1
لا دكاكين عطر في حارتكم
إذن حدّثيني عن الغد
أعرف أن الموضة حزينة هذه الأيام
وأن اللون مفرقعة تكبر بأول شظية
وأنا لا أحزن كثيراً إلا حين أغلق باب الغرفة وحيداً
وأفجر نفسي حينما أفتح حقيبتي القديمة
كان القمر يزور قريتنا ويحمل في جيوبه قطع نقود العتيقة
لا تكفي الولد ليشتري قطعة حلوى
ولا أذكر أن أحداً من قريتنا كانت هوايته جمع النقود القديمة
كنا نبيع عشر حبات بيضٍ بقطعة بسكويت
ونعلق على أفخاذ القمر البيضاء أمانينا
أن نشتري جراراً يحرث الأرض ويحمل الفلاحين أيام الشتاء
لا دكاكين عطر في حارتكم
والقمر أحدب هذه الأيام كقطعة موز
وهذا العالم كبير كالغوريلا
مع ذلك وضعتُ ربطة عنق حمراء وارتديتُ طقمي الفاخر
وأعرف أن الطريق إلى بيتكم موحل
2
كان حلماً فقط عندما أمسكتُ يدك
سقطت كل الخواتم ونفضتُ الغبار
هل قلتُ لك إني أرجع طفلاً سعيداً حين أحلم بك
أفرح تماماً كما كان أبي يجلب لي بدلة خمرية في العيد
كل مرة أقول أني سأنام مبكراً وأترك المدن لحراسها
الصور المتساقطة كثيرة وأنا لدي أصدقاء كثر
كالنفط الاحتياطي في رميلان
يبتلعون صواريخ السكود
يعملون في معامل البسكويت ولا يتذوقون
وعندما يرسمون وحدتهم يشاهدون الإعلانات الأجنبية
لا أنام في الليل صار لي زمن لم أرَك فيه
حين يأتي الصباح أكون حزيناً
كشخص يرجع من الشاطئ عند المساء
يوضب حصيرته ويمشي كشجرة منحنية
كان حلماً فقط عند أمسكت يدكِ
ولكن لماذا لم أشعر برنين أساورك
تلك التي وجدتها على مخدتي وأنا نائم على الأريكة الخمرية
3
كنتُ أعرف أن القطار سيعود إلى محطته
وأن صناديق الفاكهة التي حملناها إلى المدن البعيدة
لن تعود إلا بالصراخ
في البيت الذي شمّرت فيه الريح عن سواعدها
ولكن ما لا أعرفه أن تبقى القرية خالية عندما تمر الحصادات
وأن يبقى بائع المزادات وحيداً يبيع أجهزة الاستقبال في مدينة لا كهرباء فيها
كان علي أن أستوعب دخان القطارات
وأن القرى الكبيرة تنفجر حين تأكل الخبز الحاف كل يوم
ما لم أستوعبه أن أمي حين كانت تنظف العدس من القش
كانت تحرق في أغانيها كل أسباب الحزن
كل يوم يلتصق وجهي بالنافذة تدنو مني سحابة بيضاء كوشاح صلاة أمي
لم أصطد الفراشات يا أمي
أذكر الذباب كثيراً والوحل
واللحاف الذي كنتِ تغطينني به وأنا صغير
أنفخ على البلور وأنتظر المطر
مسافرٌ لوحدي
حزين أنا يا أمي
حتى لو وزعوا علي بالرحلة عصير برتقال وجرائد مجانية
أنا أسعل كثيراً هذه الأيام وأزعج الجيران
4
لا يهدأ الليل إلا حين تشعل كل مصابيحها
تلك التي تحب أغنيات خوليو وأكل البوشار في الشارع
سحبتني من يدي وأخرجت علبة مكياجها وقطعة شوكولا
وأنا هنا جالس كطبلة العرس
من كثرة الأعراس لم أعد أشعر بالألم
أخرج من البيت في الليل ولا أسأل إن أخذت مفاتيحي أم لا
أبحث في المولات عن بضائع عليها تخفيضات
أشتري علبة شاي لأحصل على كأس مجاناً
لا أهدأ كثيراً
وحين يمر القمر كالشبح في الزقاق شاحب اللون
أجرح كل من يدانيني كالقصب الحاد
وحدها حين تشعل مصابيحها تروض الأفعى فيّ
وتحولني إلى ناي
5
قبل أن أقول لك إن سعادتنا برسم البيع
الموسم هذا العام ليس دافئاً
والعصافير التي تحب أشجار التوت
لم تنتظر المطر
مرّ الوقت سريعاً تماماً كتلك الغفوة التي تتلو منبه الصباح
والمدينة التي ركضنا فيها كانت تعج بالأحصنة
كان يجب أن نردم الخنادق كي لا تضيع سفننا الورقية
البحر أصبح طفلاً سميناً فقد زر بنطاله
في الصباح ألبس بدلة العمل وربطة عنق
كما كنت ألبس بدلتي المدرسية و«فولاري» الجميل
لكن أين تلك الخمس ليرات التي كان فيها عطر أبي
قبل أن أقول لك إني سعيد معك لا تغيبي عني طويلاً
أكره البحث عنكِ في هذا العالم الافتراضي
ولا أعلم إن كنتِ قد سمعت مثلي
أن غوغل يخطئ كثيراً في الأسماء هذه الأيام
6
المطر الغزير كشعر فتاة إسبانية
مطرك الذي بلل ترابي صنعتُ منه كوخاً طينياً
أختبئ فيه كلما تبللتُ
لن أحدثكِ عن نفسي
كثيراً ما تجدينني مبتلاً من أخمص قدمي إلى أعلى امتدادي
أبلل الغرفة بلباسي المبلل وأصنع بركة فيها
لا تجف ولا أجف
لم تعد الشمس كما كانت
أمشي في الأزقة المطرية
أشتم رائحة الرصيف المبتل كرقبة أنثى جميلة
هل تعلمين أني لم أعشق في تركيا شيئاً سوى زقاق اسطنبول والمطر
لا أنام في الأيام الماطرة أمشي كالمجنون
كأنه آخر يوم ماطر في الشتاء
هذا الشتاء الذي طال وغاب عنه المطر
لم يكن هناك رعد
المفرقعات التي رماها الأطفال الهادئون في العيد الكاذب
لم تجلب المطر
ولكن لماذا ركضت أمي إلى السطح
وأحضرت ثيابنا المنشورة على حبل الغسيل
8
أحبكِ لأنك تشبهين قريتي فاحفظي سري حين أسافر إلى المدينة
صار لي زمن لم أشاهد مباراة كاملة
ألبس الشعارات وأبتلع الهتافات
منذ أن تشاجر الفريقان في الملعب
واعتقلوا الجمهور
لم أعد ألبس قميص فريقي المفضل
قالت لي أختي هذا الصباح
إن أمي تنظف البيت كثيراً هذه الأيام
وإن الضيوف بأحذيتهم الترابية يدعسون سجادة بيتنا
تلك السجادة التي نسجها جدي ذات صيف مقمر
عندما كانت جدتي بمشيتها المقوسة تنقل الوسائد الثقيلة إلى السطح
لدي الكثير من الأسرار
والبحار هنا أرهقتها السفن
أعرف أنك كقريتي تخبئين أسراري حين يشتد الليل
وعند الصباح توزعينها على النسوة اللاتي يجلسن أمام عتبة البيت
بالمناسبة هل قلتُ لك إني
كنت ديكتاتور طفولتي
ألعب الكرة بالحجارة وأمزق ألعاب أولاد الجيران
وهل تعلمين أنك الآن حدقة عيني التي لا تصل لها الدماء
مهما امتد الجرح في جسد هذا العالم
9
البطاقة التي سقطت مني في السوق ربما
أو في القميص الذي وضعته أمي في الغسالة
يوم جمعة ما
كانت تقص آخر حكاية قبل أن أقص قالب الحلوى
لا تسألي الدخان الممتد كالشرائط في الأسواق المكتظة عن رائحة حطب القرى
ولا تسألي عن الذي مر عارياً في هذا الشتاء العاري
لمَ حدّق طويلاً في البطانيات الرمادية تلك التي رسمت عليها النمور
لم تغره الشفاه الساخنة ولا جوارب المومس الطويلة في هذا الشتاء الطويل
هل قلت لك إني أحب الحياة وحين أسهر مع الأصدقاء
أسرد ذكرياتي مع جارتي حياة
البطاقة التي سقطت منّي سقطت مني كما يسقط الجميع
لا تسأليني لمَ أضع يدي كثيراً عند عتبة الأبواب
ولا تطبقي الباب على أصابعي النحيلة حين تخرجين
10
لا أخبار عنكِ، إذاً دعيني أطفئ التلفاز
ولنحيا يوماً بلا نشرة أخبار
أحب المطر المفاجئ حين تفتح كل النوافذ والشرفات
لي قصة طويلة مع كتب الطالع والتنبؤات الجوية
العرافة التي مرت أمام عتبة بيتنا ذات يوم قالت :
أن جدّي سيتزوج أربع مرات
ويزرع أربع شجرات برتقال
وقريتنا تلك الجميلة كوشاح أمي والخشنة ككف جدي
لا تهطل فيها الأمطار
لا أخبار عنك ولا أذكر شيئاً إلا أني حين سألتك أين بيتنا
قلت لي أمامك الغابة لا تحاول طلي جدران غرفتك
الطحالب لا تموت إلا بالشمس
كان ذلك في الأسبوع أو الشهر الفائت لا أذكر جيداً
نشرات الأخبار تتكرر
كان متسكع الحارة يجمع العلب الفارغة ويغني بصوت عالٍ
حين يجد جيراننا الذين لا يخبزون طحين القمر
يرمون الطعام في أكياس القمامة
أما أنا فكنتُ أقشر لك البرتقال
وإصبعي ينزف بسكين جرحت بها يدي كثيراً
11
منذ أن دفن العالم قلبه في القبر الذي انتشر وسط أبنية مدينتنا..
