بحجم صخرة "الروشة"
كسرت نوافذ دكان أحلامي
22
أثناء الشجار الذي حدث خارجاً ثقب أذنيه بقلم الرصاص
ذاك الذي وضع فراشه في المراعي
كان يجمع المطر وبعض الغجريات
مدّ بأصابعه الناعمة دلواً إلى البئر
كي يروي قبور الذين ماتوا من العطش
كان الهروب بعضاً من رسائل الملل
وبعضاً من الغابة التي تحولت إلى خيمة إسمنتية
لم يعد يستطيع دق صدره كما يفعل طرزان
ترك غرفته التي نمت منها الوجوه والأيدي
لم يك لورق الجدران الأجنبي ذاكرة تنسيه حائطه القديم
23
ليلاً وكثيراً
بدأت فناجيني تتكسر لا تشربي الغياب
كان الماء مجرى الحديث وكنت مستنداً على الجدار القديم
لم يكن بائع البوظة يتجول بعربته
الحدائق لا تتسكع بعد منتصف الليل
لجدتي حكايا طويلة عن الثعالب التي دقت عنق دجاج جارتنا
ولليل ذراع طويلة على ثغر الحدائق
تعوّد على الظلال والمقعد الذي جلس ولم يجلس
هي وحدها الحدائق الحافية من سياجها
تمر على أزهارها أحذية العابرين
24
القمر يا أمي شاحب الليلة كحبة تين مجففة
للكرسي الذي بتر أرجله تمشي الأحلام
وتلك الفتاة التي تغزل الثياب الشتوية وتنتظر المطر
كان لا بدّ لها أن تمشي بحقيبتها حين يمتلئ الشاطئ بالصيادين
ذلك الوجه الذي يضيع في المرايا
يكسر نفسه
حين يسمع صوت القطار في غرفته
كثيرا ما يمارس دور القبطان على الموج ولا يروضه
يتعلم من المطر
يتدرب على الشاطئ مراراً ليلمس يديها المبلولتين
الأشجار كالنساء قالها ووقف
واثقاً كالبرق متغزلا أمام العلن كالرعد
احتضنها براحتين من مطر
كان القمر يومها كحبة خوخ
وكان للفرح متسع كعيون البحارة حين تمتلئ الشباك
25
يأتي الليل يخبئني ولا أخبئهُ
الطفل الذي ملأ وجهه بعلبة الألوان يأكل الطبشور
رسم حقلاً من القطن وكوخاً من الرصاص
للغبار المنثور بين الحقل والكوخ
أقدام جدي وبعض الأحذية السوداء
كان الحزن راقياً وكانت مراسم الفرح غير مملة
لم أعد أخبئ أحداً ولا ألعب الغميضة
منذ ان قالت لي سلمى تلك التي قبلتها ذات غميضة
الخزائن لا تحتاج إلى مفاتيح إنّما إلى لصوص
26
المدفأة التي ترمي فيها عظامك تدفئ أرجل العابرين على جسدك
أيها الراكض بين سنابل القمح
لا تروي الأمطار مواضع العطش حين تسبح في النهر
ولا تنفع مواسم الحب حين تفتقد الزهور
ارمِ عظامك في المدفأة الباردة وقل هذا الصيف لم يك..
هي قادمة بعظامها وشحمها ولحمها ستشعل في شتائك مدفأة حبّها
27
لا تصدقي إنه شباط أتذكرين حين كتبتُ لك أن الصيف طويل هذا العام
ويتأخر الشتاء
من غير الدموع لن تصدقي أني حزين ..
قطعان الذئاب تمر من زنزانة الموتى
تعوي في سكون الليل وتقطع هدنة الصمت
بائع المظلات ترك المطر ليبيع الضمادات وبامبرز للملوك
جف النعناع في بساتيننا
مسجونا في الأكياس يُباع في مولات الغريب
لا تصدقي أني صرت ذئباً يأكل قطع جسمه حين تمر ذاكرة الحمام
28
منهكاً من حقائبه
بجانب ظل الدكان الذي يستريح تحته المسافر
يجلس و يشرب زجاجة بيبسي
هكذا مترعاً بالأمل حتى الثمالة
يضع صوف ذكرياته في مخدة أيامه
الأحلام جريئة في وجهه جداً
رجل الثلج لا يهمه البرد
29
تلك التي جعلتني أفكر ملياً قبل أن أزرع النعناع
صدقتها كقروي يرى المدينة لأول وهلة ويصادق كل أضواءها
انتظرتها كمريض وحيد في المستشفى يراقب الباب
كما يراقب توافد الزوار لسرير جاره
قلت لها سأزرع النجوم إلى طريق بيتك
قالت " لا مطر في سمائي ولا سماد
اكتبني
قلت لها : حين أقتلك في قلبي سأدفنك في الورق
تلك التي جعلتني أفكر ملياً قبل أن أزرع النعناع في بساتيني
30
لم يرجع بالصباح
لم يرجع والصباح ملك يديه
يستيقظ الحزن وحيداً عادة
الظلام بارد الأطراف
دع الرمل يحترق وحيدا
تعابير الفرح صاخبة
لم يرجع بالصباح حين مد الليل رأسه من النافذة
محدقاً في صباح مجلس الحالمين
31
ذات مرة تكلمنا كثيراً وتركنا البحر في صمته وحيداً
لم نعد لتلك القوارب التي غضب عليها الموج
تلك القوارب التي صنعنا منها باباً للغرفة
يتسمر في الجدار الميت
يغسل مزاجنا
يجففنا حين نبتل
لم نعد للإبحار ولم نبحر إلى العودة
ذاك الشتاء المحموم من فرط الزكام يفتح بابي كي أرسل مراكبي
32
الليل يبتلع وجه المدينة كذّبتْ كتب العلوم
هناك ما تزال الديناصورات تصبح أطول قامة كلما نما الليل
تلك الديناصورات التي أخبرتكِ عنها ذات صيف سرقت من قريتنا كل العنب
توقف ازدحام السوق ودكان الإكسسوارات النسائية
كان الورد أحمر في ليل العشاق
قبل أن يصبح مواد غذائية لأفواه الجياع
لا شاطئ ولا رياح
لا مطر ولا هواء
هناك بعتُ كل مظلاتي
المدينة التي تقفد ذراعيها ها هي ذي تسرق قلمي
لأملأ الغرفة بالدمى وأجمع أسماء الرحيل
33
قد يأتي المطر بغير موعده في تلك البلاد التي وزّعت حبات الرصاص ليلة الوقفة
احترقت الدمى وتشوّه العيد
لم تكن لحبات المُلبس الطعم ذاته
ما عاد الفلاح يغني لرجولة معوله حين يستل عذرية التراب
فتى المناسبات عاد من دكان الأحذية السوداء
مرّ من فوق سكاكر الأطفال
جوقة الحفل بدون مزامير وحدهم بالصراخ
كان البكاء على قامات الوجع طويلاً
قد يأتي المطر بغير موعده في تلك البلاد التي كتبت عناوينها على وجهي
وقتلتْ ساعي البريد
34
بجوار المسجد القديم حين كنّا نتصدق الأمل
كان الخبز في أعيننا أكبر
وعجلة فيريس كانت تنسج احلامنا أمام مرأى أهل المدينة
اليوم وأمام كل المرايا القديمة
أعبر ُالطريق الشجري حين يتخدر ضوء الليل على الغصون
وتهتز أوراق الصفصاف من وقع خطوات الغريب
في مواسم الربيع تعلن الأزهار عن عشقها
حتى لو غرقتْ أرجل التراب بالطين
35
باع ما يملك منذ أن لفَّ الغياب الطرق التي أحبها
هذه رائحة خبز التنور وهذا الزمان لم يسافر
يا أهل القرية الطيبين للجرارات المنطلقة في حقول القرية حكايات
لا تجمعوا الصقيع في وجوهكم
هنا حوت الكنتاكي قرب جزيرتي الخضراء
وحيدة وسط بحار ومحيطات هائجة
هي ذاكرة الكستناء كلما قشرتها أصبحت ألذّ
36
تعبتُ من إغلاق الباب وحيداً
لم يغنِ جدّي للطيور بل للخبز
إذن دعيني أركض في الشتاء تحتَ محصول السماءْ
كي أرمي الظلال الكئيبة
شمس الربيع تطل من نافذة الغابة
هناك في ليالي القمر حين تمشي قواربنا وحدها بدون مجاذيف أو ريح
سأقف عن الركض عندها
37
النغمات العذبة من ناي حضورك تومض الليل
لاهياً بغوايتكِ ساخراً منّي
الشغف الطافي في عينيكِ المتوقدتين
يحرك أمواجي لتتراقص المراكب
هناك حين تقترب الشواطئ
38
عبارات الغسق تضيع في وضوح النهار وسرقات الليل
مقعد الحديقة جعلته حطب المدفأة حين اشتد برد الشتاء
كان لحضورك كالريح طيف لم يدركه البصر..
المغني الذي ينشدُ تحت المطر يهرب من المظلات السوداء
39
النهار ينزف والذئب يرتع
يتكاثر الغياب
المكان يصغر أكثر و الليل قريب
لا أثق بالغابة ولا بالظلام
منذ أن روت لي جدتي قصة ليلى والذئب
40
لسنا جبالاً يا أبي وإنما غيمٌ إذا مرَّ الدخانُ بكى
41
عاشها على سحاب الحلم وملاجئ الورق
بطل من مداد القلم رمى شباكه على حيوان الخطايا
خدعه الطين في موسم الجفاف حين توضأ الورق
الأخرس الذي تحدث عن الجمع أسكتَ الجميع
42
بين الشمس اللافحة والشتاء القارس تقفين كالربيع
على تخوم قريتنا حين تمر حصادات الشعير وتنبت سنابل القلب
سيتحول البارود إلى مفرقعات العيد
حينها سأقطف أزهاراً بلون كل الفساتين
وأوزعها على الأكواخ المترفة بالحزن
بائع الزهور لا يحتاج إلى دكاكين
43
هذا الصباح استيقظت لوحدي بلا سبب
دون أن أسمع خطوات أقدام الغرباء
أو صوت قطة شبقة تبحث عن الدفء في أواخر كانون
رميتُ مرساة عيني إلى بائع الكعك في الطريق
أبحث عن حوت يبتلع أغنية وحدتي
أو مهرج يبكيني حين يسقط عن كرته
هذا الصباح بحثت عن الشاعر الذي باع قصائده على الرصيف
حين ارتدى سكان مدينته ربطات عنق سوداء
44
لوجودك معي ضوء باعة الكستناء في ليل المدن الباردة
حين أنقلب طفلاً يمسك كسرة خبز على الرصيف
أرسم ابتسامة بحجم حبة تين على شجرة شاهقة تلمحها عيون المارة
مدّي يديكِ إلى صدر الشارع وسيري بي
الشتاء راحلٌ ونشرات الأخبار تيه الطيور المهاجرة
45
في ذاكرة حقلنا القديم
العشب الممتد كالحزن لا يدع الأشجار تشهق الماء
عند الطاحونة القديمة على الأرض التي غاب عنها المطر
رميت ُحبات الطلع
الهواء مرسال الهوى
لا تنحن رجولة المطر إلا لفستان الورود
46
إذا مرّت بثينة جاد غيثٌ
فإنَّ السحب ما سحبتْ بثينة
وهذي الشمسُ تغربُ يا بثينة
وما زلتِ للبعد بعدَ الثريا
47
لي مدني ولي أكواخي النحاسية
لي مائتي شجرة زيتون من تركة جدي
لي حطب فيسبوكي كعامل بنغالي يتسكع أيام العطل حتى الصباح
لي حبّكِ في القلب يتعبني حين أكون راكضاً
تعيش مدني تموت مدني ويبقى سكانها كالريح باقين
48
صابرٌ كالخشبِ أيها المحترق في المدى
صابرٌ كدمية في يد طفل
49
أنا الذئب الجريح ليس له سوى أنيابه
حين تتجول بندقية صيّاده
50
اليوم صباحاً المرأة التي كانت تحفر الباذنجان أمام عتبة المنزل
حفرت للموسيقى التائهة قبراً
اليوم صباحا المسافرة التي مرّت أمسكت يدي الباردة
أعطتني زهرةً وتركت السكين في حقيبتها
اليوم صباحاً كان للحلم ذاكرة السكين وأغاني الأمهات
51
حين ضاقت الشوارع والمسافات
وجدتكِ في جوجل
52
أحلامنا البسيطة يا أبي
أحلامنا البسيطة من بساطتها طارت عن البساط
53
قطة الحارة تقطع هدنة الليل والليل بظلامه السميك
الليل القديم فوق العادة يغني أغنية الطريق حين كنا
54
نحارب كل يوم مائة مرة كي نحيا
إنها حرب من طرف واحد يا صاح
55
أنا الطفل الذي شاخت دميته ولم يكبر
56
مرحباً يا زهرة الشمسِ
وأنتِ توزعين ألحان الصدى وبعضاً من دفاتر الطلعِ
أنين حكايا القطار البعيدة وأغاني الزقاق الطويلة
تجوب النوافذ المشرعة
أشجار الرّمان عارية والمساء ثوب كفستان سندريلا يختفي في الصباح
حافٍ أنا وحافية أنتِ ولكن لنا مداخن وشوارع المدينة
سننتظر عربات الأيائل الحمراء ومداخن الهدايا
هناك حين تحين الأعياد وتتحول أعواد المشانق إلى مقاعد مدرسية
سأعانقك تحت شجرة الزيتون أمام فزّاعة قريتنا
57
عربات بريد معطلة وقطارات هاربة من ظلال الأشجار
في مساءات الشتاء
وحدكِ حين تكونين معي تتعطل الحروب
البرق يعلن نجوميته في مسرح السحاب
أما قلبي اللاجئ في ملاذ حبك زنبقة ليلٍ يغذيها ضوء القمر
قالت الحكاية
58
على القبر الذي دفنت فيه أصدقائي أقف كأغنية كلاسيكية وحيدة
أضع زهوراً بدون رائحة
أشذب العوسج على أضرحتهم
وأخطئ مراراً في قراءة الفاتحة
59
المساء يرتلُ قصصه في كتاب المدينة
ومصابيح الطرق تشرح مفردات
ترسم ذكريات بعيدة
أما الصباح يا سلمى
الصباح كان يا ما كان
60
لمن كل هذا الطريق؟
كانت تكفيني حارة وشرفة حبيبتي لأكون سعيداً
لمن كل هذا العالم الكبير
العالم المفرح جداً إلى درجة البكاء
61
في المساء الممتد بحزن أضواء القرى
أعصر العنب تحت ضياء وجهكِ
على التلال الممتدة بكروم العنب
أرسم أطرافكِ
هناك وراء التلال حيث يستلقي البحر ويتراقص الموج
أكحل حاجبيكِ
وحين يمر قطيع الماعز الأسود على التل تغني جدائلكِ
البذرة التي قالوا إنها ماتت في التربة ها هي ذي تثمر
62
سألتُ "الأينَ" أينَ رحالُها
في قربها مسكٌ والدفء في أجفانها
بلادي زهرٌ شهيق ترابها
ابنةَ البلاد
وإن مرت أغاني الليلِ في معراجها
جماجم النجم لا تمحو جمال أقمارها
63
خلال ليالي شباط والشتاء المختلف
تستيقظ الريح في غير أوانها
الريح قطار الغيوم المسافرة
في الصافرة الرعدية صوت خلخال المطر
لافتاً نظر العشب الأخضر وجبال الريحان كي تغني
هناك حين جاء الحب على مهل صمتت الأشجار لتصغي
الشتاء الذي حل متأخراً رفع عن ثغر الخريف النقاب
64
جميلة كمواسم الزيتون في مواسم القطاف
تلتقط عيون الفلاحين والمطر
عندما تنطفئ أعمدة الدخان من خيام الغابة
تغسلُ يومي المتسخ على ضفاف نهرها
وقفتْ كظل الصباح وقالت
المناديل الورقية التي جففت الدموع كانت شجرة تضرعت للمطر
حين رفع منديله الابيض ورحل
65
ضوءان ومدينة والثياب المبحرة على حبال الغسيل
عندما يطل المساء تتوزع الكراسي أمام المقاهي والبيوت
للغياب حكايات
أوزع بطائق دعوة للتسكع
لاحتساء شاي الكرك كي لا تنام
وحين يتوقف بائع الكعك عن العمل تنام المدينة ولا أنام
ولا تصحو فيّ إلا حين يأتي المساء
66
الذين حملوا أحذية التزلج تزلجوا على العطش
مواسم العطش لا تنفعها المياه المتجمدة
العطشى الرائعون فوق المراعي المخضبة بالندى
على سفح الجبل ومرأى سكان الغابة
تلمع عيونهم على العشب الأخضر
مضيئة دروبنا الطويلة وأزقتنا الباردة في ليل المدن
عندما نشربُ ماءهم
67
كسرت كؤوساً كثيرة وحين تحطم كأسي الجميل
بحثتُ لعلّي أعيد الشظايا وأصنع كأساً جديد
وجدتُ كؤوساً عديدة
68
ذات شتاءٍ لم يبهجني ثوب العيد كما كان
مرّت الشمس من ثغر النافذة
كان للماء غواية في إبحار مراكبي
هذا الشتاء لكِ قوتُ قلبي كلما نفذ حطبُ الغابة
69
أغاني الحياة غريبة يا صديقي ..
الطفل يلهو بلعبته
الشاب تحت النافذة يكتب رسالة لحبيبته
الجرار القادم من دروب القرية يلفت نظر حمير القرية
الراعي الذي فقد مزماره جلس على طين النهر كان الماء أمنيته
رياح الشمال الباردة لا تجمد الأقدام المتوضئة بمواسم المطر
70
ملاجئ الغابة مبتهجة بعواء الذئاب
الغيوم التي خسرت في النزال بكت ذاك المساءٍ
وحده الطريق الممهد إلى البئر سالك
المسافر ملأ دلوه في الصباح
جين كانت فتاة القرية تملأ دلوها
الغيمة المبرقة أرهبت دلوهما بصوتها
السحابة الغاضبة لفتهما بثوب من مطر
71
أمي .. ..وأنتِ تجمعين الخبيز بعد المطر
لي حديث طويل مع الأمكنة
هنا بائع الجرائد ينشر حديثاً مريرا
الحزن مؤذن الحروبِ
لا أعشق هذا المساء شيئاً
أريد رسم ذاك الطفل الذي جمع معك الخبيز إبان المطر
ورحل
72
الليل في تشرين باردٌ رغماً عنّي
الليل يا أمي ثعلب سرق دجاج قريتنا
الليل يا صديقتي كانَ بعضاً منكِ
كان لصاً في قصصِ أمي
73
المقاهي المفترشة بالياسمين الدمشقي
الباعة الجوالون وبائعو السوس
اشتاقوا لدروبنا
سنعود ونربي على الغصن حكايا الغيوم تحت مظلة القمر
سنعود ونهزُّ الجبال كي نشم رائحة الزيتون
هنالك خلف حقلنا حين يمر قطار المساء
جميلاً كبدلةِ العيدِ
74
الليل الكاذب يغفو بعيداً أما العمق قيلولة أخرى
لا تنفع الأضواءُ يا صديقي فالجمعُ أعمى ..