لم تعد الأزهار تنمو
أما أنا أصبحتُ كسولاً جداً في الرياضيات
أؤمن بالأبراج والصدف
وعندما أرى الكوابيس المنتشرة في غرفتي كأعقاب السجائر
أروي حلماً قديماً رويته ألف مرة وأشرب كأساً من النعناع
المدينة التي لا أعرف عنها أكثر مما يعرفه المدخن عن النيكوتين
أخطئ كثيراً في الحساب
إذاً حدثيني عن البحر وحقول الفستق الأخضر
دعينا نحصي النجوم سوية
دون أن أتعب نفسي بعدّ القبلات المسروقة منها والنظامية
ولكن حين تغادرين لا تنسي حقيبتك على الشاطئ
هناك
رائحة سمك
زجاجة عطر
رقبة البحر وهو يراقب أغاريد البحّارة
أصبحت كسولاً في الرياضيات ربما أو في الجغرافيا
منذ أن أصبح العالم يشاهد نشرة الأخبار كأي برنامج وثائقي
يحكي عن السناجب وهي تخبئ البندق
ولكن ألم يسمع هذا العالم الأسود كعيني فقمة صوت البنادق....
12
أنتِ مثلي تماماً لا تجمعين الفطر غداة المطر
لكن لمَ كلما أمرّ قرب نافذتك أجد الرجل "كان "
الرجل «كان» الذي كانت نباتات الزينة في غرفته لا تنسيه الغابة
يضع ربطة العنق كل صباح كما يضع حبل المشنقة كل مساء
يغسل يديه من جرحه وحين لا يجد فوطة ينشف يديه بقميصه
الرجل «كان» خشب الدنيا لا يصلح إلا أن يكون قارباً أو كفناً
وفي أحسن حالاته مناديل ورقية للدموع ..
الغول الذي أشعل ناره في الكهف لا يشعر بالنجوم البائسة
تلك التي كحبات تين مجففة
ولم يشعر بالرجل «كان» الذي يمسح الغرفة مراراً
عندما تمتلئ برائحة الضيوف
أنتِ مثلي تماماً
تحبين أكل المثلجات في الشارع أكثر من أحدث أنواع السيارات
وتعرفين مثلي أن الفرح الجميل لا علاقة له بقوانين الجاذبية
أنا وأنت نطير ولا نملك من العالم سوى ألبستنا وحقيبتك الزرقاء
تلك التي كنت أضع فيها قصائدي وتخرجين منها تذاكر الحافلة
أنتِ مثلي تماماً لا يفصلني عنك سوى الرجل «كان»
وتلك اللحظة التي تغلقين فيها عينيك
حين أريكِ جرحي الذي أتألم منه كثيراً
13
الأشياء الصغيرة جداً تمر كل صباح كفنجان القهوة وعناوين الجرائد
السماء زرقاء وأغاني راعي القرية طبقة مختلفة عن الديناميت
منذ زمن لم أنم نوماً عميقاً ولم أستيقظ على جرس المدرسة
بائع البرتقال الغشاش باع ما زرعناه
وضع عليه ملصقاً أجنبياً
وقال إن هذا البرتقال أحضره العطّار على ظهر حمار
أو ربما على متن طائرة
كان يجب ألا نشتري منه حتى لو أصاب الزكام نصف أهل المدينة
المدينة خاوية وأنا لا أنام جيداً
جيوبي خاوية كثيراً
لكن لي بوتقة تذكر محاسني مهما أصبحت تنيناً
تمر كالشهاب تزود عربة شمسي بوقودها
منذ زمن لم أنم جيداً
كوني قربي ودعيني أنام
كما كنت أنام مطمئناً في بيت الضيوف
ووشاح أمي يغطي جسدي الصغير
14
المساء الغجري يحمل أوتاده من بقعة إلى أخرى
أما نحن نبيع الأغاني ونصنع المثلجات
كما كان جدّي يحلب السماء ويجر عربة مثلجاته
تلك التي هرب بها أولاد الجيران في مساء لاجئ
فقدتُ رومانسيتي تماماً
أحملُ مظلة تحت المطر
وحين تهديني وردة أبيعها لأشتري رغيف خبز
الشوارع تقول لكم إني أتسكع كثيراً
وأنا أؤكد لكم أني لا أدخل الأماكن المقدسة أو أزور البيوت
لا لشيء
جواربي ممزقة
لستُ وحدي
هناك من يزرع القنابل ولا يبيع المطر
محاصيل القمح الخضراء لا تحتمل الحصادة
المساء الغجري كتب حزنه قبل أن ينشف حليب القمر
إن الأشياء العابرة تربط المعصم وتمر
وحدها الأشياء الساكنة باقية
وإن العيون التي تغمض عينيها عن الحقيقة يصدأ الضياء في قعرها
ثدي الذئاب لم يرضع أطفال حارتنا
أما نحن
ضربنا حجارتنا ببعضها كي نوقد ناراً نتدفأ بها
احترقت مدينتنا
فقدتُ رومانسيتي تماماً بمن أشبهكِ بعد أن ذاب القمر
15
ها نحن ذا في الوقت الضائع
إذاً أغلقي النافذة
قلتُ لك لا الأرض تدور ولا الشمس
نحن من يدور ويتعب
وإشارات المرور لا تفيد الصباح الذي يغني للحقول
أما الحقائق لا تحتاج إلى معادلات
الغابة التي نقتل أشجارها لتبني
لا تلد سوى أطفال الربو
الخروف الذي لا يملك جرساً يثغو ليعلن حضوره
الغيم الذي وزع الصوف أفسد قطننا في الحقول
بعض الأمطار انتهت صلاحيتها
البحر الجميل الذي نعرفه جميعاً لا يحتاج إلى وسيط لنتعرف عليه
المطرب الذي سقط عن المسرح لا يتذكر الجمهور
وحدهم يتذكرونه
ولأنكِ دائماً متفائلة كدكان الألبسة الرياضية لا تقولي لي
غرفتك كمدينة ألعاب مهجورة
لا يوقف صمتها صرير الكراسي القديمة
ولا تقولي لي كيف بكف يدك الصغيرة ستعبر بي نهراً
16
يجلس على الشرفة وينتظر
لا لصوص في الطريق
إذاً دعِ النار مشتعلة
الحقل مازال بعيداً
أحلامه كوابيس وهم هناك يعيشون كوابيسه
لا يرفع غصن المدينة كل الأحباب
بعض الأشجار بدون ظلال
يتمناها أن تأتي دون أن تنتعل خفاً رياضياً أو كعباً عالياً
يريدها حافية كما عرفها حين أخرج المسمار من قدمها وجرح يده
يريدها حافية
في موسم الجوع لا تفيد نظرات الجميلات
يجلس على الشرفة وينتظر تاركاً باب غرفته مفتوحاً
يضحك
يذكر ضحكته الهستيرية في الحافلة
عندما كان يقرأ رسائلها
يجلس على الشرفة وينتظر
مازال يؤمن بأن هناك حوريات بيضاء لديهن أجنحة
17
لا شيء جديد أتابع المصارعة الحرة
وأضع رأسي في التراب كالنعام
هكذا لا أشجع احداً لا أبطال من مدينتنا كلهم يربحون بالغش
وصلتني رسالتك الأخيرة بكيتُ كثيراً
عندما عرفتُ إنهم وضعوا السم في البيوض التي كادت أن تفقس
لم يقتلوا الأفعى التي امتدت وسط الحقول بالعصا المدببة
تركوها ليتشاجروا بين بعضهم
لأول مرة تعجبني الصناعة الوطنية
الصمغ الوطني كشف الأقنعة جيدا
لا شيء جديد أنفش صدري كالديك
حين أتحدث عن بطولات التاريخ
واللكمات التي ضربت بها زميلي في مقعد الدراسة
تسأليني هل تصلي ....
ما فائدة صلاتي إن لم اعانق الأحباء وسط الحرب والدمار
ما فائدة صلاتي إن لم أقل لك حين تريد البلدية هدم بيتنا أن كل شيء بخير
ما فائدة صلاتي إن لم أوزع الأزهار على المارة
زهرة الجبل التي تعيش تجربة المدينة لم تعد تفوح منها العطور
18
كنتُ ساذجاً جدا قبل أن تمري بي
لم تعد تحملني قدماي
عندما سلبت من عينيك النظرة الأولى
كان سوق الحريقة يضج بالمارة وقلبي ينبض كشاحنة معونات
لم يكن معي سعر وردة كتبتُ لك على يافطة السوق
إني بردان وثيابي مبللة لكن سأعطيك شمساً لم تجففني بعد
لم تتعلقي بثيابي
أمسكتِ بلحية العراة
أنا لم أتغير أبدا ما زلت بقميصي الأزرق نفسه ولم أبدل حذائي
ولكن لمَ أصبحت قدمي ثقيلة
مهرج السيرك في المكان الذي تختزن فيه ضحكات العالم قال :
لماذا لا نوزع ثروة الفرح بعدالة وتنقلب موازين السعادة
سيأتي القمر هذا المساء
والبرامج التعليمية التي كلما ابتلعتها رميتُ جرساً من جيوبي ستعود
بائع الشموس المدورة يبقى مصيدة الليل
والغرف التي لا تتحرك فيها الأبواب يجب أن تدخل الريح إليها
لكن لمَ حين فتحت النوافذ سالَ الغبار في وجهي
الغبار الذي يشبه رماد الموتى دون ان يتطهر في نهر الغانج
كالغبار الذي التصق بلحية صاحب البيت
حينما حاولت سرقة زهرة من بيته
19
أنا بخير كل أموري طيبة لا ينقصني سوى الخبز على المائدة
لا احب الصيد رميتُ صنارتي إلى السماء بدا لي الضوء الخافت نجمة
كانت السماء كالقهوة ولم يكن هناك حليب
شرفتك عالية جدا كالزرافة لم تسمعي صوتي
وأنا لا أملك فكّاً قوياً كالذئاب
انتظرتك هنا حتى تستلقي و غنيتُ لك برنين أصابعي
كل شيء حولي فرص وأنا احب الهجمة التي أنظمها بنفسي
هكذا هي أمورنا تمشي
لدينا الكثير من الزيتون ولا معصرة في قريتنا
المزيد من دعوات جيراننا لن تمطر زيتاً علينا
وهكذا أنا بخير كل أموري طيبة ولكني
كالطفل الذي رحلت أمه لا تسعده كل دمى العالم
20
كأخر رشفة من النبيذ يقضي وقته معها
أهداها ولاعة فأهدته زوايا الغرفة المعتمة
يوزع القنابل من قبعته الطويلة أصبح
لم تعد تدفئ أذنيه ولا تخرج منها الأرانب البيضاء ..