قواربنا المحملة بعلب الحلاوة والسردين لن تفيدهم
..ما من أحد جائع
وحدها الشمس النائمة على سرير البحر
والنجوم المستندة على وسادة النهر
تدري جيداً ما تفعله الأمواج حين تمد ساقيها
75
تحت ظلال الليمون
قلتً لك يا صديقتي الشاحبة إن المطر قادم
فقط أشعلي النار ودعِ الغيم يكمل المفردات
76
تغلق السماء دكاكينها حين يغفو الصباح
في المساء حين تنتزع الضحكات كمسبحة فقدتْ أحجارها
يرسم الحزن وجه المدينة فأرسم وجهها
ويكتظ سوق قلبي بحكاياتها
تلك التي كيبنوع ماء متوج بالأزهار في أواخر الربيع
كنار دافئة في ليل الغابة
77
(يوم مجزرة جامعة حلب كلية العمارة)
الغربان التي سال لونها على بياض القِبرات أفقدت الصباح نكهة قهوته
الغولة التي غزت القرية ستصبح أضحوكة في قصص الجدّات
الغولة التي حوّلت الحقائب المدرسية إلى فزاعات
تسير إليها شموع العشاق في الربيع حينما تنمو الأهداب طويلا
وحين يصبح الوجع أطول قامة ستحترق أجنحة الليل بنار الفزاعات
ذات ربيع ستتعمر القرية بمكبرة الطالب الذي خرج من بيته يفحص أزهار الربيع
78
على المرافئ الراسية لوجه القمر ترسو قوارب طيفك
لصافرات القطار الراحلة في البيت الممتد على طرف القرية
تمر سكة طريقك
كجندي يعود إلى إجازة بين أهله أعود إليك متلهفاً
المزارع الذي لا يملك أرضاً يزرعها
ينتظر مطر الغابة
79
ليالي الشتاء باردة
غادرت البحر وأحرقتُ قوارب الذاكرة
80
الازدحام القائم عند إشارة المرور
المرأة التي تطبخ أمام عتبة البيت
صوت الأطفال في الحارة يلعبون الكرة
جارنا الذي يلعن زوجته صباح مساء
كلها أصوات تعيد لنا الذاكرة المنسية
81
الطيور الضائعة في الصباح دليل سياحي لقلاع الحياة
حين تمشط نافذة الكوخ البسيط جدائل الشمس
تغلق القصور نوافذها لتفرض حظر تجول الصراخ
تركتُ الشوارع المظلمة حين امتدت الشمس
و تحت شجرة الصنوبر بنيتُ جسور القلب
العيون التي لا تبصر خيوط الفجر تكرر أغاني الظلام
82
على الشرفة العالية كشجرة تين في قريتي
أمسك يدي الليل
لي فرحة كفرحة ألف عامل يحصل على حقه بعد الإضراب
حين تتقدُ عيناها
في غيابها أزور البستان الموحل القريب من كوخنا في أزيز الليل
لا يشتعل مسائي إلا وأنا أتتبع وجهها على نوافذ بيوت القرية
للجدران التي مدّت أيديها إلى كلماتي لا ينفع غسيل المطر
مظلة الحب لا تطير في الأزقة الضيقة ..
83
اللص الوقح الذي سرق القرية في وضح النهار
حوّل الاغاني المدرسية إلى أغنيات في مراقص الغجر
إجازات المطر تحرقُ المحاصيل
للراعي الذي يعزف على شفاه النهر أغنيةٌ
عن القمر الذي غرق في بطن البئر..
عن مطر المدينة الوحيد الذي ليس له سوى النوافذ..
84
الأغنية القادمة من حجرة جاري
قبلة من ثغر الماضي
لأمي أصوات عديده وظلال
جاري الجميل من كيرلا
يتوزع كمظلة ملونة في صيف وشتاءات كيرلا
في حشرجة المستشفى هنا يغني
تتوقف فصول الليمون عندما نزرع قمحا
يكفي الأفران ويشبع بطون الجياع
مستشفى زليخة 14/2/2013
85
الذين جلسوا تحت الظلال يسخرون من أحلامنا
في المقبرة المتربعة تحت الشجرة هناك حيث الغربان
أجهضوا أحلامهم
86
أمطرت طوال الليل وأهل القرية مجتمعين في إطفاء النار المؤججة
المسافر الذي سافر بدون حقيبة
مرّ من تخوم القرية و شرب من نبعها
المسافر الذي مكث بين سنابل القمح حرق سفنه وتدفأ بحطبها
المسافر الذي اغرورقت عيناه بالدموع
رسم طريقاً أحمر في صحراء دربه
87
بين رائحة الفلاحين وعطر الزيتون
الجرّار الذي قطع دروب القرية بخطاه الواسعة
أضاع الكثير من الظلال
كان مجيء الحلم حلماً
الأحلام جاذبية الحياة كي نمضي
88
تختفي الشمس وراء الغيوم في عتاب
لا تشعل النار في الأشجار كي تراني
أقلام الرصاص وصفحات الأوراق خيوط شعاعي
حطبُ الليل في النجوم الخائنة الطيف يعريها الصباح
89
الحروب تدمر حتى قصصنا الحزينة
هل سيعرفني بيتكِ وهل سأعرفه
كلانا يفقد ملامحه
أنا في حالة حرب وهو في حالة حرب
هذا المساء الماطر قال هذا ورحل
هذا المساء الماكر جلس هنا وجلس
90
الصوت البعيد للعربات السائرة في الطين لا تسمع صهيل الخيول الكستنائية
الريح التي ورطت المطر بهواها وأنجبت حفيف الشجر والثمر
أججت النار
لوجودك بالقرب أسمع صهيل قلبي
أستل قلمي من غمد أشجارك
ينشرها الهواء
وحين يشتد ندف الثلج أركض إلى كوخ قلبك
لأنسى أغنية الطين حين يخون ُ المطر
91
حين يشتعل المساء بلون البرق يسكن المطر
وحين أمر على قريتنا تسكن أشباح الطفولة الأكواخ المنسية
وبعض أقدام الطريق
عندما أتسكع في المدينة كالضباب ما من قمر يمد عنقه في شرفة السماء
وحدهُ حين أمر عليكِ أجدني طفلاً ابتل بالمطر
وصنع كوخاً من الطين تحت مرآة القمر
92
العصفورة الوديعة العينين إبريقُ الأماني في يديها
متلألئة كالشمس في رونقها
بهية كالليل
قالت لي :
لا بد لأسراب العصافير أن تطير حولك حين تفرد جناحيكَ
ضباب الشتاء يغبش مرآة القمر
والنار المؤججة في الحقول
يروي حولها عجائز القرية حكايا الحياة
نساء القرية بجمالهن يطحن الدقيق بحجر الرحى
الريح إنها الريح صديقي
الريح روح
العصفورة الحكيمة قالت لي
93
النجوم في السماء تبدو حبّات ليمون ناضجة بين أشجار الكستناء
كطفل يشعر بأنه غير محصن عن الألم
أقفُ حين تبتعدين
أنحني بصمتٍ لأحرث أرضنا
حين تمر رياح الربيع
ويخضر وجه الأرض خجلاً لتشقق التراب
أفتحُ النافذة وأبدأ التنفس في حديقتكِ
94
بعينيه المتوضئتين بأشعة الشمس العامل الهندي يغني للحياة
على الرصيف في الباص يسمع الأغاني ليغني للحياة
الأغاني محصول الفقراء لتربية سنابل الأمل
95
أنا يا موطني أنشودةُ الملحِ
فهل يا ترى في البحر أنساكَ
زوارقي من أشجارك قدّتْ
ولي في الخافقين ومضُ رؤياكَ
أكنتَ أنتَ أم ماذا أنتَ
عرائشُ الربيعِ في محياكَ
أبيتَ شواطئ الذلِ قاطبة
لك كل الاغاني وكل المجدِ أنتَ
96
لمْ يصدٌّقْ .. إنَّ غيماً في السماءِ
بعدَ أنْ سالَ الرذاذ ُ
قالَ: هذا جاء فضلاً من دعائي
يا جمالَ الغيثِ يا حلو المقامِ
97
كل الأغاني لها طعم واحد إلا
القبلة المسروقة
ركوب الحافلة بدون تذكرة
والنوم خلسة في العمل
الشارقة الناصرية بو طينة الفترة الممتدة بين 4/3/2012 – 22-4-2013
من القطارات يسطعُ وجه الرحلات
في المحطات تتماهى صورة الآمال
و يسير بنا القطار لتختفي في دربه الأشجار
الغيمة في المد تسرق ضوء القمر ينطفئ المدى
و الصبية الصغار ما أشقاهم..
بفم موحلٍ على أقدامنا الغائمة بالتراب يسخرون..
ما من مطرٍ في شارعنا..
بين سنابل القمح حلوةَ شقراء كانت يا ما كانت..
عرّاها المنجل
***
انتحر الليل على ضوء النهار تعرّت المدينة
مات العنبُ في عصارة الأيام تولّد النبيذ
احتسينا ما كان قتيلاً..
لماذا نخاف الانتحار على ضوء الحقيقة؟..
***
يسير بنا القطار و السماء تسرق لون الجرح من البحر
رحلة الماء شاقة..
تهجر السحاب لو بان للأشجار ضعف موضعها
رحلتي شاقة..
الشمس تلبس أهدابي: أحلم
القمر يكحل بظله جفوني: أحلم
يموت القمر تنام الشمس: أستيقظ
انتظرت بابا نويل ليصلني من المدخنة و ما في بيتي مدخنة
أمضي و مرادي زنابق و كوخ بسيط و حبّ الحياة
ولا أبتغي حرباً و مالاً و سلخ العبيد على اللافتات
***
من طين السنين يتناثر تراب الذكرى
الليل قريب من قريتي
و الصباح صبيةٌ هربت مع ابن الجيران
إلى أين يسافر القلب؟..
تجالسني حقيبتي في القطار
تلون صفحاتي بأقلام الشجن
فيصلبني صوت المغني بين العربات
بزيه الرث و عيونه المبتسمة و روحه الجريحة يغني
أغنية النبيذ العتيق و القمر الشريد و أغاني الشتاء
بإيقاع شمس النشاز
متى يتنزه الموت ليستنشق الموتى الهواء ....
***
يسير بنا القطار: كم يحمل نوافذ غليظة القلب..
ترى منها الحلم.. تعكس وجه الحقيقة
متعبٌ هذا المساء..
و قلبي حيٌ قديم يتصور أمامه سائح
آه يا قلمي يا مقصلة القلب..
ضاعت أمانينا بين مفترق المحطات
كل محطةٍ تنسج خيطاً قديمٍ من ثوب الذكرى
ما هي إسفنجٌ تلك الذكرى كي تمتص
هاهي ذي المحطة.. كم كذبتني الصفارة
مات اللحن تولدت الكلمات
لن تبق عارياً في الظلام سيلبسك الصباح
وأنت يا صديقي لا تقفز من القطار
انتحر على الورق فالانتحار على الورق شهادة
اسطنبول تركيا 6/1/2011
علامَ البكاءُ صديقي علامَ..؟..
زهورٌ ستنمو قريباً
ولو لمْ يحطّ السحابُ الرّحالَ
وإنْ لا يجيء الصباحُ غداةَ الليالي
هلالُ سيمحو سوادَ الظلامِ
*****
علامَ البكاءُ زميلي علامَ..؟..
سيجلو هدوءاً مخيفاً ثغاءُ الخرافِ
وعشبٌ نديٌّ يفوحُ العبير
يقولُ الحياةَ فتاةٌ جميلة
أضاءتْ سماءَ الذواكرْ
****
علامَ البكاءُ رفيقي علامَ..؟..
صهيلُ الحصانِ يفضُّ الغبارَ
يحيِّ الحياةَ قويّاً قبولا
فيأبى غروباً ضعيفاً محالَ
قدمنا ضيوفاً قضينا إجازة
فمنّا المنارة
ومنّا الستارة
ويبقى على رمشِ بدرٍ جمال تكحّلْ
وقنديلِ زيتٍ سيجلي سوادَ الطريقِ
إذا كنتَ تدري
****
علامَ البكاءُ نديمي علامَ..؟..
فهذي الحياةُ غناءٌ
دعونا نغني بدونِ النشاز
مواعيدُ حزنٍ ستمضي بنهرِ الدموعِ
بذورٌ ستنمو جذوراً ستغدو
جذورٌ ستفضي شجيراتِ ظلٍّ
فيا أصدقائي ..ورودٌ ستزهر
بعامٍ جديدٍ..ويأتي
ضياءٌ بديعٌ بصبحٍ وديعِ
إذا كنتَ تدريْ
****
علامَ البكاءُ شقيقي علامَ..؟..
عشيقٌ سيلقى خليلهْ
وينمو الهوى دقَّ ناقوسْ
وماءٌ ستقضي على النارِ إن استمرّتْ
ترابٌ يغطي رمادِ الحريقِ
خرافٌ عجافٌ ونبذُ الحياةِ
فليستْ سوى للذئابِ غذاءَ
سماءً كساها وشاحُ الغرابِ
وغابَ الضياءُ
فطيّرْ إليها سلام َ الحمامةْ
سنونٌ ستأتي
فإنْ كنتَ ترضى ولو لمْ
. إذا كنتَ تدريْ
***
علامَ البكاءُ حفيدي علامَ..؟..
أنا راحلٌ فوقَ غيم ٍ وراءَ الجبالِ
تذكّرْ غنائي
متى بانَ في الغيمِ برقٌ
وأكملْ غنائي بطيبِ الكلامِ
تراني على الغصنِ بين َ البراعمْ
هلالاً يراقبْ
وأطبقْ جفوناً تراني وميضَ العيونِ
إذا ما وددتَ اللقاءْ
****
علامَ البكاءُ بنيَّ علامَ..؟..
ففي الصيفِ تملى الأراضي ذهباً
ويغدو حصادٌ سوارَ البقاعِ
زمانٌ سيمضي ببسمٍ و دمعِ
إذا كنتَ تدري
سلاماً..بنيَّ .. وداعاً..وداعاً
فما للردى أيّ قبرٍ وما منْ جنازة
دمشق مزة اوتوستراد 16-7-2008
أربعة ُ أضواءٍ خافتة
مسرحٌ من الآمال
وسحابٌ ملَّ الانتظار
على سفحِ جبلٍ في بورصة
تتحركُ الأضواءُ في فضاءٍ ساكن
وتذكرُ النجمةُ خطيئتها في غير موعدها
حينَ تاهَ الطريق
تحتَ ضوءِ القمر
تنشدُ النجومُ ميلادَ السماء
الحفلة صاخبة والقلمُ هادئ
نسيمٌ ضائعٌ يشدُّ الضوءَ بحثاً
من النافذة يدخلُ
أوراقاً يبعثرُ دون استئذان
تردني الحكاية
وراء الجبلِ هناك
2
يرجعُ إلى الحياةِ
ويرجعُ
الجرحُ القديم
استيقظي يا حبيبتي
في الخارجِ هناك ........
في بورصة
الزهورُ أينعتْ
والربيعُ ضيفٌ يدقُّ البابَ بلطف
ليس وقتَ النومِ
ولا الوقوف أمامَ المرآة
كل المرايا كاذبة تكشفها الحجارة
تعالي
هدوءُ القريةِ قاتلُ
وكثرُ الجمالِ مؤلمٌ يا جوركْلهْ....
3
المطرُ فقدَ توازنهُ
هالاتُ الذكرى تنبعثُ في ليلِ بورصة
طريقٌ بعيدٌ وسيّارةٌ تسير
تردني
كاميليا أيها الألمْ..
هوامش:
بورصة مدينة تركية
جوركْلهْ قرية في بورصة
بورصة تركيا 20-5-2010
الذباب كثيف والمكان ضيق
المدينة الباردة..
المدينة الغائمة من بعيد
تسألني لا تتركني أنا الوحيد
والعاشق الصغير بزيه الرث
يبتلع الجثث ويلتهم العظام
ما من دماء على ثوبه المرقّع
السكين يتدحرج على الخاصرة
والبرتقال يتبول خوفاً
لا تسأل الموتى عن رائحة عطرهم
لا تسأل الموتى عن قمصانهم الفخمة
لا تسأل الذباب عمَ يفعله؟....
***
كالبحرِ أقف غريبا استقبل الضيوف رغما عنّي
كناطحة سحابٍ أرنو وحيدا
كالقبر استلقي حزينا أخبئ موتي
كمدينة صامتة لا تتكلم أضواؤها
كعلبة سردين فارغة أحمل زيتي
تتأملني ...
العيون الصامتة
العيون المترقبة
العيون اللامعة
البيوت الموصدة النوافذ والأبواب في الظلام
تقول لي لا تفتح جفن السؤال
حين يشق صدر المدينة ضجيج الضوء
وبعض شظايا الجسد
***
كثيفُ الألم كالعشب
هادئ الصوت كالبحر
موشكٌ على الغياب كالليل
أتأملُ القارب والمدن البعيدة
البحر والجزر المختبئة
تقلع طائرة الذاكرة
فأقشر برتقال حزني وأتلذذ بطعم الألمِ
***
كالمدينة المبحرة ...
كالمدينة البعيدة أراقب أضواء الرصيف
ومومساً تتكلم في هاتفها لتؤرخ يوميات فخذيها
كحافلة قريتي أحمل أكثر مما أحتمل
كعاصفة تبتلع النسيم ترد ذكراها كلما أمطرتْ قلبي
المدينة تتثاءب في عيني المشرعتين
فأذكر أنني ما زلت أحتفظ بذكراكِ
يتكسرُ قلبي فيزداد نضارة قلمي
الشارقة 22-11-2011
إلى الثورة السورية السلمية
ما زلتَ يا ذلُّ فينا زائرَ الذاكرة
والخوفُ زنزانةٌ فراغُها نافذة
أقلامنا كُسرتْ ..أوراقنا حُرقتْ
شبابُنا هجروا وعلمُنا سفرُ
قد جلجل الفقرُ والوهنُ آثارُ
قانوننا أعمى والظلمُ عرزال
من عاشَ مذلولا فحبّهُ فشلُ
ترمي السجون من أوتارها قيدا
لو ناح في القلم حر وثوار
تعبتُ يا وطني
أراكَ في حلمي
أنشودةَ الشجنِ
في صوتِنا آهٌ
قد حان موعدنا
للحرّ أغنيتي
راعٍ و مزمارُ:
***
صبري وصبركمُ اجتاحَهُ العارُ
يا ربّنا مدداً في الدربِ ثوّارُ
نحنُ البطولة والآهاتُ تجمعُنا
تحيا بلادي.. فبئس القوم إذ غدروا
اخلعْ بساطَ الذلِ عن ثرى وطني
الأرضُ إنْ طالَ شوكهُا هيَ العارُ
يا بيرقَ الحقِّ رفرفْ في العلا زهواً
الريحُ لو هاجتْ أحلاها أمطارُ
أدمى الكرى في جفونِ الزهرِ تنكيلا
أطالَ حَيْرتَها نواكِ عشتارُ
طاحونةَ الثورةِ زيدي لظى الغيمِ
تنداحُ شعلتُنا وَقُودُها الغارُ
اتركْ قصيدَ الهوى واكتبْ من البدءِ
في درانا جرحٌ والقلبُ إعصارُ
حبي بلادي أزهار وأمطار
أي الحدائق احلاها فنختارُ
يا شعب حمص والجراح تندمل
دروا علي أنا في روحكم دارُ
هذا سلامي نزف اسمه وطنٌ
صوت يداوي صمت قادة جاروا
واللهِ لستُ مشاغباً سوى إنّني
في الظلمِ حفّارٌ للحرِّ بحّارُ
العين 12/4/2011
من شرفتي أنا أراقبها
شرفتي كالجفنِ تبدو ستائر َفاتحة
حينما تُغلقُ تغدو حلما
وهيَ نائمة
فوقَ السطحِ تحتَ ضوءِ القمر نائمة
قد فقدَ القمرُ
شحوبهُ
ليلةَ نومها على سطحِ البيت
منْ بيَاضِ خدّها
تغسلُ وجهَها الملائكةُ
سابحةً هائمة
وهيَ نائمة
رموشها ستائرٌ للمسرحِ
تبكيني تارةً
تضحكني أحيانا
شفتاها إيقاعٌ يُولّدُ اللحنَ
تحكيْ لغزاً .. تنيرُ أحلاماً قاتمة
شعرها تطايرَ
مثلَ القطيع الحرَّ
هارباً من راعٍ مسكين
ساتراً وجهها
بفعلِ ريحٍ نسيم
تأوّهتْ من مشاكسته
ما عادتْ ساكنة
تقلّبتْ فدارتْ أحداقي كالبوصلة
ضحكتها كابتسامةِ السماء
لحظةَ قوسِ قزحْ
تبدو خلالها سحاباتُ الشجون ِ فوقَ الغصونِ تائهة
أهدابها نجلاوة
واللهِ حلوة
كاستراحة المسافرِ
أمام ربوة ٍكأنّها
سلالُ آلامٍ فارغة
جفونُها
ارتجفتْ كأنّها في كابوسِ دنيا رنا الواقعُ
أصبحتْ خائفة
***
وهيَ نائمة
أقفزُ حينَ تُحجبُ الرؤيةُ عني
واثباٌ كصخرةٍ من صدرِ البحر
كي أراها
يعلو فستانها بهزّة الريحِ
من تحتهِ
تبدو ربلةٌ كالصحراء أمردا
فستانها يهتزُّ
يضرمُ نار القلبِ تارة
يطفئ نار القلب حينا
إيهٍ يا قمر
انطفئْ الليلة
قد سُلبَتْ منكَ البطولة
انطفئْ لأسرقَ
من ثغرها قبلة
الليلُ أعمى وهيَ نائمة
***
وهيَ نائمة
تحرّكتْ أساورُ اليدين
خشيتُ أن تستيقظَ
آهٍ أساورها
دقّاتُ أجراس ِ الكنائس
ليلةَ الحداد
***
أرسلتِ السماء مكتوباً
عليهِ طابعُ الشمس ِ
أيقظني من على السطحِ وأنا نائمٌ
وهيَ مازالتْ نائمة
في ضوء ِ قلبي غافية
والليلُ يشدو قصّصا لاهية
حلب –الشيخ مقصود تموز 2006
في ليلِ ألانيا
نامتِ الأهدابُ الحلوة والضوءُ قتّال
وحدهم يسهرون ولا يموتون
إلا بعد ركوب البحر
صمت الكون صادر عن صلاة الفضاء
ضاعتِ الأضلاعُ وانتهت الأحلام
إلى ما تختفي؟..