مثلما قطعة قماش يمسح غبار النوافذ وأوساخ المنزل
كان قمراً أبيضاً نظيفاً ولكن الأمطار هذه الأيام موحلة
والأرصاد الجوية قفزاتها عالية استعداداً لكرة العالم
وهو لا يحب الكرة ..
يضع وسادة تحت قدمه ليصل إلى النافذة العالية
يحلم مع سيجارته الطويلة أن يتزوج امرأة طويلة
تطبخ له العدس وتنجب له أطفالاً طويلي القامة ..
طباعه حادة و الاشياء الصغيرة حادة المخالب ..
الرجل " كان "يختبئ في المغارة الإلكترونية كلما لاحقته وحوش الغابة ..
21
يا حادي الحرب غنِّ الغد جميل واكسر كل طبولك
عندي كافة أسباب الفرح إذاً لماذا الحزن......
البارحة قلت لك هذا وسأعيده غداً
على السرير المتوحش
على مخالب الحرب المقلمة
وسط كل أفراح الناس
على سطح بناء مازالوا يبنونه حديثاً
الغد جميل ..
هناك قائمة طويلة من الأسماء سأتصور معها
ما زلتُ صامدا
انا الذي لم يستهلك يوماً ماءاً زائداً عن حاجته
ولم يشارك برشق البندورة في إسبانيا ..
ما زلت أتنفس
أنا المدافع الذي لم يخف الكرة يوماً
تلقى عدة تسديدات على وجهه ولم يتذمر..
لم تك العربات ثقيلة ولكن كانت الأحمال زائدة
الغد جميل ..
لا أحد يموت في البحر الميت
قالها أحد المتفائلين وفتح نافذة بيته على المقبرة ..
الغد جميل
ولكن لا تنظر بعينين زجاجيتين
الرصاص يكبر بسرعة
الحرب وباء العام
عندما قطع الحطاب كل أشجار الغابة
من ذا يستورد لي ورقة اكتب عليها الغد فعلا جميل ..
22
للقمر الليلة حواجب غليظة
القمر الساهر كطفل لا يريد النوم في يوم عطلة
أجّل أحلامنا إلى وقت متأخر جدا
وزع عود ثقاب على المارة
هناك حيث تمسك الأم الإبرة وتغني
أغنية القمصان التي لم تكتمل ..
هناك
الثور الهزيل والعربة الفخمة ..
الليل يتوقف والطائرات لا تتوقف ..
ونساء القرية في المساء يحملن الوسائد الثقيلة إلى السطوح ..
لا أحد يلتفت إلى القمر وحدها أصوات الخلاخيل تشغلهم ..
القمر الساهر الليلة و هسيس الشفتين ..
القمر المسرع كشاحنة مليئة بالقش ..
يمر على ذاكرتي الإسفلتية
لدي أغنية الآن ولي خلخالها الذي ضاع في مساء غجري
غامضة كالسكر ..
واضحة كالسم ..
هذه الليلة الجديدة الغيم فيها قماط القمر ..
23
للتي تشبهني تحت عناقيد المطر
تتحرك كل الكراسي الخشبية نحو الباب
لا مجال للرحيل النافذة مغلقة ..
وحده ظلك عند عتبة الباب
لا تلتفتي كثيراً ..
الستائر التي جلست معي طويلا ها هي ذا شراع الرحيل
أرتدي الهواء كثيرا والقمصان الممزقة لا تنظف
هزّي كل الأراجيح وكأنه أول أيام العيد
فصول البكاء قادمة قبل أن نصل إلى أخر الطريق ..
قبل حالة الحرب القريبة ..
لم اشعر بالجروح المباغتة
رغم اني جرحت يدي كثيراً بسكين المطبخ
اليوم أشعر بمرارتها حين رفعتِ السكين في وجهي
قبل حالة الحرب القريبة
لماذا تركت الباب مفتوحاً حتى ضاع الأولاد ودخل الغرباء واللصوص ..
24
لم يعد الأكسجين يمارس الحب مع الهدروجين
ثمة قصص ماء معكرة ونهر كسول
كيف تثاءبت الأزهار المبتسمة عندما غفت الغيوم الكبيرة
الغول الأصفر علّق أرجوحته في أذني السماء المهذبة
في هذا الزمن الكيماوي ..
لم يعْد يشتم رائحة الشامبو من شعر حبيبته
تلك التي تحب جمع الأزهار وقراءة قصائد الغزل المكررة ..
حين يحدثها عن معادلات الكيمياء
يقول لها الوقت ليس متأخراً كي نعبر الطريق
كي نصعد على أكتاف الرصيف
نصرخ بأعلى صوتنا حين يلتصق المارة ببعضهم جدا
حيث لا مكان ليرفعوا أيديهم ويسدوا أذانهم
هناك
نركض على التراب المجعد دون أن تفكر بملابسنا النظيفة ..
هو ما زال يحب النوم في الفجر المبتسم
مكسوراً كغصن صغير على الأرض ..
لا يفكر في حوادث القلب
ولا أن يبهر النساء بساعة يده اليسرى ..
كيمياء القلب معادلة مختزلة هذه الأعوام
يخجل أن يبتسم
أصبحت أنيابه طويلة حدا كذئب سجين في محمية طبيعية ..
بعد ان اقتلعوا أزهار الحديقة
تلك الحديقة التي تتمرغ على ترابها الآن خنازير العالم ..
25
تاهَ في الصحراء يوماً عاشقٌ خبأ حزنه في سنام
كانت الأقدام ظل الجبال
عاشقٌ لم يعتد أوتاد الخيام
يمسك ذراع الليل يكسره ويكسره حينما
كان يغلق الباب في وجه الحياة
نظر إلى الضفة كأي حوت قديم
ما كانَ الصيادون على عادتهم هادئين
يعلو صوته على ضفة الخيال
يمر شراع القريب
يجذف إليه سفن السؤال
بعض العتمة الزائرة وبعض أغاني الحصاد
هنا صوت الكؤوس مأدبة الصحراء
ما زال فيها الفراغ
و هو
يظل ينتظر المطر وباعة اليانصيب
لا نوافذ للانتظار وما من حمام
الريح تفتح أبوابها كأي ماخور رخيص
نزوة لحفنات الرمل صوت حفلات الجفاف
ما من تراب تخبئ فيه أشجار الليمون
جذور البرتقال
يمر الفراغ في الكؤوس هنا مأوى الزبد
عاشق لثم كل جراحه ونسى
أن العيون وحدها طفلة الألم
يشرب مما خبأه كلما مر من أرض يباب
غابت الواحاتُ فيه وما غاب
ما كانت الصحراء عصية الرغاب
ولكن لا يخلع المطر فستانه
إلا لعاشق حرق عشقه القديم و هام
26
كلما تخطئ المدينة في دروسها
لا يعجبني حتى فستانها
أدير وجهي عن اللوح
أرسم على المقعد أو ظهر صديقي
يلتم الصعاليك من حولي
قرب الحائط البارد في الظل
أنا الطالب المنبوذ في المقعد الأخير ..
27
إذا أطلتُ لعب الغميضة لا تحملي حقائبك وترحلي
أمام هذا السحر هناك المزيد من عروض السيرك
الحصان الأبيض الذي أكل الورود الحمراء
لم يعد صهيله كما كان ..
والأحصنة الخشبية لا تنفض التراب
تدور كما دارت الكثير من الرؤوس
حين حكى مجيد قصص المدينة
أمام فرن القرية
أمام كل خبز الغابة ..
أريد أن أفتح أزرار السماء كل مساء
اشتقت للقمر تحت هذا السقف الضيق ..
إذا أطلتُ لعب الغميضة ..
لا ترحلي في ليالي الشتاء
حين يشتد البرد وتبقى السناجب في وكرها
لا ترحلي حين تورق كروم العنب
أريد أن نسرق من كل بستان حبة عنب
عندما تكون السرقة ألف مفتاح للسعادة
إذا أطلتُ لعب الغميضة
ذكريني بأن رقبتك طويلة والليل قصير ..
لكل هذه الحرب الطويلة
هناك مزيد من القبل العنقودية ..
إذا ما أطلت لعب الغميضة
لا تقفي كعصفور على خنجر دُق في ظهري ..
أمسكيني بيديك الدافئتين ولنلعب لعبة أخرى
بعينين واسعتين كحبتي زعرور أمام كل وحوش الغابة ..
28
تسير مركباتهم والغبار من نصيبنا
دعني أمحو اكثر مما أرسم
الأغنية لم تتغير ..
أكلنا على ألحانها من حلة واحدة
وهي نفسها نتعارك على أنغامها ..
ثمة من يؤشر بأصابعه نحوي
لم تك اقدامي كبيرة إلى ذلك الحد
ولم أطعم الذئاب يوماً ..
ثمة من يسمع صوت الرصاص جيداً ..
ثمة من لا يسمع نداء الندى هذا الصباح ..
أخاف مسائل الرياضيات والجبر
حين أجبر على حل المعادلات ..
الحطاب قتل شجرة والشجرة أعطت دفتراً ..
الشاعر كتب على الدفتر بعد أن زرع شجرة في قلبه ..
من يسقي كل هذا العطش ....
البحر قريب وماء الملح لم يعد يطهر القلوب
كأي زجاجة كحول رخيصة
العطشى ذوي الشفاه الجافة لن ينظروا إلى النساء حتى لو سبحن عاريات ..
تحاصرنا مركباتهم كرائحة الأسماك الميتة
وعندما ينفذ الوقود من مركباتهم كما ينفذ كل شيء ..
سنوزع عليهم كمامات للغبار و ينبوع ماء ليتوضؤوا ..
سنوفر نحن العطشى للذين سرقوا أنهارنا كل مستلزمات الحياة ..
الغد الجميل كوجه قروية في الصباح
لن يحمل الغبار ..
حين نملأ حافلات المدرسة بالوقود
ونوزع الجرائد على كل المسافرين حتى النائم منهم ..
بعد أن ينتهي هذا الصيف المزعج كضيف بدون موعد ..
29
ليس شيئاً جديداً هذا العيد ما دام أمي لم تخبز الكعك
كل ما أفعله أبحث عن البالونات الملونة وسط السوق
قبل أن تراني عين الصياد في هذا العيد القادم
لا طائل من المفرقعات وسط البارود
بعد شمس قصيرة وقبل القليل من الفرح
تنطفئ الأحذية الملونة
إنها موضة العيد هذا العام
الأحذية السوداء ظل الرصيف
كل خلق الله تتجمل أمام المرايا
والمحتفلون هنا يبدو تقويم أسنانهم جلياً
تقويم السعادة في العيد القادم وسط ساطور اللحامين
وأنا أدعوكم إلى التسكع على كل ما يجري في هذا العالم
أتوزع هنا وهناك
ربما هناك مساحة كي نحتفل بالعيد
مساحة للعيد
عندما نزرع أنا وأنت شجرة ولا نخاف أن يقطعوا الماء علينا
عندما ينتهي كل هذا الخراب دون أن ينفذ الهواء في الرئتين
دون ان ينفذ الهواء في بالونات أطفال مدينتنا
30
وماذا بعد كل هذا الحزن ......
المقاهي مغلقة هل كانت جيوبنا محشوة بالحديد
لتتثاقل كل الخطوات ..
الحذاء المتسخ ينشر الأوساخ أينما دعس ..
و السجادة الحمراء ترسم الحزن جيداً على وجهها
لا فائدة من الريح ولا سيارات البلدية تغسل الشوارع
الريح تقتلع أشجارنا
لا قوة في جفوننا كي توقف الغبار
أمام كل هذا المتسع من الألم
أمام كل هذا الوقت المستقطع من حياتنا
الريح تغيير
الريح سفينة العقارب
كان يحب أن نمشي إلى الأمام
كي تذوب ذاكرة الحفر
كي نمر دون ان نلتفت لصاحب الفنادق الرخيصة
التي لا تفتح أبوابها إلا للخدم
ماذا بعد كل هذا الحزن ......
الباب عالٍ جداً وانا أكره المرايا حين تبدو كل الوجوه بعيدة
يشيخُ القلب حين تشتري الكثير من الحقائب
أقنع نفسي كمذيع النشرة الجوية الطقس معتدل
الحلوى لم تعد تسعد الأطفال
ماذا بعد كل هذا الحزن ......
فوق النافذة يلمع طيف نجمة
يوم متمرد يجلب الابتسامة الغالية الثمن ..
حافياً سأوزع الابتسامة من حقائبي الكبيرة على الأرصفة النائمة
حتى لو كشف القمر جواربي الممزقة ..
هذا العام ضيق
ليس لي إلا كوبونات الابتسامة كي أوزعها
لا أحد يجبرني ولا أحد لي إلا أنه شيء وراثي ..
لا أمي كانت تقفل البراد ولا كان أبي يخبئ سترة نقوده ..
لم يبقَ أحد في مكانهِ لماذا نطلي البيت هذا العام ...
العام الشرس ككلب قطع قيده
أكل عظامي..
تلك العظام التي كنتُ سأصنع لكِ منها عربة بيضاء وفستاناً أبيض
الموتى ليسوا بخير .. ..
والقبور موحشة جداً حين لا تظلها الأشجار
لن تشبع غريزة السفاح الأضرحة الخاوية
وهي لن تأتِ ..
كمامات الربو لا تقيها رائحة الدهان.. ..
لم تفكر يوماً أنها لن تستطيع الركض بالفستان الطويل
كأي قبلة غير مكتملة في فيلم عربي ..
هي هكذا تمضي
ما زالت ذاكرتي على ما يرام
وما زلت أقلي البيض كل مساء
لكن لماذا الرجل الجالس فوق الكرسي الهزاز
لا يسمع صوت السعال فوق السرير ..
أصبحت الجروح كأي بضاعة مخفضة
تعرضها واجهات محلات الألبسة ..
مثلما سرخسة وحيدة في المستنقع
أبدو أليف الوجه
ربما تراني في طريق قريتك أو بجوارك في السينما ..
لذا دعني أفك كل ازرار قميصي وأهديك ألف وردة
وأنت حدق بي جيداً و أطلق علي ألف رصاصة ..
ربما أدفن الغول الشرس في قلب هذا العالم المسكين ..
32
في فرض حصار وأنا في فرض حصار الدار
كسجين يصنع المخارز والمسابح
أشتري لكم الهدايا وأعتلي الأحلام بخطواتي الضيقة
الحصار واسع جدا يا أبي وأنا أفقد الكثير من الأسماء ..
قبل أن تترجل عن حصانك فكّر في الأرض التي تدوس عليها ..
بيتنا صغير وعندما يستيقظ أحدنا في الليل
نخشى على أصابعنا المتعبة ..
تغيّرت ألعاب هذا العام وانقطاع الكهرباء
إذاً لنتحدث ..
منذ زمن أصبحت هوايتي كسر الفناجين
كل صباح يمر سائق الحافلة يحتسي معي فنجانه
أقرأ فنجانه ..
يحلم بأن يأخذ كل الركاب من الغابة
لكن الحلم صباحاً موجع والحافلة لا تلقط ركاب الطائرة ..
المدينة في فرض حصار وأبي يطمئن إخوتي
أنه في العيد سيشتري الحلوى وثياباً جديدة
و نزرع الريحان أمام عتبة البيت
وعندما تنتهي كل الفرائض وتصبح القلوب باردة كالفخار ..
بعد قليل
القليل كبسطات البندورة الممتدة في سوق الجمعة ..
سوف نزين سطح البيت بالنواسات الملونة
ونحفر بئراً يسقي أرض كل الجيران ..
33
خذلتني مراراً لكنني لا أملّ الحلفان باسمها
أحب ذاك الطريق الذي أمر به تحت شرفتها كل مساء
أما الحفر تعودت عليها
لا داعٍ لأعمال الطرق ..
أنا أرقص على الطرق الوعرة وغرفتي ممتلئة بالحفر
إنها الموضة هذا العام الثياب الحمراء والرقص من غير موسيقى
ثمة مقابر لا تتوقف عن إزعاج أحلام الموتى ..
أريد قطع الكهرباء عن المدينة كلها
وأحمل شمعة صغيرة حتى لو احترقت يدي ..
كأول مساء مررتُ به أمام بيتكِ
ركضت كما ركضت مراراً في حقول الكمون
وأنتِ تضحكين أمامي
هزيلاً وقزماً ..
أراقب المدرعات بعينين حمراوين كالدبس الذي تركناه فوق سطح بيتنا ..
لا فائدة مني هناك موت و زيزفونة
هناك لا تنفع العبارات ولا سلال الزهور
معامل الأحذية منتشرة بكثرة هذا العام ولكن المارة حفاة ..
كل مساء أمر قرب شرفتكِ
أصبحت هوايتي جمع الأشياء الصغيرة إلى أن تكبر فيَّ وتفجرني
كما يفجر إرهابي نفسه في حافلة مدرسية
عندما تغلق المدينة أبوابها الكبيرة
وتبقى الأشياء الصغيرة حزاماً ناسفاً فينا ..
34
ليس في أبوابنا ما يشبه السلاسل
من أين كل هذا الحديد......
الموت الذي استقر في قريتنا ثقيلاً كعربات القش ..
لا يميز رائحة القطيع ولا يشبه صوت أجراسه
الفرح الذي لا يكتمل
طرق أبوابنا
كأي مسافر مرّ باستراحة تبيع المياه الغازية ومضى
كالجنود الذين يقطفون أزهار قريتنا ليفرحوا بها فتيات المدينة ..
هناك كثيراً ما الفرح لا يكتمل ..
حين تشتري قميصاً ويتمزق حذاؤك الذي مضى بك إلى دروب وعرة ..
كأننا تغزلنا بالنسيم طويلا حتى هبَّ التراب على وجهنا
لم تعد تلك الأشجار العالية تنحني أمام قامتنا..
سيزهر اللوز قريباً وتتغير الكلمات
حين أملأ الكيس لوزاً وأرشه بملح اليود المحلي
ويخضر صوت الكعوب العالية ..
تلك المزركشة كالربيع في شوارع الصالحية
سيخرج الخلد الجريء من غرفته ..
وتتغير كلماتي الممتلئة كمحطة وقود
لا تملأ مركبات أحد إنما أرش بها أجزاء غرفتي ..
غرفتي القابلة للإنعاش والصالحة للحياة كأي صندوق مفرقعات ..
ككيس الخبز اليابس المعلق على الشرفة
سأتركها لأول حوذي حين يكتمل الفرح ..
35
كيف لكِ أن تصلي بحذائك العالي وبيتي في أعلى التلة......
أنا لا أستطيع النزول
الخريطة المعلقة على الجدار لا توصلني إلى حقول الزيتون في قريتنا ..
ثمة ذكرى سيئة للطائرات التي تقترب من أعشاش العصافير ..
خطواتي جلية كختم المخالفات ..
لن تتعبي في تتبع أثرها
كل مساء أعود إلى البناء نفسه
بيتي لا يتغير ..
على الدرج صوت سعالي
لا يوقظ الجيران المختبئين وراء الباب
ولكن حينما أضحك يتلصص الجميع من ثقب الباب ..
مفتاح بيتنا القديم صار صدئاً
متشائماً بلعتُ كل أقمار المدينة الليلة ..
أصبحت العودة كأي كتاب يروي عن أطلال الحضارة القديمة ..
كل ما عبثت به لم يبقَ منه سوى الابتسامة الموجعة
كأي أغنية حزينة
أسافر ضاحكاً
و أنظر إلى الأرض حين يحدق بي الركاب
في القطار
على الباخرة
في الطائرة
على ظهر الحمار
وأنا مسافر كثيراً أمام النوافذ البرتقالية ..
أحمل حجراً كتلك الحجارة التي تبثها وكالات الأنباء
ربما أنحت عليها حمامات
وأرسلها لك سراً مع أول بوسطجي
لا يلبس أحزمة حديدية
يدخل المطارات بدون تفتيش
عندما تأتين حافية
دون ان تخشي أن يرى الجيران طولك الحقيقي ..
36
أيها الليل حدق طويلا بعينيك السوداوين ولا تنم
على عادتهم يخذلوننا دائما
يعرضون الإعلانات أثناء التقاء البطل بالبطلة ..
الريح التي تركض اليوم من الاسطبل ليست من جياد جبلنا ..