سأرنو بعيدا لتقضي الحواس نحبها
في ألانيا آلتِ الحكاية إلى حين
إلى أن تقولوا ما أمسكتُ به ليس إلا وميض ضوء
***
على شاطئ كليوباترا في رمال المتوسط
يصطاد القراصنةُ رؤياي
هي أسطورة أخرى ليالي ألانيا
يا معبد الروح سئمنا الخطايا
لنجد الحكاية الثانية
ومن اشتقنا لهم في بحر الظلمات
في الظلام يرنو طريقي
أكل هذا النور والدرب يضيع؟..
وميض الروح أوقد الليل
يا ألانيا لم أكن وحدي الظلام
***
يرسم الغيم أرواحنا لا يراها إلا من رأى
يتعرى الموز والبلوط
هل كل عري شهي ؟..
هل كل عري موت؟....
يا ألانيا لا تتعري أخشى من الروح الظلام
للعظام أسطورة خالدة
أكان التراب والخيط واحد
وزهرة الخزامى أكانت تكتب الويل تويجاتها
آه ألانيا..
حتى الكلاب لا تنبح عند قدمي اليوم
الصباحُ آتٍ
ما بالي أضعت الوقت في جمع الحطب
غابتِ النصيحة
لم تتعلم الأسماك أن الطُعم موت
الريح ترسم ما تشاء
والغيم يلون على هواه
نقترب من الضوء تزداد العتمة
يا ألانيا لم أكن وحدي رياح
في ليل ألانيا
أبحثُ عن ليلٍ يلبسني
ألانيا تركيا 20/6/2011
بلدة ألانيا تابعة لمدينة أنطاليا تقع في الجنوب الشرقي من تركيا على البحر الابيض المتوسط
هنا في فنادقها الرخيصة
وأيامي الرخيصة كحذائي الرخيص
لنْ تجدَ البحر يهدأ..
الرمل يحتسي نخب الزبد دون الشبع
سفنٌ ورقيةٌ تسير في المدى بللها المطرُ
تبحرُ الأحلام..
"كيش" جزيرة تسكنها الأشباحُ وأقواس قزحْ
***
شبح "جيمس" ينامُ في الظلال
يرنو لمَنْ يتبولُ ليلاً على الجدار
و"يعقوب" يخدمُ الخدم ويسمع الأغاني ليغردَ للحياة
"سيلينا" تهزُ خصرها كزوبعة الصحراء تلتقطُ ما تيسر
"كيش" امرأة عاقر ثملة لا تنام
جزيرةُ الأشباحِ وبحرٌ فَقَدَ ملحه
هوامش:
كيش جزيرة إيرانية
جيمس شاب فيلبيني قُتل على يد تشادي من أجل مومس
يعقوب شاب يعمل في المقهى
سيلينا راقصة أوزباكستانية
إيران كيش 18-11-2010
في صباحٍ ممطرٍ من نزيف اسطنبولي
تنادمنا من الكرب كأسا
على طاولة البوسفور
أنا من جهة والقسطنطينية قبالتي
كؤوسنا كبيرة كأننا عملاقا حزن
سألني الصباح ساقياً : كم من الماء ستحمل
تفادت الريح سلامي وما وصلتْ
توضأ الصخر وأغلق الماء شكرات قطراته
هي صلاة سكرى
الزبد بلغ الزبى وصار الصدى مجازاً في صلاة العراء
جلستُ في عينيها محدقاً صمتُ ثم هززنا الكؤوس صارخين :
نخبكَ..
تغيرنا كثيرا ..
ونقل الهواء ما حسبناه راسخاً
إنها مواسم الأنين يا خافقاً ملّ الخمرة
وكان الغروب
قطيع أغنام شقراء تجتر من مراعينا خضار الذكريات
ضاع الراعي حين التمسنا عذر الغياب
بين الأهداب سالت الحكايا
خطوط السنين تفعل ما تشاء
عاصفةٌ هي الحياة والموت نزهة أبدية
على طاولة البوسفور كنّا المساء
أشرعة الفقراء متّقدة على حبل الغسيل
وشراعٌ بضج بالحياة تراهُ في بحر مرمرة نجما خجولا
تعبٌ أنا
وصيادو السمك أشعلوا القتيل
يحترق الخشب أكان رائحتكِ يا جدّتي
أكانَ حلماً حين أوقدنا النار ..
تعبٌ أنا والليل لا يفنى سراباً
لونهُ قاسٍ محاكٌ بإحكام
تعبٌ أنا
أينَ ظلك يا سمرائي؟..
سمراءُ يا ضياع الظلال
لم تخلقي للشمس إنما كان المساء
الأشجار في النزف جريحة أكان المطر قاسيا
الليلُ سمراء
راحلٌ صمتي تراني من رآني روضةَ الحب صمت الحياة
وحيداً
وحيدا تموت النملة خوف الوباء
فانتحر يا ليل وحيدا ودعنا للصباح
تصغرُ عينا السماء كعيني صبي منغولي مسافرة
في بكاء الطائرة
تراها تسافر
وتبقى أضواء احيائنا القديمة تسرح شعر السماء
في المساء
ينزف الجرح حين نغلق من أيامنا الساعات
تراها تضيع والزقاق واحد
تعب أنا
وقلبي مدينة مهجورة تفرعتْ شوارعها
آهٍ اسطنبول..
لم أكن سحاباً وما كنتُ مطر
أنا نسيم يهب على غصن غض أخضر
وكان القارب
على ظهر القارب أبحرنا
في مراكب القمر إلى اللجة تبدو اللآلئ
يطول اللحن والجائع يغني من معدته
مات رغما عنه مات في شهقة الأمل
ما كان شجرة ليكتب عن سفر العيون المحدقة
على ظهر القارب النجوم تضيع عرزالها
في سرير من سحاب
سقط الغطاء عن الزجاجة
بعد ما سيّرنا ما كان في الحلم خيالا
البحر متعة البحّارة
أكلُ البحار تستقبل بحّارة غرباء؟..
البحار لا تموت يا اسطنبول..
عدنا وعاد القمر
احتسينا أكبر قارورة حين كان القمر ضوءنا الوحيد
وحين كانت الذكرى عبارة
وحين وقفنا على أسرار الشاطئ
على الأطلال في بكاء الرمال
تخونني من ذا؟..
انعكاس ضوء من مرآة من النور تأكل
طاردتُها كنتُ الفريسة
تخونني من ذا؟....
قدما البحر مشلولة والرمل يراه غارقاً
تعبٌ أنا
وفي الفؤاد أغنيات وغايتي غدتْ غيمةً غجرية تغازلُ الأمكنة
تراها تسافر
سقطتْ اسطنبول..