الريح التي تهب من الشمال نظيفة معقمة بالأملاح
لا تحمل كبوة الرمال
هو نفس الوقت الذي اقتربتِ فيه مني
كان الغروب
وكانت القامات طويلة والأحلام واسعة ..
لم يكن هناك وقت لا للحزن ولا للأشياء الأخرى ..
هي نفسها تلك التي كانت تؤنبني كلما سرقت من خدها وردة
لم تعد تبيع الورود ولا الأشواك
تبيع الحمام في مدينة لا نوافذ فيها ..
هل كانت الشمس حناء العروس حتى غادرت كل عرائس مدينتنا ........
37
كل شيء لذيذ غداة المطر
الخبيز الأخضر ومراعي قريتنا
أنا وأنت حين نبتل تحت المطر ..
نتسلق شجرة تين عالية عندما يبدو كل البشر والوحوش أقزاماً ..
أضعُ رأسكِ على كتفي وأتحول إلى عملاق ..
في هذا العالم المجنون كمحطة حافلات ..
كل شيء لذيذ له ثمن
ليس كل برتقال السوق من شفق الساحل ..
ولا كل الموز تشرقه أيادي الفلاحين في الصومال ..
هناك ليل بلوطي وراء المحيط
يبيعوننا صناديق التفاح ويهدوننا حفنة رصاصات مجاناً
كل شيء لذيذ بعد المطر
ولكن لمَ لا أشعر إلا بطعم البلوط المر
أنا منذ زمن أمارس الرياضة كي أعانق المطر بأكتاف قوية ..
في هذا العالم المجنون الذي لا تهطل فيه الأمطار إلا بعد احتراق الغابة ..
38
خلف كل هذا الليل ما زال يزرع القطن وينتظر
والشوارع القريبة كالحزن والواسعة كجبانة القرية ..
ممنوعة عن خطواته ..
الحفلة لم تنتهِ ولكن أين اختفت الموسيقى خلف كل هذا الليل ....
لا يتذكر أنه فعل الشيء نفسه ذات مرات ماضية
استيقظ بدون ساعة منبه ..
نام دون أن يسمع أغنية ..
خرج من البيت دون أن يقفل اسطوانة الغاز ..
قرأ كتاب تاريخ دون أن يلعن ..
شاهد نشرة أخبار دون أن يدخن ..
من الممكن أنه بدأ يتذكر
كلما أمسك يدها أراد أن يغفو بعمق
حتى لو لعب أولاد الجيران الكرة في الطابق العلوي ..
وأنه حين كتب لها ولكم غن حماقة السنين
من القلم الإستيلو الذي سرقه من حقيبتها
قالت له ما أجمل قلمك ....
كل هذه الأمور التي شاخت من القدم تحدث اليوم ..
ما عاد هناك قلوب ينبت منها القطن
وخلف كل هذا الليل حقول من العدس الخشن جداً ..
لم يعد للأسماء أهمية كبيرة
أسماء الدلع التي انتشرت في السوق توزع كل الليل ..
39
أتلو وصاياها الكثيرة جيداً هذه الأيام و
بذاكرتي النشيطة كدمية مرمية في الحاوية ..
قالت لي وهي تقشر البرتقال وتلوك الزمن :
الخبز الذي نأكله لا ندرك أنه منتهي المدة إلا حين نتقيأ
والأحذية السوداء لا تشعل الطريق ..
وحدها الأرجل الخشبية فتيل الطرقات
حين لا تنفع كل أشجار المدينة ..
لا تقشر جلدك كثيراً الغبار يملأ عظامك ..
قالت وهي تسحب جوربها الأسود الطويل كالليل المخيم على الغابة ..
لا تغلق الأبواب أمام بائعي الزهور ..
الأزهار الجميلة تنتهي مدتها بسرعة
حين يصيب السعال أنابيب المياه ..
كان العكاز الذي تحت يدي أغنية القش
تلك التي سرد قصصها قطيع العشب الممتد ..
والانتظار لا يكشف الأغاني المختبئة
حملتُ سترتي
ونفضت عنها أخر قطرات المطر والعطر القديم ..
حين أريد أن أتذكركِ كما كنتِ أيام زمان
مليئة بالحياة وزجاجات العطر
ألبسُ ثيابي القديمة كالفزاعة
وأجمع كل عصافيركِ التي غادرت وجهي ..
أنا متعب فوق ما تتصورين
حين أدفع فاتورة الكهرباء
أذكر أنني أدفع الكثير من الفواتير دون أن أشعر بها ..
وصية نائمة
تمر الآن إذن اتركوني
أجلس على الشرفة ريثما يمل القمر وصاياي ..
40
تجولت كثيراً في الغابة أصبحت عنيفاً ..
في مساء نشر القمر أحاديثه على حبل غسيل السماء
لم تجف قلوب العشاق
ولم تكتفِ السماء البرتقالية بعصير المطر
إذأ وجبات السفر والقطار الخارج عن القانون
لا ترجع النبض إلى قلب الطريق
هذا المساء يحتضن عواء الذئاب وصوت كلاب الصيادين
العصافير الملونة باعوها في الأقفاص خارج الغابة
أصبحت عنيفاً لم أعد أكتب الرسائل ولا أسرق القبل
كل العناوين تغيّرت ..
كنتُ دائماً أستمع للعجوز الجالس أمام عتبة البيت
الذي يفكر بوصيته وبعينين ذابلتين كقطعة تين مجففة يذكر حبه الأول ..
وكم كنت أجلس مع الطفل الذي يحلم أن يشتري دراجة
ويتمارض صباحا كي لا يذهب إلى المدرسة ..
الناس متشابهون هنا ..
ليسوا صغار العيون كأهل الصين ولكن متشابهون جدا ..
وحين يتركوني في الفلاة وحيداً
بقلب أخضر كحقول الأرز
أركض وراء الفراشات..
وأكتب بقلم اختلسته من حقيبة فتاة جميلة
أني أصبحت عنيفاً ..
أريد أن أفترس كل من يصوب بندقيته علينا عندما أخرج من المستنقع ..
الشارقة الناصرية الفترة الممتدة 1/5/2013 إلى 1/9/2013
لا أنظر إليها إلا في الأعياد
ولأنها جميلة كعطلة الأسبوع لا أزورها ستة أيام
في باحة القلب وتحت أيكة رموشها
حين وقفتُ على رأس قدمي
كان حذائي متسخاً لم تسألني من سينظف كل هذا الغبار ..
ولم تسألني أشياء أخرى
قالت :لماذا لا يرصفون الشارع حين ترجع الريح ..
ولأني الوحيد الذي يعرف أسرارها
وتلك الأساور التي في يديها مغشوشة
أعيد بناء غيمة لا تخرب محصول أحد
ولانها كباقي النساء تحبني عندما أغضب كمصباح ملتهب ..
تطمئن كي لا تهرب البلابل
وليس في البستان نوافذ
وليس في عيني باب أخر ..
ولأنها كباقي النساء تتذمر من المشي طويلا بالكعب العالي
عندما يجف الخبز
ولا يأتِ الحمام في الساحات الكبيرة
من أين احضر لهذا الطريق الطويل بعض الحلوى
والمدينة اغلقت كل دكاكينها في هذا الليل ..
في يومٍ ما
في يومٍ ما آخر
كما هي مطمئنة مطمأن أنا ..
بقايا الضوء ستغدو قرصاً
حتى لو سحنوا الغيمَ على أرجل الريح
قوس قزح قادم كقطيع ثيران هائج
وسائس النجوم عائد
كصوت الراعي حنوناً ينادي قطيعه ..
سيعود ظلي طويلاً
وأرجع إلى بيتي كأنّي النهار ..
أراقب جروح الفلاحين ولا أدوس قبورهم
كأني هندباء البراري كأني الربيع ..
من طرف الطريق إلى الطرف الآخر
من قلب إلى قلب
من حقل إلى حقل
من حرب إلى حرب
فقط عندما أعود إلى هناك أشتري سيجارتين
أجلس على كومة قش وأنسى عندها كل الأبجديات ..
3
ولأنه أمضى الليل مراقباً
على ضوء قنديل يخبو ويرتجف كعين ناعسة ..
بين كل الوجوه المتعبة
أصبح شاحباً كبطن الأفعى ..
مكسوراً كأب يُضرب على مرأى من أولاده
ولأنه أمضى الليل بطوله مراقباً
أصبحت ذاكرته كما الذباب
ينتظر على عتبة كل امرأة تقلي البطاطا
ربما تلف له صندويشة كما كانت تفعل أمه ..
يمسك كل مذياع قديم ربما يسمع صوت أبيه ..
ولأنه أمضى الليل ..
الليل ..
بطوله وعرضه مراقباً ..
لم يبقَ في معطفه إلا زر واحد..
زر واحد لا يفتحه إلا حين يطمئن على كل زنابق الينبوع ..
في ظل خسوف القمر
زر واحد يفصله عن زقزقة نساء الحي ..
في الصباح الباكر أمام فناء الدار
حين يتحدثن عن ليل البارحة ..
4
لا بأس صديقي لا بأس ...
قتلنا الكثير من الحيوانات لكنّي مثلك بدون معطف
يدثرني من برد الشتاء
ولا وشاح ..
لا بأس أن نضحك قليلاً وسط كل هؤلاء المهرجين ..
أن نشعر بالملل كثيراً لا بأس ..
لم يعلمني أبي الجلوس على الكرسي مدة طويلة
ولم أرفع مظلة في وجه الغيم
ما خنتُ المطر
ولكن
لا بأس
قلبي يقفز كمظلة في الخريف وتلك الغيوم قطيع مظلاتي ..
ما زلت غير متوازن يا صديقي دعني اتكأ عليك
كطفل يضع دولابين صغيرين على دراجته ..
لا بأس صديقي لا بأس ..
البيوت الكبيرة و الاحاديث الكثيرة
سقطت منها الأساسات
جدران رطبة
أطلال حروف
وجوه مستديرة
عيون ندية
غرف فارغة
أيدي كثيرة وابتهالات
ودعوات كبيرة سقطت منها
وسقط الكثير الكثير
حبال المسبحة كانت تقليدية ..
لا بأس ..
أن نترك المساء
هذا المساء بدون قيد ..
لا بأس ..
حتى لو رحلتْ تلك التي كانت تجفف ثيابي تحت الشمس ..
في يوم مشمس تحت الشمس إلى مكان أخر تحت الشمس ..
لمن أترك كل هذا الجفاف يا صديقي ..
لا بأس
إن مرت كلماتنا كقمر الغابة بدون وقود ..
لابدّ أن نترك المكان يوماً إن لم يكن اليوم غداً ...
المكان الواسع لا يتسع لفنجانين صغيرين من القهوة
لسعفة مبللة بالندى في النهار المجنون ..
لحقيبة أسئلة من غريبين يتعرفان على بعضهما لأول مرة
لم أحرق شيئاً عند عتبة البيوت المنتشرة
من أين كل هذا الرماد......
صانع الصندوق العجوز قطع أشجار الغابة
صانع القوارب تسلق أغصان القلب
صانع الطبول عزف لحناً
رقصنا واكلنا وذبحنا على أنغامه
نحن لا نصنع الخيام من أين جاء كل هؤلاء الغجر......
طالب المقعد الأول ذو النظارة الغليظة لم يراني
حين كتبت على اللوح لأول مرة
لا نغني إلا مع صوت مقاعد الصف
هاجمنا قطيع من الصلعان بأغنية فاضحة
هم نفسهم
في الصف
في نفس المكان بدون قبعات ..
هل كان الصباح أم أنتِ غادرت مبكراً جدا إلى الحقول
كي نترك هذا المكان ....
8
وما حال البلاد إلا كحالي ..
يا صاحبي القادم من ذاك الغروب لا تمسك الشمس
وقلبك بارد
ويداك باردتان
وعيناك كالجمر المحترق على بسطات الشواء
عود كبريت أشعل شمعة
عود كبريت أحرق محصول جارنا ..
يا صاحبي الواقف في طوابير الانتظار طويلا ..
ينتظر الرغيف الساخن
هل نامت الشمس مبكرا عن محصولنا
كان حريّاً بك ألا تجمع الحطب كثيرا ....
دكان المدينة لن يروِي كل هذه الأشجار العطشى
ولا الذئب يتأنى كثيراً وسط غابة عارية
يا صاحبي الجميل كقط القصور
ما زلتَ كما أنت لا تعرف المشي على جدران المدينة ..
ماذا لو تأخر الظلام قليلاً ....
ماذا لو تأخر هذا الحزن كثيرا ....
كما تاخر جدّي في حقل الزيتون ذات زمان
جدّي الذي لم نجد له مكاناً وسط القبور الجديدة
لا طريق وسط كل هذه الحرائق
ماذا لو تأخرت أمّي في الطبخ عن الغداء
أمي التي تتقن طبخ البامياء والبكاء ..
ماذا لو توقف الفأس عن حفر المقابر
ليزرع الأزهار في الحدائق
ماذا لو نتوقف عن الحزن قليلاً
نفتح النوافذ
نغني مع جوقة من الفلاحين في صباح الحقول الواسع
المعبّق برائحة ثياب العيد التي تحمل ماركات المدينة ..
ماذا لو نختبئ قليلاً على صخرة عالية وسط هذا الفيضان العارم ............
لم أكسر بيوض العشِّ في تلك الأشجار الماكرة
من أين انبثق سحاب الخريف هذا ......
ذلك الطفل الذي يمشط شارب المستقبل
يربي الذباب ويبيع الكوليرا للنهار
قال : ليست كل الأزهار سعيدة
هكذا أخبرته وردة تدوس تراب المقبرة ..
في ليل ما احترقت الوسادة الصوفية
لم تعد أمّي تفسر الأحلام
ولم تعد تزورنا نساء الحي في الصباح ..
السحاب تحرك سريعاً
لم نعد نطرق أبواب الجيران حتى غاب عن نوافذنا الحمام..
وحدها ..
تغزو سماءنا نوارس ثقيلة تسقط من منقارها قشة خفيفة ..
ترسم ابتسامة مؤلمة في الدروب الضيقة
عندما يضيع الظل
و تتكسر بيوض الأمل ...
لم أدعِ أني أعرف الطريق لكني أراوغ الضياع
كي يطول الطريق ..
كي لا أترك الليل وحيداً وهادئاً
كي لا أترك يدكِ وسط كل هذا المطر
كثيراً مررتُ في الممرات الضيقة
لم أجدْ ظلاً لي
ولأني لا أؤمن بقصة حبًّ بين عاشق ضائع وابنة شرطي ..
أتجاوز الإشارة الحمراء وأصفّر للفساتين القصيرة
في الشتاء الذي يجلب الشتاء ..
أرواغُ والبحر يتكلم طويلاً
الشمس دلو البحر
الغيم بئر البحر
والبحر المسكين
مسكين لا يحتفل بملحه لولا سيول الجبال ..
ولأني أعترف كالبحر لا أعرف الطريق
مسحتُ كل خرائط الجغرافيا في دروبي ..
تتعلمُ أن تضع الرمل في عينيك
وتحرقَ حقول القطن في فمك
تحاول التلذذ بالعواصف ولم تعتد المطر بعد
تمر على مصارف الحبِّ ولكَ في القلب ديون كثيرة ..
تصنعُ الكثير من النوافذ في غرفتكَ التي لا تحتمل الزجاج ..
لن يبقى الحمام في دارك طويلا ..
من أين جاءت رائحة البابونج هذا المساء
ذلك البابونج البري الذي يمر غريباً في المقاهي وأنا حقله ..
لم يكن يحتمل أن يرى الأرض تفتح قلبها للنمل
لكل الحرامية التي تسرق بيادر حقولنا ..
12
قبل أن تعود حافلة الفجر
وأن يذهب الأولاد إلى المدرسة
وقبل أن يكنّس عامل التنظيفات الشارع
هل وجدتم في ذلك الليل بعض النعاس
وحلماً دافئاً أخضر ..
ما زالت رائحة المراعي والحقول لا تزول عن ثيابي
كان يجب أن نهاجر لنعرف
ليست كل الأراضي خضراء ..
والسرائر المرتفعة كثيرا لا تحمل الوسائد الكبيرة
وفوق البناية وفوق هذا الصباح
تجلس الشمس
وفوق كل هذا ما زالت الغابة تدمع على مرأى من الغيم ..
قبل أن يفرش الراعي أغنامه الشقراء تحت هذا الصباح الأشقر
تحت الكهوف الناعسة التي ملّت من الينبوع المؤدب ..
أمر ّ في كل ليل بالحواري الضيقة كأوكار السناجب
ولأني أغني عند كل شبّاك مفتوح
يحسبوني سكران الحواري في الليل ..
الذين هاجروا بحافلات الأمل بعد أن قطعنا التذاكر ..
12
الفجر المحترم والهواء الأنيق كبدلة العريس
ينتظر عروسته الشقراء ..
في هذا الفجر المحترم
يمر المركب المثقوب وسط بحر فقد ذاكرة العمق ..
ما عاد يخاف رهبة الشطآن الجديدة
وجد متعة الغرق ..
كحقل قاحل لم تعد تنبت فيه السنابل
اشتاق جدا للجراد ..
اشتاق جدا للجراد ..
في هذا الفجر المحترم مرَّ طيفٌ من غسق ..
13
السماء المؤدبة زيادة عن اللزوم
لا تحب الطائرات
وهو لا يوضب حقائبه وقت السفر ..
كعاشق يعلم أنها لم تكن له يوماً
لكنه يريد ليومه عنوان ..
طحين الليل ثقيل
لم يخبر النهار رغيفه على مائدته
مضى إلى موائد الغجر ..
فاته الكثير من القطارات
تلوك في يديه التذكرة القديمة ..
كلما اشتم عطر بائع التذاكر
أصبح ضيف المحطات ..
يحدق في الشرفات المفتوحة كقلب مفتوح
تلك التي لا تنشر إلا الثياب النظيفة
وبعض ملاقط الغسيل ..
لا تهزها الريح
ولا يكسرها حتى المطر ..
من أين كل هذا الألم
ليس موتاً إلا أنه ميت
مضى في الزقاق الأسود
يبحث عن كأس الصباح ولهفة الحليب
في غرفة بلا شبابيك ..
يبيع الجثالة ويشتري القمر دون مقابل
البياض فضول عجيب ..
أين كل الصعاليك الحلوين كقطط الحواري والمساء ....
وذلك الطفل الذي تسلق رقاب العوام في الطابور الطويل ..
نشر خبزه وبرّده على الرصيف
عاد إلى البيت لم ينبس ببنت شفة
نسي خبزه على أكتاف الطريق
نمتِ الأشجار بسرعة واعتاد رحيل البستاني
ككل شيء جميل ذهب ورحل
من أين كل هذا الألم
بعض الأحذية تدمي القدم
أنا هكذا لا أحد مثلي..
لا أدهس عنزة إن قطعت طريقي
أطعمها بعض أزهاري وأقول لها بصوت هسيس :
لكِ الطريق
لكن لا توسخي بللور سيارتي ..
وأمشي كما كنتُ أمشي في يوم ما
على تخوم المدن البريئة
تغيرتْ حافلات قريتنا كثيرا ..
يا أيها الطريق الجميل
لم نعد نمشي
نخاف على أقدامنا الزجاج
نخاف فرح الضجيج ..
لم نعد نضج الحبوب على النوافذ
كي يقف الحمام
كي تطير أجنحة الكلام
كي يمر خبز القصيدة حافياً في ساحات العصافير العطشى
يمر أسطول المطر المغرور في لوح الذاكرة العالي
ليستْ قامتي طويلة لأمسح السطور الأولى
لأقطع الشجرة اليابسة و أصنع سلماً خشبياً
أحتاج مسمارا وحديد ..
أحتاج الحديد ..
أحتاج الحديد..
14
رسائل أبي المبللة بالمطر
صدئت كل ملاقط الغسيل
لم تجف..
رسائل أبي التي لا تقرأ المطر
يقرأها المطر
القميص المبلول على حبل الغسيل
تعوّد على أسنان ملقط الغسيل
أصبحت هكذا وهي كذلك تجري
القمصان التي أبهرت أصحابها
قضمت جلدهم
باليةً تمسح الارض
القمصان التي أبهرت أصحابها يوماً..
14
الأقدام التي تمشي على كلماتي
تكسر يدي
طال ظفري كثيراً ..