سقطتْ اسطنبول منتشية من السكرة بين راحتي
أوصلتها إلى بيتها القديم بعد أن غنيتُ لها
أغانٍ أبكتني فيها
وأنا وقفتُ على الشاطئ
في التيهِ حددتُ دربي
اسطنبول مساء متعب 3/6/2011
في ليالينا الجميلة
فوقَ سطحِ الدارِ نامتْ
اذكرُ الأيّامَ تلكَ:
في أماسي الصيفِ غنّى
قمرٌ
فرَّ الشحوبُ
أحتسي الليل َ كؤوساً
وقبورَ النجمِ مرجاً
وأبي المذياعَ يسمعْ
وأماهُ الخيطَ تجمعْ
وأنا عنْ حبي أسردْ
للرفاقِ
تارةً في الأفقِ أشردْ
***
في ليالينا الشريدةْ
في رصيفِ الحبِّ كانتْ
شرّدتْنا ما مللنا
في طريقِ الأمنياتِ
كلُّ مَنْ يهوى ربانا
قمرٌ أغلقَ عينا
ما غفونا
في جدارِ الحي أنقشْ
اسمَ حبّي بالدواةِ
تحتَ أضواء الرصيفِ
يا جمالاً يا حبيبة ْ
صرنا ظلاً بعدَ أن ناءتْ خطانا
***
في ليالينا الحزينةْ
حينَ غادرنا المدينةْ
ابتعدنا.. في النوى لوناً رسمنا
هذهِ أنشودةُ الدنيا الأليمةْ
وينادي الحزنُ دكّا
اقتلُ الأشواقَ همسا
فيصيحُ الوجهُ غما
أصدقائي يسألوني
ما لعينيكَ الهموما:
لا تقولوا إنّهُ ليلٌ حزينٌ
إنّما خانهُ بدرٌ أطفأَ الصبحُ شعاعهْ
إنّني في الدربِ ماضٍ
حاضناً كحلَ الليالي
جارتِ الأقدارُ فينا
امتحانا امتحانا
حلب 8-7-2009
وزينب فتاةٌ من بلاد فارس
حاجباها سحابٌ على جبال زاغروس
وعيناها صباحٌ حزينٌ ممطر
وجهُها شمس ٌ حولهُ غيمٌ داكن
تربي على الوجوه أقواس قزح
على الشفاه الكرزية كلماتٌ إنكليزية
غيمةً تموزية تستجلي
وعطرها الباريسي يفوح من أريجِ لحظة تتماهى
يتمايلُ ثوبها الأسود متموجا يبني التضاريس..
إلامَ يتجعدُ الليلُ يا زينب إلامَ؟....
قالتْ: يا فقيرٌ ستهديني التراب وغيرك الإبريزَ أهداني
قلتُ لها: الذهب رفيق الجسم حينا وإنّ التراب خليلٌ سرمدي
أبوظبي 5-12-2010
رائحة الدخان تملأ السحابَ
الدخان ظلٌ يتمايل
الدخان راقصة في الحانة تتمايل
في جعبةِ من يختبئ المطر؟..
***
سلامات جدّي سلامات..
هل تعرفُ تلك البلدانَ البعيدة التي غابَ عنها الجراد
ونام عنها الليل
حقول الذرة نَمَتْ عند تقاطعِ الطريق
هناكَ على ضفاف النهر حين يولد المرءُ طفلاً مرة أخرى
آه جدي قلوبنا مملكة للجراد..
***
مرحباً جدّتي مرحباً..
أنا هُنا محترقٌ وصابرٌ كالخشب
صابر كدمية بين يدي طفل
أقفُ كقصيدة منسية في مجلةٍ قديمة
تحتفظُ بها مراهقةٌ
جارتُنا في الضفة الأخرى بصوتها العالي
تنشر لباسها على حبل الغسيل و تصيح مطر مطر
أولاد حارتنا أشقياءٌ يا أم مُطر
***
ألوان الفساتين الخريفية تخترق شوارع حلب والقلب
أما القلب يا بنات حلب لون أخر
والمطر أغنية ومسار
المطر ساعة انقلاب
الأكواخ الطينية تستعيد ذكراها الترابية
ويبقى المطر ابن للحريق
ليس بصلاة الاستسقاء وحدها ينزل المطر
***
نحن المساكينُ أبطالُ و كومبارسُ الحكاية
نقف كالفئرانِ في حقلِ التجاربِ
الأدوية بمضاعفاتها تسري بنا
الكلى أنهكتها مياهُ النهر وخضار قويق
العيون ذابتْ من انقطاعِ الكهرباء
الجسدُ انحلّ من ضرباتِ السياط
الحناجر كمدفأة مدرستي خنقتها الهتافات الكاذبة
ولكنّ ما زلتُ أتنفسَ
لذا سأشعلُ سيجارةً ليبتلَ جفن السماء
وأغني
في جعبة من يختبئ المطر..
قويق : نهر ملوّث في حلب تم مؤخراً تنقيته
الشارقة 24/8/2012
عنْ بلادي لا تَسَلْنِي
في فؤادي سَكَنتْني
يا بلادي هل أراكِ
بعدَ أنْ ناءَ شراعي......
هل أراكِ يا مرادي ......
يا حبيبةْ......
يا بعيدة ْ......
لوّحِ المنديلَ لوّحْ
أبيضٌ يا غيمُ أبيضْ
***
كَتِفُ القاربِ طافَ
وهلالٌ في السماءِ
ماتَ منْ كحلِ الليالي
صارَ درباً في الظلامِ
جذّف المجذاف جذّف......
أوقفتْنا هزّةُ القاربِ
كانَ القرشُ تائهْ
باحثاٌ عنْ أيّ قرشٍ
عائدٍ أو منْ دياره ْ
قدْ طعنّاهُ برمحٍ
قالَ: شكرا......
النوى لحدٌ بشوكٍ
دونَ أن يرتاحَ جسمٌ
في بعَادِ الأهل موتٌ
إنَّّ أقسى الموتِ غربةْ
عنْ ديارٍ في رباها
لحنُ عمرٍ وطفولةْ
رحلةٌ في الدمعِ.. أبحرْ
مالحٌ يا دمعُ مالحْ......
اتخذنا من غريبٍ
شاطئاً.. والبحرُ خائنْ
والمراسي في رمالٍ
بالذهابِ والإيابِ..ضيّعتْنا..
طالحٌ يا رملُ طالحْ......
تلّةٌ بانتْ قريبةْ
بصرٌ ظنّ الطريقَ
بالبساطِ الأحمرِ مدَّ فجذّفْ
لا تُصدّق يا صديقي
تكذبُ العينُ كثيرا
اِسألِ الأحلامَ عنها ..
اسألِ الليلَ بأيّ نوعِ خيطٍ
من قماشِ الكبتِ طرَّزْ
فلبسْنا الحلمَ ثوباً
دونَ كمٍّ ..فوقَ ركبةْ
فاضحٌ يا ثوبُ فاضحْ......
ترقصُ الأسماكُ ترتعْ
أيّها الملّاحُ هيّا......
فرمى الصيّادُ صنّارتهُ والطعم ُ يجذبْ
هيتَ لكْ يا من تصدّقْ
صادَ أسماكاً كثيرة ْ
كلُّ شيءٍ قد تبدّلْ
فالفريسة في دقيقة ْ
من بلادٍ لبلادٍ استقرّتْ
أوقفَ الجوعَ غريبٌ
جارحٌ يا صيدُ جارحْ
صوتُ آهٍ في الحناجرْ
في غروبٍ كالخناجرْ
حرقةٌ في صوتِ نايّ
منْ نواكِ ..منْ نشيدٍ ..منْ قراكِ
يا بلادي.. يا بلادي
مجّد الآهاتَ مجّدْ
سرمديٌّ أيها الحزنُ المؤبدْ
***
باحثٌ في غربتي عنْ
غادةٍ للحبّ نحيا
ربَّما أنسى رؤاكِ
خائباً عدتُ مكاني
فالجمالُ في حماكِ
يا بلادي يا بلادي
***
في الجوى صوتُ أنينِ
ذبحةُ القربانِ وَدّعْ
غيمةٌ أبكتْ سمائي
زارَها نفحُ هواكِ
حلوةُ الموطنِ ألقتْ
شالَها ..هيّجَ بحري
صائداً إسفينَ ذكرى
قلتُ هيّا يا قراري
وجهتي نهرُ الفراتِ
بينَ أحضانِ الحبيبِ
راحةُ الموتِ فهيّا
يا بلادي هل أراكِ
قمراٌ أحيا سمائي........
هلْ تريني يا مرادي
زهرةٌ تحيا رباكِ......
بعدَ أن ضيّعتُ قبري
راجعٌ ابحثُ عنكِ
المدى أسودٌ في ظلامِ الزقاقِ يضيء
وعينيَّ تتسكعُ عنْ نافذةٍ بضوئِها أضيع
ثائرٌ في جنوني يا صديقي
ما فكرتُ بالبللِ سابقني الغيثُ قبيلَ السحابِ
تقولُ لي وكمْ قلتها: هذا الجنوب
تمرُّ خطاي وترسمُ بوصلتي الرياح
ما شأني أنا
الصخورُ تكسّرتْ من حتِ النهر
ضاعَ الليلُ رثاهُ القمر
ماتَ القمرُ في ضوءِ الشجر
***
أنا المغني المتجول تراني في الليل عاريا
أمرُّ تحتَ النوافذِ شاديا
وإنْ توصّدتِ الأبوابُ في وجهي يسمعني مشرّدٌ حالم
الرياح وزعتني حبة طلع في الصحراء
حضنْتُها كسّرتْ ضلوعي
لستُ ككلبِ الدارِ أميناً على فضائحِ المنزل
وإنْ احتسيتُ نبيذاً من يدِّ العبيدِ أتقيّأ
دعني لليلي ودعِ القمر حبيب السهر
***
أنا صاحبُ الحقيبةِ وأغنيةِ شمسِ كانون
لا أميل لأفلام الحركة
لا تطلب عبورا منّي كالعربة
عينيّ تنتحر فيها الأكاذيب
لا ينفعني السحابُ
قلبي لا أشجار فيه
أغنيتي مقدامةٌ كإقلاع الطائرة تشدّني
عن الأقفاصِ تردّني
إلى النهرِ تجرّني
يا صديقي إنَّ الرياحَ لا تربيها العصي
ولا توقفُها الأشرعة
ستأخذُ القاربَ حيثما تشاء
عجمان 4-1-2011
حسناء حارتي روزا حلْوةْ
في الحارةِ توهّجتْ كالنجمةْ
أزهارَ الأمنياتِ للناظرينَ
أحيتْ
تلهو بنا كأنّها بالحيل
قوْس قزحْ
خصلاتُ شعرها بيادرٌ
إبريزيّة
مرّتْ أمام القلبِ
كأنّها ليمونةٌ في المشية ِ
قد جفّ اللعاب في فمِ الرجال الصامتِ(0)
على الرصيفِ مدَّ فسْتانها
يا فرحةَ
من داس َ
يا حرقةَ
من في هواها غاصَ
آهٍ يا روزا يا نجمةً في سماءٍ منطفئة......
***
حسناء حارتي روزا حلْوة
حلْوةٌ نعم ْ
لا تعرف الوفاء مطلقاً كما النجومْ
مستمتعٌ من راقبَ
لديها خصرٌ كالعجينْ
دارتْ عليه كالعصا راحاتٌ
قد أغلقتْ عينيها
فأسدلتْ ستارة الحارة برهةً وما بحالنا رائفةٌ
كمْ أنتَ فارعٌ
يا زمانْ..
..البرهةُ
كالسنةِ الضوئيّةِ..
آهٍ رموشها.. رموشها
أرجوحةٌ
تعلو بنا إلى السماءِ تارةً
تنزلنا لليابسةْ
أحياناً
وبعضهمْ تزحلقَ
بالصابون مِنْ على الأرجوحةِ
"برمودا"(1) عانقهُ
تضحكُ بعدها على منظرنا الغائم بالطين ولا تتوبْ
تأتيني أفكارٌ .. أسئلةٌ يا روزا.. منْ يفكّ هذه الرموز:
ماذا لو انقطع الحبل بنا ؟..
منْ قال إنّ الأبطال في ختام القصّةِ
لمْ يخسروا
مَرلو(2) قُتلْ
بُشكِنْ (3) هزمْ
شيلي(4) غرقْ
أرسطو(5) انتحرَ
كمْ خسر الأبطال في حارتنا..
***
حسناء حارتي روزا حلْوةْ
لها عيونٌ حلْوةٌ .. ها حلْوةْ
لاذتْ منَ حارتِنا تحتَ جناح الليلِ
وظلّ أشجار السرو
والضوءُ من شباكها متقداً مازالَ
معطفها رسا
ثمّ تدلّى
حبلَ غسيلٍ يعتلي..لا.. لا يسقطْ
مهما الرياح داعبتْ
في الليل نامَ فيهِ عتمٌ
والنور في الصباح فيه لاحفُ
آهٍ من وشاحها
محظوظٌ يا من أنا غيرانٌ من حظّه
يا من تسبقني يا ضبابُ
أغار منكَ عندما تلمسهُ
لا تبعدي كالبسمةِ..يا روزا
لا تبعدي
وجوهنا أدمتْها لجَجُ الآلامْ
والحزنُ يشهدُ السنين زورا
يا جارةً أرّقني بعادها
تعالي.. تعالي
أقداح الدموع نادميني
هيّا يا روزا هيّا عودي
وأخرجي البلّوط منْ لحائهِ
قد ملّ من سباتهِ
حلب –الشيخ مقصود غربي - صيف 2007
حواشي:
(0)استخدمتْ فم وصامت مفردة لدلالة في المعنى
(1) مثلث برمودا
(2) الكاتب والشاعر البريطاني كريستوفر مارلو الذي قتل في الحانة
(3) الشاعر البريطاني شيلي الذي مات غرقاً
(4) الشاعر والكاتب الروسي بوشكين الذي قتل في المبارزة
(5) الفيلسوف أرسطو الذي رمى نفسه إلى البحر إثر عدم اكتشافه تغير التيارات البحرية
هُنَا في المدينةِ أمشي بقلبِ عليلْ
أناجي أنادي الغريبَ
بليلي الطويلْ
وما من جوابٍ سوى صوتِ
نعلِ القتيلْ
هنا في ضياعِ المعاني تعيشُ الحروفُ
تماثيلَ ثلجٍ كئيبْ
هنا القبرُ دونَ الشواهدْ
أذوبُ وأحيا بحزني القديمْ
مللتُ المدينة
مللتُ المرافئ
مللتُ المطارَ
مللتُ الحقائبْ
فليسَ الرغيفُ إلهَ الأماني
وعشقُ البلادِ بنبضِ الإلهِ
سآتي إليكِ
أضمُ ثراكِ وأرمي التوابيتَ ذكرى
ليحيا الترابُ ويحيا القتيلْ
وعندَ المغيبِ أغني ليومٍ قريبٍ
لقاءَ الحبيبْ
****
قريباً قريباً ستجلو الغمامةْ
ويأتي الربيع بياضا بياضَ الحمامةْ
قريباً نزورُ البلادَ نعودُ ونروي
حكايا الشتاءٍ بليلِ البعادِ بقربِ المدافئْ
وصوتُ البَلُوْطِ سيمحو سكونَ العقودِ
قريبا نقول لما قد مضى سلاماً سلامَ
وهذا الزمانُ البهيجُ لحدِ البكاءِ
سيمضي بقهوةِ أمّي بسحرِ الصباحِ
ومذياع جدّي سيشدو الحياة ويبني صمود الشعوب
إذا الفجرُ لاحَ
قريبا نعود ونروي حكايا الغرامِ بليلِ القرى
قريبا أقولُ بوجهكِ أنتِ
احبّكِ اكثرْ
أحبّكِ حرّةْ
قطر الدوحة 8-2-2012
البحرُ يخلعُ قميصَهُ تكويهِ السماء
افتح ذراعيكَ يا مطر..
السعادةُ تخلعُ ثيابها، أتلبسني وهي عارية ؟..
ثمةَ غريب..
الليلُ قريبٌ ومنالٌ بعيدة
تسافرُ يا قلبُ باللهِ كفى
الليلُ غريبٌ والقمر صعدَ كتفَ النهر
النجمُ ترنيمٌ
القمرُ تسبيحٌ
السماءٌ مخاضٌ
الكونُ صلاة
وهي لا تدري
الليل كئيبٌ ورمشهُ طويلٌ في كانونَ
يُخيطُ المسافة
تتنفس أشجار البلوط النيكوتين
ويصيب أشجار الليمون فقر دم حاد
لا تعشقِ الموتَ إلا وأنتَ قبر
لا تعشق الغريبة إلا وأنتَ وطن
***
في غياب الشمسِ ..خفقاتُ قلب الغيث تزداد
العتمةُ عرافٌة قوراءُ الوجه تقلبُ فنجانها فيقرؤه الغريبُ
الليل كنزٌ ثريٌّ يسرقُ خزانةَ القلب
والظلام قناعٌ واللجةُ عمقُ
الضوء ينهار في الوجه ستار
آه يا ليل..
تبقى معشوق الفقراء ولوح الأماني البيضاء
سألتُ الفؤادَ : تراها بعيدة غريبة محالة ستصلى بنارٍ لتكتب نهاية
فردَّ عليَّ: على شاطئ البحرِ أجني الجمال
فكوني بقربي لنمسي المثال
بماذا تقكّر وماذا تغرّد؟
بهذي الثواني الحبيبة منال
الخزنة 4-3-2011
أغنّي لأجلِ البلادِ أغنّي
بشوقِ اللقاء ودمعِ التمنّي
خذِ الحزنَ أبعدهُ عنّي
فصوتيَ رعدٌ ووجهيَ برقُ
وما الحزنُ عيني
ولكنَّ دمعَ الحرائرِ يوقظُ حزني
فويلكَ منّي وويلكَ منّي
***
أيا أرضي زرعتُ القمحَ فيكِ
سقيتُ الترابَ بخطِ الجبينِ
وما ذقتُ يوماً رغيفاً لقمحي
فكنتُ الروابي وكنتِ المرابي
جعلتُ الحروفَ بنادقَ شعري
وما خنتُ يوماً نظام بلادي
ولكنَّ دمعَ الحرائرِ بلّ ترابِ السنينِ
فويلكَ منّي وويلكَ منّي
***
أنا يا شرقٌ من نادى آزادي
وما كان يوماً وشاح الذلِ ثوبي
ضياعُ الحقِّ مفتاحُ النداءِ
وصوت الحر زادي
قمِ الآن من نومِ الجحورِ
فمثلكَ مثلي
جدارُ الخوفِ واهٍ
وصوتُ الحقِّ نبنيهِ وأبني
فلا تبكي إذا طالَ غيابي
أيا امّي
هدمتُ القيودَ بأصواتِ لحني
ليحيا الأنامُ وابني
فديتُ الفؤادَ لأجل الأماني
بلادي نبضُ الجنانِ
4-5-2012
إلى صديقي جوان أرام
في غرفة محمد ريحانةٌ أسقي عبيرَها
تزرعُ فيّ الذكرى
فيها بعضٌ من العطر
فيها بعضٌ من عطمانو
يا من تعودونَ إلى عطمانو
خذوا فؤادي مقعدا
لأركبُ بجرار يعجُ بالفلاحين
إلى كروم الزيتون نمضي
وآهاتُ جميل هورو تنشي الجبالَ
الذكرياتُ الشاحبة في جبهة الغرفةِ
لا تعرفُ أن الورد أحمرٌ
يا عطمانو لستُ وحدي أنامْ..
***
من نافذة غرفة محمد
الثلجُ يطوفُ
إنهُ الثلجُ.. إنها الأرواحُ..
عروسُ السماءِ..مخاضُ الموتى
ثوب لا تخيطه إبرة النسيان..
تجمدت الذكرى في صقيع المستقبل
تسافر يا ثلج كلما ترنو
تنحل الذكرى
والذكرى مقتل الغريب
يتساقط شعر الزيتون ويبقى الوادي أغنية الراعي
والجبل أمل الغريب
يا عطمانو لم أكن وحدي الهيام....
***
قي غرفة محمد أحدّقُ في السماء
من وراء أعمدة النافذة ولكل عامود فصل للبصر
السماء رحم الطائرات
يتولد السفر وتتيتم اللقاءات فتتعقر المسافة
وتتولد عطمانو سماء فراشات
يضيق صدر شوارع المدينة بي
حين يشتد الألم ..
رطباً كجدار غرفة محمد أقشر ذكراي
يسقط قناعي تراني عارياً
في غرفة محمد تتعرى عطمانو رويدا رويدا ..