واضحاً كالبهجة
غامضاً كالحزن
ينحت الجدار :
الورد خبز الجياع
والريح التي انتعلت حذاء جندي
بين الثلج والشمس
كانت هواءاً فاسداً في وجه الموسم
غاية تراجيدية في الغابة ..
مليئاً بالمسامير
الكرسي اعتمر بساطاً فاخراً
غريباً أمضي يا أمي ..
لم أنضم إلى الغجر يوماً
فقدتُ صوتَ مرقاق الطحين
أراقب الذي قطع الأشجار وتدفأ بعظامه ..
الشجرة التي كانت حاملا بكرسي
كانت ترضع السلالم
الذاكرة كنز كبير
الذاكرة ذئب متوحش ..
أكان يجب أن اتذكر الاقدام التي تحرز هدفاً
تخلع قميصها
لا تحي الجمهور
أكان يجب أن أتذكر ..
أن للأسماك ذاكرة ضعيفة حتى صارت خبز الحيتان والصيادين ..
أيها الشاطئ الواطئ ....
تمادى البحر كثيراً
يرمي أغانيه القديمة
الصدف ذاكرة البحر الطيبة
قربَ سفن الرذيلة مرَّ الحوت الطيب
له مع البحر ملح كثير
العناوين عدة وكبيرة وكذلك هي الشطآن ..
رسائل البحر فارغة .. ..
كطبيب مترع بالأمراض يوزع الدواء على المرضى
البحر ملك الخطايا يطهر الأجساد العارية
البحر حرب حافية
وسط مدينة حامية الوطيس ..
أيها الشاطئ الواطئ لا تنحنٍ كثيراً
كي يبدو وجه أمك العالي
ورقبة كل من لم يلوح لك ...
16
وطني أنا لا أبرد ...
منذ زمن قربي مدفأة بدون وقود
أنا وهي نعيش في الصقيع ..
عظامي قطعة حديد تصل بين مرفقي أرجوحة طفل
عظامي لا تبرد .. ..
ذلك الذي يعرفني جيداً
الثلج القريب ..
من معطف الريح
أخرج منديلاً عتيقاً
ألفُّ به الشجر العاري
أحرق الأوراق الصفراء
أتدفأ بكل الحطب الكاذب
لماذا لا يحل الظلام إلا حين نبتعد عن البيت ......
كشجرة وحيدة تسلب كل عصافير الحزن
لماذا كل هذا الحزن الأناني وسط هذه الغابة ......
عشرون عاماً أتأمل النجوم هي نفسها لم تتغير
لماذا يتغير الأصدقاء ......
كبحر معذب بين شاطئين في وطنين مختلفين
أحمّل البضائع الثقيلة على المراكب المتعبة
أضواء السفن الركيكة لا تصنع جزراً
وطني لا تخف أنا لا أبرد
لكن لا تسلخ جلودنا وتصنع منها معاطف للسلاطين ..
16
لا زالت لدينا أشرعة كثيرة
لم يتغير..
البحر هائج كرئة مدخن
وهو لا يشرب مع الغرباء
جداً أمين
لم يعرف البحر يوماً ..
لا فائدة ..
إذا ما طار الحمام في السماء
ولم تضع الخبز على السطوح
كي يعود الصباح
لا فائدة ..
إذا ما كان القطيع سيمفونية
لا تكتمل إلا بالراعي والكلب
ولص القرية البسيط
لا فائدة..
جميلا كعصفور لا يخشَ بندقية الصياد
ولا عراء الأشجار
يخاف أن تقع قطعة القش من منقاره الصغير
لا فائدة ..
الحطّاب الذي قطع الشجرة
صنع منها كرسيا و مشنقة
على شجرة أخرى
كنّا نبحث عن أرجوحة روزا
و روزا عطر من قريتنا
عطش الكروم مؤلم ..
لا فائدة
ليست الأقدام وحدها تحمل رائحة السفر
الطاولة بأربعة أقدام متاع الأعباء
لم تفكر بالرحيل ..
لا فائدة ..
أجمل من يرى الياسمين حجر ضرير ..
ندفاتُ الثلج لا يشعر بها إلا الشجر الكفيف ..
لا فائدة ..
لا زالت لدينا أشرعة كثيرة وسط هذا البحر المتردد
ولي شراع قديم
فستانكِ على حبل الغسيل ..
أحدهم قال وقالتْ
الجو خارجاً بارد
وأنت لا تسلخ الوحوش كي ترتدي معطفها
الداخل شتاء موحشٌ بدون معطف
1
أمّي ..
قلتُ لكِ سأجمع حطبَ الغابة وأعود
لم يقل أبي إن لم يكن فأسكَ قوياً
ارجعْ قبل أن يحل الغروب ..
الغابة يا أمي
فيها الكثير من الثمار الجافة وآلاف الديدان
فيها الأرانب البيضاء الميتة وقطعان الذئاب
الذئاب..
كانت كلاب قريتنا فخمة تفهم لغة الحجارة
وإن أخطأ شخص الطريق تكون الدليل
أربعة أعوام مضت وجراح اللوز لا يزيدها إلا الملح ..
في الغابة لا يخاف علي أحد من السيارات
حين أتجاوز الطريق..
و في الصباح لا أشرب الحليب ..
مثل عروس تستحم بحجر الخفان
يهطل الليل في الغابة
وأنا أنام على وسائد الريش مع ذلك لا تطير أحلامي .......
في الغابة كراسٍ مدماة بالمسامير
من أينَ جاءت كل تلك السفن
حتى ملَّ الليل من أحلامنا سريعاً......
أبي ..
أنا لا أعودُ بدون حطب ..
أنا لا اعود ..
لا أعود ..
لذا أرسلُ لكم كل مرة عظمة متفحمة من جسدي ..
2
لا تنتعلي حذائكِ بسرعة
مثل طفلٍ يريد شراء الحلوى من الدكان ..
ولأنك قصيرة كشجرة رمان
لا تذهبي حافية ..
اليوم ماطر
سيتعفر فستانك بالتراب ..
والجيران يعرفون جيدا إني أزرع الورود كثيراً في غرفتي
وأنتِ كلما تأتين تقطفين وردة
ولا تتركين سوى الطين ..
3
لا أخبار تسرّني كلُّ شيءِ عادي ..
الربيع يمشي الهوينا على نافذتي
كمليونير مفلس
أقفُ أمام البقال مبتسماً وحزيناً ..
أراقبَ شجرة وحيدة
تجمع أوراقها الصفراء
أين سافرت كل العصافير ....
بعض الأغصان تكسرت تحت ثقل الأولاد الأشقياء
وبعض السناجب تقضم اللحاء
الشجرة في الليل هولة
الشجرة في الليل عائق
لا تنفع إلا عصافير الصباح والعاشق
العاشق الممتد كطحلب ضخم أمام بركة بائسة ..
لا أخبار تسرني هذه الليلة
يجب أن انام مبكراً ربما ألقاكِ في الفجر المتأخر
الشجرة أصبحت طبلة للعرس ..
الشجرة أصبحت لوح بندقية صيد ٍتجمع جثث العصافير المهاجرة
4
لا مكان ..
لن تجدَ مكاناً لك ..
ارجعي أيتها الغيوم العجولة كقطيع من الأغنام البيضاء
ما زال هناك منديل أبيض بين يديكَ
ما زالت غابتكَ خاوية من الذئاب ..
الساعات ثقيلة والغرفة مبعثرة كمملكة طفل ..
منذ زمن لم تنظف أمي السجادة على السطح
لتزيل الغبار
ويحل الشتاء ..
وتغفو في ركن الدار أسرارنا
كقطة تغفو عند الباب في نحيب الظهيرة
وتأخر المساء ..
لا مكان ..
أن تحرق قصائدك في الغرفة لن يجلب المطر
أن تفتح النوافذ وتتضرع للغيوم العجولة
كي تنسى القمصان المنشورة على حبل الغسيل
سيلان البلل ..
ليبتل العشاق
ويركض العجوز وتحت إبطه جريدة قديمة
كي يقرأ المطر ..
لا مكان للكيمياء يا صديقي في غرفتك
المطر في مكان أخر حتى لو حرقت كل قصائدك ..
5
أريد أن أصحو غداً سعيداً ..
كطالب أنهى امتحاناته
ولم يبق في جعبته واجبات ..
أريد أن اصحو غداً ..
كمجرم أحصى كل اعدائه
وفي الصباح ترك بندقيته معلقة على الجدار ..
مضى إلى الحقول
بعينين محشوتين بريشةٍ حمامة هربت من الصياد ..
أريد أن اصحو غداً ..
كعاشق متأخر لم يسمع أغنيته
مسرعاً ركض إلى حبيبته
وفي جيبه تذكرة قديمة
أريد أن أصحو غداً سعيداً ..
كطفل يلبس بدلة العيد في الصباح
ويلّم الحلوى من عتبات الجيران ..
بقلبٍ ممتد كحقول الأرز
أريد أن أصحو غداً
دون ان أتذكر كم من الساعات نمت ..
وفي رئتي بالونان من هواء مدينتنا..
6
قلم رصاص بيد طفل ناعس..
عندما ينبض قلبي هكذا
يومي يتعب
تشتدٌّ في وجهي وحوش النهار..
كان َ الليل ٌ جميلا مرّت البارحة ..
فكرتً كما كل مرة أن أربي قطة
تخلصني من فئران غرفتي وتقضم الستار ..
بعيدا ً سرقني شجر الغاب
التين المجفف على سطح الدار..
تحتها سترة جدتي وكل النهار..
زرقاء اللون يدور حولها الأطفال
تدور ولا تدار ..
الوجوه التي تمر أمامي على جدول الماءِ
لم أرمها بحجر أنا لا اعبث بالأحجار..
لها سرب من البجع ورحيل الحمام
ولي حجر أرميه الى عندليب النهار
عندما ينبض قلبي هكذا ..
تستحضرني فئران حقلنا التي مرّت من القرية
و ماتت في مجاري المدينة في وضح النهار
عندما ينبض قلبي هكذا ..
أرسم وجه أميّ تحت ظل شجرة بائسة
في ملل ظهيرة القرى
تذر القمح في الصباح
تبلل وجع الصوف بدمعها
عند موقد المساء لعلها تدثرّ الصغار..
عندما ينبض قلبي هكذا ..
أتدلى كفقمة بين الصخور
لتنعم برائحة الشمس بعيدا عن بلل البحار ..