***
في غرفة محمد أغني في صدى الزوايا..
لمنْ كل هذا الطريق؟....
كان يكفيني شارع وشرفة حبيبتي ..
في هذا العالم المفرح
المفرح جداً إلى درجةِ البكاءِ..
أقف أغنيةً تسمعها ضجيج المدن..
قلبي الجميل
قلبي الرائع
قلبي الكبير كدبٍّ يموت
يا عطمانو.... ما كان صياح الديك سر السفر
ولا كان الندى كاهن البرقِ
وإنما صنعتُ من أشجاركِ القواربَ
والضفافُ مسألة أخرى مرساتها القدر
*عطمانو : قرية كردية في شمال سورية.
*جميل هورو: مطرب شعبي كردي من عفرين في سورية.
اسطنبول 2-8-2011
في حديقة شارع حمدان يجالسني
ظلّي والوقتُ على مقعدٍ خاوٍ
الأيامُ تمضي والمسافرون حزموا الغروب
في حقيبة اللقاء
في المدى ظلالنا تمرّ ..
الشمسُ تبدّلتْ
أصداءُ صوتِنا تحبو ..
الريح تغيّرتْ
صبيّةٌ صغارٌ.. كذّبني أنا
ألوانَ قوس قزحٍ يلبسون
بشعر مبللٍ بالتراب يركضون
بأيدٍ مطرزةٍ بالطباشير يتأملون
نافورةَ الماءِ بالحجارة يرشقون
يتراقصُ القمر..
يحفرونَ الأرض طيناً
تبحر سفنُ الأحلام وقبسٌ في السماءِ
يا وشاح المطر اِلبس حقلنا العاري..
***
كنتُ وكنّا قطيعاً يقودُنا الأمل
سكنَ الذئب راعينا تشتَتَ الليل
كنّا وكنتُ حباتَ طلعٍ وزعتْنا الريحُ
بحراً وصحراء و ترابا أحمر
ومرّةً احترقتْ قريتنا بشعلة حبِّ
تعرّتِ الأرضُ زرعنا قتيلة
حسبناها شيطانة رقصنا حول النار
كم توضّأ الطينُ على ساقيها
في حديقة شارع حمدان تجالسني حقيبتي
وأطفال سيحملون حقيبتي يوما
أبو ظبي 8-11 -2010 حديقة شارع حمدان
مشى في نفسيَ الشوقُ للقياها
ترى في الروحِ سكناها
محالٌ يوم أنساها
وأهواها وأهواها
سيبقى اسمها طيراً أغردهُ على ثغري
ويبقى طيفها رسماً ألوّنهُ بلوحاتي
سيبقى ذكرها شعراً فأكتبهُ
لجيلٍ قادمٍ شعري يرددهُ
منالٌ اسم ديواني
تراني صائد القبس بعليائي
فؤادي ينبض حبّاً
أيا ترياق شرياني
وأهواها وأهواها
وإنْ غابتْ جرى في نفسيَ التعبُ
كأنّي بلدة فقدتْ حواريها
هوى قلبي قد اقتسما
ترى جزءاً بسورية
وجل القلب في العينِ
منالٌ تكبر فيّ وهذا الاسم عنواني
وأهواها وأهواها
ألانيا 17-6-2011
بلدة ألانيا تابعة لمدينة أنطاليا تقع في الجنوب الشرقي من تركيا على البحر الابيض المتوسط
تتوزعُ فتيات إسطنبول
وتضيقُ الذكرى في عتمةِِ الألمِ
بين مفترق الطرقاتْ
تسلبني الحكاية
وتردني السيقان العارية
يمارسُ الليمونُ عادتَهُ السرية
على مسرحِ الباراتْ
جدرانٌ رطبة تعتلي الطاولات
يطلونها
والليلُ يكشرُ عن أنيابهِ دونَ البطولةْ
في الحانةِ تزوّجْ
أخشى الليل
وأهاب الظلام يا بناتَ إسطنبول..
وخوفي من الليل
كان يا ما كانْ..
أضيعُ في شارعِ الاستقلال(1)
حينما تطيرُ أسرابُ الحمام
للخبزِ ترجعُ تجدُ الجمالْ
تردني الحكاية
آيا صوفيا(2) يعلن المجدَ من بعيد
وجامع السلطان أحمد(3) يقف خجولاً بين ازدحامِ المارّة
آهٍ بنات إسطنبول.... ما أجملهنَّ..
أريجُ الزهرِ عطرهنَّ
قسماً باللهِ انتشيت فسلبتني الحقيقة
آه من آمالهنَّ
التي اعتلت المياه سفينة
بين إسطنبول الأوربية والآسيوية
تتوزعُ فتياتُ إسطنبول
وتتوزعُ الحكايا
آيا صوفيا: كانت كنيسة للبيزنطين وبعد الفتح الإسلامي تحول إلى جامع والآن أمسى متحفا.
جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق من اشهر الجوامع في العالم، له ست مآذن..
شارع الاستقلال: شارع مشهور بازدحام المارة وبالأسواق.
إسطنبول 28-5-2010
ستائرُ صفراءْ
وضوءُ قنديلٍ خافتْ
أصفرٌ ..أصفرْ
يُولِّدُ الظلالْ
تَحوكُ قصّصاً
علبةُ المسكّنِ فوقَ الطاولة
بقربِها كأسُ ماءْ
وصوتُ صنبورِ الماءِ يَنسكبْ
نقطةً ..نقطةْ
في الرأسِ ألمٌ
قد راحتْ السكْرةْ
خوفٌ من المرآةِ ينموْ
مأكولاتٌ ممدودةٌ على الطاولةْ
حوّلها الذبابُ ملعباً
هادئةٌ الأجواءُ
والجوّ هادئٌ
إلا من فينوسْ(1)
فينوس بفسْتانٍ رماديٍّ ترقص ْ
مارٌ هواءٌ ساخنٌ
من تقاطيعِ الجسدْ
كؤوسُ شايٍّ صفراء
من جفونِ دارما(2)
وزهرةٌ صفراء
اختنقتْ من قلّةِ الأكسجينْ
أتربةٌ تبلّلُ الكتب
كأنّه تابوتٌ مكدّسٌ بالغبارْ
***
ستائرٌ صفراء
ودفترٌ عذراءٌ يَرقبُ ريشةْ
ريحٌ تزورُ الغرفة
تدّقُ أجراسَ
عويلِ أرملةْ
غناءِ نعجةٍ بذبحها
شعرٌ ساقطٌ على بياضِ البلاط
يبدو كمصباحٍ منارٍ في الصباح
مواءْ قطةٍ شريدةٍ يدقُّ مضجعَ الهدوءْ
***
ستائرٌ صفراءْ
شمسٌ حارقةْ
لا تضيءٌ
الشبّاكٌ يَفتحٌ
نافذةً للدخانْ
يَستلُ منها حلماً
أوراقٌ صفراْءَ طائرة
تعضُّ وجهي بوشمها
أمستْ بصمةْ
وخوفٌ نفسي من نفسي يعلو الجدارْ
كأنّني في ثوبِ مرآة ٍ صفراءْ
وحدي
أشدو بلونٍ أصفرَ
ستائراً صفراءْ
حلب –السريان القديمة 12-9-2008
هوامش:
(1) فينوس آلهة الجمال.
(2)دارما متأمل آسيوي فقد القدرة على التركيز فقطع جفونه ويُقال إن من جفونه نبتت أوراق الشاي .
وعندَ مفترقِ الطريق
تذكّرَ الألمُ العتيق
أضواءَ أعمدةِ الرصيف
تتلوّنُ الدروبُ بأهدابِ الظلام
وتظهرُ الحقائقُ بعدَ الوابلِ
قوسُ قزحْ...أيا صديقْ..
تتبلّلُ ثيابُ غيمةٍ بأشرطةِ الدخانْ
فتخلعُ لبساً داخلياً لأرضٍ حرّىْ
يتناثرُ المتسكعُ الشريدُ فقراً
في فتاتِ عجلاتِ العربة
تتباعدُ المسافة القديمةْ
قوسُ قزحْ...أيا صديقْ..
يتوهمُ الزهرُ العبيرْ
لو زارهُ ضوءُ الأصيل
يتخدّرُ القمرُ الحزين
في وجهِ عاشقٍ شاحب
يتوهجُ المصباحُ ضوءاً فوميض
قوسُ قزحْ...أيا صديقْ..
يتماثلُ الوجهُ غراب
كلّما ابتعدُ العمرُ عن مهدِ السراب
تتماثلُ الخطواتُ ثكلى بالقفار
يتكاثرُ الصمتُ السرمديْ
يتكاثرُ الصمتُ السرمديْ
قوسُ قزحْ...أيا صديقْ..
بلا وجهٍ ولا أرضِ أردّد اسمكَ وطني
وهذا الحزنُ في الدربِ وهذي اليدُّ في الجيب
شروداً حائر الفكر أقاسي لجةَ الشوقِ
وأسرابُ العصافيرِ
تموجُ في مدى الكونِ أيا كردي..
***
سلاحي شمسهُا صيفٌ شفاهي بسمةٌ الصخرِ
خذِ البسماتَ من عيني
وإن بانتْ بذور الحزنِ تخضرُ
منَ الأغرابِ أسئلتي
بأي شباكِ صيّاد أرى بلدي..
أبي غنّى وكم غنّى وخبزُ الصاجِ في الفرنِ
بأن الجسم كالشجرِ فلا تنسَ جذور الأرض في الأصل
ترى منها عكيداً يرسمُ الأمل
وسجّل في دفاتركَ أقاصيص البطولات
صلاحُ الدين رايتنا
ولا تنسَ ضياع الحقِ في الغابةْ
كما ضاعَ ثرى جدّي
أيا أبتي وهذا الجسم كالشجر
ترى الحطابَ محتالاً وقدَّ منّا نيراناً
بليلٍ عاصف الهدبِ
الشارقة 15/9/2012