7
أحبّكَ أيها الحزن اللطيف....
كموظف أرشيف ملّت الملفات من يديه ولم يمل ..
تقول أمي : لا رسائل منك ..
ولا نسمع صوتكَ إلا في الأعياد الهامشية ..
وأنا أكتب الرسائل حين يلهو العشب كطفل بريء
العشب الأنيق الذي أضاع دميته حين كبرتْ أقدام المدن
بيدٍ مهشّمة وسط البرد العنيد ..
بدون قفازات
يمر ساعي البريد ..
أنا لا أعرف الكتابة على دفائر الغرباء..
أحبّكَ أيها الحزن اللطيف....
كمسمار صدئ في جدار عتيق
أتسمّر في مرايا الغرفة القديمة
أيها الفرح المتشرد ..
لا تفيد المطرقة في مسمار عشق الجدار ..
أقطف الأزهار نضرةً
تبقى المزهرية كما كانت..
لا تتعب الأزهار
ولا من غربة الحدائق تخاف
إن مرَّ بها فتى أنيق..
أحبّك أيها الحزن اللطيف ....
لا تحدثني عن العلوم والكيمياء
جليد فوق الماء وتراب واهمٌ على التراب يذوب ..
أنا جداً بسيط..
الغيوم عندي حقل من القطن الجميل
الليل عندي حين يتدلى القمر
فنجان قهوة مع الحليب..
أنا بسيط جداً لا أفقه ما بخار الماء ولا الظلام ..
وعندما ترمقني حبيبتي بنظرة
أستطيع أن احدّث صديقي الطيب عنها طوال الليل وحتى النهار ..
أحبّك أيها الحزن اللطيف ....
تنتظرني على مقعد الحديقة دون ملل
لا تنظر إلى ساعتكَ أبداً ..
حتى لو تأخرتُ عنك ساعات وأنا أقطف الأزهار كي أنسى الطريق ..
8
لم يبق في المدينة عشاق ..
شجر العيد عطشان
من أين نسقي كل هذا الجفاف ....
أنهار الحب موصدة بألف سدٍ وباب
9
تلك التي فتحتْ الباب وسرقت حذائي ..
بَنَتْ سوراً من الهواء أمسكَ قميصي ..
ثمة ما أفكر به كثيراً
هناك رملٌ لا يصنع أقلاماً
وحدها الأشجار من تسلخ جلودها لتطعم الورق ..
الأغاني الرديئة جميلة في هذه الحافلة
جميلة كوجه ضيفات أمي ..
تلك اللواتي لا تغلي القهوة إلا بين أصابعهن
يقرأن مستقبلا لا سواد فيه
تلك التي فتحتْ الباب وسرقت حذائي
جعلتني أقف على الشرفة طويلا
أنتعل أحذية غريبة وأمشي متثاقلا
أمشي بثقل ولا أبتعد عن البيت أبدا ً
لا أبتعد ..
أبداً لا أبتعد ..
10
لا لستُ حزيناً لكني أضعتُ بعض الظلال في الطريق ..
هنا
وأنا أقطع قصب السكر وأرفع أحمال الحديد
وأبي هناك ما زال في مجلسه الفصيح ..
وأمي لا تزال تنادي الأولاد في الزقاق
وحين يشتد صوتها تخطئ باسمي وتصيح ..
يمرٌّ الغول الكئيب
والخريف يا أمّي كما كان يقول أحد الرفاق
كئيب وكريم ..
يوزعُ النقود على فقراء الأرض ..
لا في الصيف ولا في الشتاء
ولا في الفصول الأربعة أكتب على البلاط ..
أنا لا أرسم إلا على الجدار ..
أمّي أنا لستُ حزيناً ..
لكن إن لم نجتمع في نفس الدار
لن يحلو اللقاء ..
ولو عدتُ بدون هدايا أين أنظرُ في أي المرايا....
إذا سألتني أختي عن حقيبة الهدايا ..
أمّي أنا لستُ حزيناً ولكن المطر غزير هذا العام ..
والمطر قافلة الجياع ومفتاح الضياع
المطر يُولد شجرة زهدتْ عن دنياه ..
11
أنا الذي يطرق بابكِ في هذا البرد ..
الجو موحش ولا سجائر عندي ..
هناك الكثير في هذا الصدر غير أعقاب السجائر:
تبتلع المدينة بطون الجوعى
لا عروض سيرك في المدينة هذا العام
إجازات المهرجين في مواسم البكاء طويلة ..
والبحر الذي ابتلع مئات الغرقى لا يفيد حقول العطش
وحدها الأنهار تنسى غرقاها حين تمر منها جِرار العطشى
إنها القرابين ليس بوسعها أن تطهّر من اعتاد مواسم الملح ..
أنا الذي يطرق بابكِ في هذا الليل ..
كم ملأتُ غرفتكِ بالحطبِ فكنتُ الحطّاب
و كثيراً ما كان الغريب الراعي الحنون ..
أنا الذي طرق بابكِ مراراً..
الغيمة تمرُّ والظلُّ يمر ..
الغيمة البيضاء تمرُّ بسرعة
ثمة غيماتٍ سوداء لا تنسج سوى ثباباً مبللة..
قال ذلك غيلمٌ اختفى ذات غيم ..
أنا وحش البراري الذي ما زال يحرس عظامكِ
تحت ظلِّ أيكة قديمة ..
12
عندما تصنعُ أمي القهوةَ لا يبقى من الهمِّ هم ..
تبعث الدفء في البيتِ كطقم أبي المعلّقِ على دولاب الملابس ..
كرجل يطفئ أضواء المدينة
متلهفاً
يمضي إلى البيت و يحلم بوجبة الحساء ..
أمّي وقهوتها التي تشفي جروح الغيم
مهما طالَ ذقن المطر ..
أمّي ..
إن شاء الحزن لا أشي بأسراره ..
وإن أشاء أقفزُ على أسواره ..
لكن عندما لا أجد جداراً أعلّق عليه صورة جدّي
تحترق كل العكاكيز مبكراً ..
أصبحُ غصباً عني
كجريدة قديمة تلك التي يأكل عليها الحزانى..
وحيدون نحن جداً وحيدون
هنا في فرجة هذا العالم ..
كلص خائب أمام خزائن خاوية ..
13
التقيتُ بها ..
نحن موظفي الصباح المملين ..
قالت لي:
لم أعد أقف على الشرفة وانتظر ابن الجيران
لا شيء في هذا الربيع يدثرني كاللحاف الذي كانت تحوكه جدتي ..
لا شيء يسندني كالوسادة المرتفعة وسط مجلس دارنا القديم..
حدّثتها عن الذئاب الجائعة
وهي تبحث عن فريسة ترعى الحشائش في غير أرضها ..
حدّثتني عن جوربي الممزق ..
مرَّ بنا طفل يقتل الأحصنة بدراجته الصغيرة
أحصى كل القصور التي أمامي
أعطيته دفتر حساب
أهداني بعض الغبار ..
أنا في الربيع لا أذكر شيئاً مهماً ..
ذقني لا تطول لكني أذهب إلى الحلاق كثيراً ..
أحمل بيوت المدينة في جيب بدلتي الرسمية
يفوح منها رائحة اللحم المغلي ..
أنا في هذا الربيع شاحنةٌ مليئة بالبلوط ..
أذكر جيداً تلك الفلاحة التي كانت ترضع طفلها خلف الشجرة
وتصنع باروكة للأرض الصلعاء
أنا لست شريراً كي أقول لها الشمس أيضاً شريرة
والخشب المهترئ لا يدفئ إلا المسافرين
لم يعد لصوتي نوافذ مفتوحة
الشرفات التي لا تفتح أبوابها في الشتاء تنغمس في الطين ..
اعتاد ﺃﻟﻔﺔ ﺍﻟﻈﻼﻝ
ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺗﻮﺟﻊ ﻋﻴﻨﻴﻪ
ﻛﺪﻛﺘﻮﺭ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﺾ ﺫﻛﺮﻳﺎﺗﻪ
كدكتاتور ﻳﻤﺘﺺ ﺣﻠﻴﺐ ﺍﻟﻈﻼﻡ
ﻫﻲ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻪ ..
ﻛﺒﺘﻠﺔ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ
ﺗﺆﻧﺴﻪ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﻗﻄﻴﻊ الأغنام ﺍﻟﺸﻘﺮﺍﺀ ..
ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻀﻔﺎﻑ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﻫﺎﺩ
ﺗﻤﺮ ﻭﺟﻮﻩ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﻗﺮﻳﺘﻪ
ﻃﻴﺒﺔ ﻛﺘﻠﻚ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ
ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻻﺗﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺗﺒﻨﻲ ﺳﻮﺭﺍَ
ﺗﻨﺒﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﻼﺏ
ﻭﻻ ﻳﺮﺗﺎﺩﻫﺎ ﺿﻴﻮﻑ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ ..
ﻭﺟﻮﻩ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﻗﺮﻳﺘﻪ
ﻛﻔﻼﺡ ﺃﻧﺴﺎﻩ ﺟﺮﺍﺭﻩ ﻋﺼﺎﻓﻴﺮ ﺍﻟﺤﻘﻞ
ﻛﺄﺭﺟﻮﺣﺔ ﺿﺎﺋﻌﺔ
ﻛﺸﺠﺮﺓ ﺑﻠﻮﻁ ﻭﺣﻴﺪﺓ
ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﺠﻮﻋﻰ
ﻛﺸﺎﺣﻨﺔ ﻳﺒﺘﻠﻌﻮﻥ ﺍﻷﻛﻴﺎﺱ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﻓﻲ ﻟﻴﻞ ﺍﻟﻤﺪﻥ
ﻻ ﻳﻨﻀﺞ ﺧﺒﺰﻫﻢ ﻓﻲ ﻓﺮﻥ ﺍﻟﺘﻨﻮﺭ
ﺇﻧﻤﺎ ﺑﺸﻔﺎﻫﻬﻢ ﺍﻟﺠﻮﻋﻰ
الشارقة الناصرية 17/1/2014 حتى 1/4/2014
......................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................
كعادته ..
لأنه لا يملك حقيبة
وضع قلمه في جيبه وبعض الأوراق..
قفز فوق سور المدرسة
قبل أن يمتلأ الجدار..
قبل أن يدق جرس الانصراف ..